العدد 869 - الجمعة 21 يناير 2005م الموافق 10 ذي الحجة 1425هـ

قصة أول اتحاد نقابي في تاريخ الخليج العربي

من ذكريات رواد العمل الوطني...

تقي محمد البحارنة comments [at] alwasatnews.com

شاعر وكاتب بحريني

في التاريخ الحديث للحركات الوطنية في البحرين، تشكل القضايا العمالية محورا أساسيا منذ بداياتها في أوائل القرن العشرين. ففي الفترة التي سبقت استخراج النفط "1930" وما قبلها كانت الطبقة العاملة الكثيفة التي تتشابه في ظروف العمل ومستوى المعيشة هي طبقة الغواصين الذين كانوا يعملون في صيد واستخراج اللؤلؤ وما يتعلق بذلك من جمع المحار، وفرزه وتنظيفه، واعداده ليصبح صالحا للبيع والتجارة. اما الطبقات الأخرى فكانت تشمل الفلاحين، والعاملين في البناء، وغيرهم من المستخدمين في أعمال الخدمات. وهؤلاء مختلفون من حيث ظروف العمل، والاجور ومستويات المعيشة.

وسجل المؤرخون بداية المطالبة بالإصلاحات العامة والاصطدام مع سلطات الحماية البريطانية، وذلك في العام 1904/ .1905 وكانت الموجات الجماهيرية خليطا من كل أولئك، ما أدى إلى مضايقة المقيم السياسي البريطاني الميجر "برسي كوكس".

وينطبق مثل ذلك على حوادث العام 1914 والمعروفة بانتفاضة علماء الدين المشهورة، اما حوادث العام 1919 فقد قام بها الغواصون بالذات لتحسين أحوالهم والتي عرفت بثورة "الخير".

ثم تلت ذلك حوادث 1920 والتي شاركت فيها شرائح المجتمع بمختلف فئاتها. تلت ذلك حوادث العام 1932 المشهورة.

وفيما بين الاعوام 1926 و1932 شهدت البحرين سلسلة من التظاهرات قام بها الغواصون احتجاجا على القوانين الظالمة لتحديد نظام القروض للغواصين وأصحاب السفن "النواخذة". ثم تطورت إلى مطالبات إصلاحية أخرى، وذلك على اثر كساد سوق اللؤلؤ العام .1929

وحينما بدأت في البحرين صناعة النفط "1932 اجتذ بت شركة النفط "بابكو" معظم الايدي العاملة وذلك على رغم قلة الاجور وظروف العمل السيئة واعتماد الشركة على التعاقد مع الوسطاء لتوفير العمال. لهذا بدأت مشكلات العمال وشكاواهم من قلة الاجور والظروف السيئة للعمل، تظهر إلى السطح ابتداء من العام 1938 وحتى العام .1942 إذ شهدت البلاد الاضرابات والمسيرات، وقامت الشرطة باعتقال اعداد من المتهمين بتأجيجها، ثم أنزلت السلطات البريطانية قوات كبيرة لقمع المتظاهرين واعتقال عدد آخر منهم.

ويذكر في هذا الصدد فيما يتعلق بما ذكر من احتجاجات ومطالب إصلاحية سواء من قبل الغواصين أو العمال أو الوطنيين ذوي المطالب الإصلاحية... ان السلطات في معظم الاحوال كانت تتجاهل عامدة الأسباب الرئيسية لها، وطرق معالجتها بأسلوب سليم، لكي يقتصر همها الوحيد على القمع والاعتقال والتسفير... والبيانات الغامضة عن الاخلال بالأمن العام. وكأنما أمن المواطن وتحسين ظروفه المعيشية وشروط العمل كلها أمور ثانوية لا أهمية لها. وقد تشكلت في معظم تلك الحركات هيئات قدمت مطالبها إلى السلطات، وبدلا من اغتنام فرصة الإصلاح بالتفاوض مع تلك الهيئات المعروفة بوطنيتها واخلاصها لبلدها، قامت السلطات باعتقال أولئك الممثلين في معظم الاحوال، أو ملاحقتهم أو تسفيرهم.

حدث ذلك فيما قبل عهد مستشار حكومة البحرين بلغريف، ثم حدث بصورة اشد أثناء عهد المستشار المذكور باسناد من سلطة الحماية.

في مثل تلك الظروف ذات المشكلات العالقة مع فئات العمال، ودعاة الإصلاح والتغيير، تمخض الجو السياسي عن ولادة حركة سياسية شعبية عارمة تحت اسم "الهيئة التنفيذية العليا" والتي تغير اسمها بعد اعتراف حكومة البحرين بها إلى "هيئة الاتحاد الوطني"... وبغض النظر عن الموضوع السياسي، فإن احوال العمال عند نشوء "الهيئة" كانت تتردى إلى الاسوأ... ولم يكن التذمر العمالي انذاك مقتصرا على عمال شركة "بابكو" التي تمادت في فصل العمال، واستبدالهم بالأجانب والتضييق على حقوقهم، بل تعداه إلى شركات كبرى في المقاولات مثل شركة "أكمي" وغيرها... إذ لعبت تلك الشركات دورا مهما في التخفيف على شركة "بابكو" عن طريق ضم العمال اليها ما أدى إلى فقدان حقوقهم المكتسبة من الخدمة الطويلة مع "بابكو" الأمر الذي اثار المزيد من الاحتجاج والتذمر العمالي.

ولما كان عمال البحرين على مختلف فئاتهم، هم أكثر الذين تحمسوا لنشاط "الهيئة" وساندوها في انجاح الاضرابات والامتناع عن العمل التي قامت بها "الهيئة" وكانوا هم المتضررون الأكثر من جراء تلك الاضرابات سواء بسبب فقدان رواتبهم وتعريضهم مع عوائلهم للجوع، أو بسبب تهديد الشركات لهم بالفصل من أعمالهم، أو منع الترقيات عنهم... إلى غير ذلك... وبسبب كل ذلك، ولكون مطالب العمال المشروعة كانت ولاتزال من أولويات كل مواطن غيور، فاننا لا نستغرب ان تكون تلك المطالب العمالية من اولويات الحركات الوطنية ولاسيما حركة "الهيئة" لهذا جاء في المطالب التي تقدمت بها "الهيئة" عند تأسيسها ما يأتي:

"3- السماح بتأليف نقابة للعمال ونقابات لأصحاب المهن الحرة تعرض قوانينها ولوائحها على المجلس التشريعي لإقرارها...".

يقول عبدالرحمن الباكر في هذا الصدد في مذكراته المنشورة ما يأتي:

"ص - 157 - كان تأليف نقابة العمال وسن قانون عادل للعمل من مطالب الشعب الرئيسية التي تقدم بها ممثلوه إلى المسئولين، والتي تدل على ما تحتله القضية العمالية من مكانة بارزة بين قضايا المجتمع الأخرى. ولا غرو اذا ما اعتبر الشعب أي حل لتلك القضايا لا يتضمن انصاف الطبقة العاملة والاعتراف بحقوقها الثابتة، هو حل مبتور لا يرضى به ولا يقره...".

فيما عدا ذلك فقد طرأت على الساحة في عهد الهيئة ابتداء من العام 1955 مشكلة عمالية فرعية تخص أصحاب السيارات والتأمين الالزامي من خلال شركات اجنبية مستغلة... وقد عولجت هذه المشكلة بمهارة من قبل عبدالرحمن الباكر "سكرتير الهيئة" بإنشاء المؤسسة التعاونية "صندوق التأمين التعاوني" الذي شاركت في وضع قانونه الاساسي مع المذكور بالاضافة إلى المرحوم قاسم أحمد فخرو.

اتحاد العمل البحراني

انشئت "الهيئة" بمجهودات من قبل عبدالرحمن الباكر، هذه الهيئة العمالية للعمال والموظفين وأصحاب المهن الحرة. ويقول الباكر بهذا الصدد في مذكراته "ص 86" ما يأتي:

"... في غمار هذه المعمعة قررنا تأسيس نقابة للعمال دون الحصول على اذن من الحكومة، وقبل الانتهاء من سن قانون العمل والعمال. وقد اقبل العمال على الاشتراك في النقابة اقبالا منقطع النظير وبصورة لم يكن احد منا يتصورها مما يدل على ان الوعي العمالي اقوى بكثير مما يروجه المرجفون من جهلهم وعدم تفهمهم لأوضاعهم. وعلى اثر تأسيس اتحاد نقابة العمال ارتجت الأوساط النفطية والاستعمارية لهذا الإجراء الذي لم يكن متوقعا حدوثه بهذه السرعة وانزعجوا وتضايقوا منا وجاء الانجليز كعادتهم يحذرون من الاندفاع دون ايجاد قاعدة اساسية ويهددون بسحب عطفهم على الحركة..."... وبصدد ما اضطرت اليه الحكومة لمباشرة وضع قانون للعمل والعمال، يقول في موضع آخر "92 - 93" من خلال جواب الهيئة على مذكرة الحكومة البريطانية، والمؤرخ بـ 29/3/1955 ما يأتي:

"... ذكرتم في نية حكومة البحرين سن قانون شامل للعمل والعمال بمساعدة المستر أوزلي الخبير العمالي البريطاني في الشرق الأوسط. ونحن مع ترحيبنا بهذ الخطوة الا اننا نود ان نشير إلى أن مثل هذا القانون كان من الواجب اصداره قبل عشر سنوات على الأقل كما أن هذه النية لم تظهر أخيرا الا نتيجة لبروز الوعي العمالي بوضوح، وتكتل العمال في نقابة موحدة تدافع عن مصالحهم وحقوقهم بعد أن يئسوا من اقدام الحكومة "التنفيذية" على عمل ايجابي يصون مصالحهم...".

ثم يضيف الباكر في مرحلة أخرى قوله "ص - 157/ 158":

"... لقد كان المنتظر ان يتم اصدار قانون العمل والاعتراف الرسمي بحق العمال في تشكيل نقابتهم الموحدة قبل انتهاء العام الميلادي المنصرم "يعني العام 1955" - ولكن تشدد بعض اصحاب العمل المدللين وتمسكهم بوجهة نظرهم الاستغلالية، كل ذلك أدى إلى تأخير هذا القانون وعدم الفراغ منه حتى الآن..." ثم يضيف في فقرة أخرى "لقد اصدر العمال مؤخرا في بيانهم المؤرخ 23 فبراير 1956 والذي تضمن التعبير عن وجهة نظرهم في عدد من النقاط المتعلقة بقانون العمل والنقابة، وقد سلمت نسخة منه إلى الحكومة، فماذا فعلت لانصافهم...".

وعلى الصفحة 180 وما بعد ذلك من مذكرات الباكر، اشارة إلى الازمة التي حدثت اثناء مناقشة مسودة قانون العمل والعمال بين ممثلي العمال وممثلي الشركات، إذ يقول... "لقد أخذت الحكومة بمبدأ موافقة الطرفين لاقرار القانون، وهو مبدأ غير صحيح، نظرا لاستحالة تطبيقه ولانعدام كفة التوازن بين كل من جانب العمال واصحاب العمل. إذ كيف يجوز ان تعطي الحكومة لعدد محدود من الشركات التي كانت ولاتزال تستفيد من نفوذها الواسع العريض لظلم العمال وارهاقهم، نفس الحق الذي يعطى لفئات العمال المغلوبة على أمرها والتي تمثل غالبية المجتمع!..." كما تتضمن الفقرة الأخيرة من كلام الباكر تصورا لفلسفة الهيئة تجاه قضايا العمال والتي يقول فيها... عن سياسة الحكومة بصدد العمال: "... إنها لاتزال تنظر إلى مشاكل العمال وكأنها قضايا متناثرة لا رابط بينها، بدلا من ان ترسم لها سياسة إصلاحية شاملة تستوعب القضية العمالية برمتها وتعالجها من جميع نواحيها، بوضع قانون للعمال وتعويضات الاصابات، وتأليف نقابة للعمال، وتحديد مستوى أدنى الاجور، والسيطرة الكاملة على الهجرة الاجنبية وتحديد نسبة المواطنين في الأعمال، ومكافحة البطالة والعوز المادي والعناية بشئون الانتاج، وانماء الثروة المحلية، كل هذه وغيرها اجزاء مترابطة لا يمكن فصلها عن الآخر، وكل تسوية تقوم على اساس تجزئة هذه القضايا وتحقيق شطر منها دون الآخر، لن تؤدي إلى النتيجة المتوخاة من تنظيم الحياة العمالية ووضع أسسها الصحيحة وبالتالي تحقيق الاستقرار العمالي المنشود...".

قصة أول نقابة عمال في الخليج

كان من الممكن تدوين تاريخ أول اتحاد عمالي في البحرين وفي دول الخليج العربي من واقع سجلات "اتحاد العمل البحراني" المرتبة، ويومياته المدونة، وبطاقات الأعضاء المرقمة، لولا ما آل إليه وضع "الهيئة" السياسي بعد اعتقال أعضائها وملاحقة الناشطين فيها ومن بينهم من كان عضوا في الهيئة الإدارية لاتحاد العمل. وقد حالت ظروف الاحتقان السياسي منذ اواخر ،1956 والتشرذم، والتشرد والهموم الخاصة ومصارعة الاقدار - دون التفرغ لجمع المستندات ورصد الوقائع وتسجيلها.

وفي آخر اجتماع للهيئة التنفيذية لاتحاد العمل بتارخ 15 فبراير/ شباط سنة 1958 - تم اقرار حل الاتحاد "اختياريا" واغلاق مكاتبه ومقره الرئيسي على النحو الآتي:

1- ايداع مالية الاتحاد في البنك البريطاني للشرق الأوسط تحت اشراف أمين الصندوق أحمد الجابر.

2- إعادة الاثاث المستعار من مجلة "صوت البحرين" إلى ابراهيم حسن كمال. ثم حفظ البطاقات والاثاث المتبقي والسجلات الخاصة بالمكتب لدى نائب الرئيس محمد قاسم الشيراوي.

3- ابلاغ السكرتير الإداري لحكومة البحرين "سميث" بذلك، والذي وعد بدراسة الموضوع والاجابة عليه. ثم جاء الجواب على لسان يوسف الشيراوي إذ اتصل تلفونيا بتقي البحارنة وابلغه ان صاحب العظمة يرى ان يبقى الوضع على ما هو عليه. ولما كان النشاط العمالي محظورا آنذاك، وأهداف الاتحاد أصبحت غير ذات موضوع... فقد رأى الاعضاء المضي في تنفيذ خطة اغلاق المكتب، ومن ثم تكليف محمد قاسم الشيراوي بالاتصال ثانية بسميث وتسليمه صورة من هذا القرار.

وقد احتفظ حسن علي المدني "أمين سر المجلس" بسجلات محاضر جلسات الاتحاد... كما احتفظ محمد قاسم الشيراوي بالباقي من الأوراق والسجلات والاثاث وبطاقات العضوية وغيرها. وصارت بيني وبينه مراجعات كثيرة على فترات من الزمن لتفريغ تلك المعلومات والكتابة عنها ولم تسفر عن نتيجة.

ذكريات

واليوم... فإن البحرين في عهد المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المعظم، تشهد مرحلة جديدة في تاريخ العمل النقابي المنظم. يهدف إلى تحقيق مكتسبات عمالية طال انتظارها، كما تشهد وعيا عماليا وجماهيريا مشرقا، وقيادة عمالية ونقابية متوثبة ومخلصة ومسئولة. لذلك وجدت من المفيد تسجيل ما علق بذاكرتي عن اتحاد العمل البحراني ومسيرته حرصا على تجذير تاريخ العمل النقابي في البحرين، وتدوين بعض الحقائق والأفكار والملابسات التي احاطت بتكوين الاتحاد المذكور وذلك مع الاعتذار سلفا للقارئ الكريم، عن مغبة الخطأ والنسيان:

التأسيس

تأسس اتحاد العمل البحراني بقرار من هيئة الاتحاد الوطني "الهيئة التنفيذية العليا" وتولى عملية التأسيس عبدالرحمن الباكر بالتعاون مع أعضاء مجلس إدارة الاتحاد، وهيئته التنفيذية وهم: عبدالرحمن الباكر - محمد قاسم الشيراوي - تقي البحارنة - حسن المدني - محمد الساعي - احمد الجابر - محمد رحمة التاجر - عيسى الحادي - حسن جواد الجشي. "ويحتمل ان مجلس الإدارة كان يضم بالاضافة إلى هولاء، اثنين على الأقل من ممثلي العمال من بينهم السيد علي...".

وقد أسندت الرئاسة إلى عبدالرحمن الباكر، ولكنه لم يكن دائم الحضور في اجتماعات المجلس، بسبب مشاغله وارتباطاته في الهيئة، واضطراره للسفر خارج البحرين، كما أنه ربما امتنع عن الحضور قصدا رغبة في عزل العمل العمالي عن النشاط السياسي. ولذلك فإن محمد قاسم الشيراوي كان يترأس الجلسات بالنيابة.

وقد أسند منصب الأمين العام إلى تقي البحارنة، وسكرتارية المجلس إلى حسن المدني، وامانة الصندوق إلى احمد الجابر. وكان مدير المكتب الأول احمد علي التاجر، ومن بعده حسن عيسى الخياط. اما المقر فكان في شارع التجار بالمنامة في ملك الشيراوي "حاليا فوق متجر وبرادة علي أمين".

مهمات الاتحاد وأنشطته

1- لا يذكر أنه كان للاتحاد نظام اساسي، أو لائحة داخلية متكاملة "فيما عدا ما نصت عليه محاضر الجلسات والقرارات الإدارية" وكان من المفروض ان يتحول اتحاد العمل تلقائيا إلى اتحاد عام للنقابات الحرة في البحرين، التي كان يتوقع بموجب القانون المزمع اقراره، ان يتم انتخاب تلك النقابات في الشركات والمؤسسات العاملة في البحرين... ويعاد تشكيل الاتحاد ليصبح اتحادا عاما لجميع تلك النقابات، عن طريق التمثيل الديمقراطي، بوجود ممثل أو أكثر لكل نقابة منها في الجمعية العامة للاتحاد، التي يوكل اليها انتخاب مجلس ادارة للاتحاد.

وعلى رغم أن اتحاد العمل البحراني كان يشمل الموظفين وأصحاب المهن الحرة...، فإن كل العمال أو جلهم، من الذي انضموا إليه كانوا من عمال الشركات.

2- كانت عضوية مجلس الإدارة والهيئة التنفيذية شرفية تطوعية، وكان حماس العمال في الانضمام إلى الاتحاد كبيرا... إذ انضم إليه ما بين 5 آلاف إلى 10 آلاف عامل، وهو عدد كبير انذاك. وكان العضو يدفع رسم دخول ثم رسم اشتراك قدره 3 روبيات كل شهر. ولم يطلب الاتحاد معونة مادية من أية جهة. وكان المبلغ المسلم إلى البنك البريطاني عند حل الاتحاد نحو 30 ألف روبية، والمبلغ المخصص لدفع المصاريف والديون المتخلفة نحو 6 آلاف روبية.

3- اهتم الاتحاد منذ يوم تأسيسه بمباشرة حل قضايا العمال وبمناقشة مسودة قانون العمل والعمال مع ممثلي العمال في لجنة وضع القانون.

أ- فبالنسبة لقضايا العمال فقد كانت متعددة مثل الفصل التعسفي - اصابات العمل والتعويض - الاجور - الخلافات بين العمال وأصحاب العمل - منح قروض للمحتاجين منهم لبناء منزل أو للعلاج... إلخ.

وكان الاتحاد يتصل بأصحاب العمل مباشرة "مثل بابكو" ويعرض الشكوى ويتم التفاهم في معظم الأحوال. وإذا تعذر ايجاد حل، كان الاتحاد يقوم بتفريغ الشكوى وظروفها في لائحة يرفعها إلى رئيس دائرة العمل والعمال الشيخ علي الخليفة، إذ يستدعي مسئول الشركة ويقوم بحلها وديا.

وعلى رغم أن الحكومة لم تعترف رسميا باتحاد العمل، فإن الظاهرة المشجعة التي يجب تسجيلها بهذا الصدد هي أن التعاون بين اتحاد العمل وأصحاب العمل وفي مقدمتهم بابكو، من جهة، وبين الاتحاد ودائرة العمل والعمال من جهة أخرى - كان يتم بصورة سلسة. بل أنه على ما يبدو أن معظم الشركات وبابكو بالذات كانت ترتاح للتفاوض مع هيئة عمالية مسئولة تتفهم الالتزامات القانونية للجانبين، كاتحاد العمل، بدلا من المواجهة الفردية مع كل عامل على حدة.

يذكر أيضا، أن الخبير العمالي "مارشال" المكلف بإعداد مسودة قانون العمل والعمال كان متحمسا لانجاز المهمة، وميالا إلى جانب حقوق العمال المشروعة.

كما أنه لم يجد حرجا في عقد اجتماعات منتظمة مع هيئة اتحاد العمل لحل المشكلات التي كان يستعصي على لجنة وضع القانون حلها.

ب- أما فيما يتعلق بمناقشة مسودة قانون العمل والعمال من قبل اتحاد العمل، فقد كان بمثابة الشغل الشاغل للاتحاد منذ تأسيسه، وحتى انجاز القانون بالصورة التي اتفق عليها في لجنة وضع القانون الرسمية، والتي تم تشكيلها على النحو الآتي:

1- ثلاثة أعضاء ممثلين عن أصحاب العمل "الشركات والأفراد" أحدهم من بابكو "السيد مكالوك" والثاني عن الشركات الأخرى - والثالث عن القطاع الخاص "رشحت الغرفة التجارية محمد قاسم الشيراوي"

2- ثلاثة أعضاء عن العمال تم انتخابهم من قبل عمال البحرين وتحت اشراف لجنة محايدة اذكر من اعضائها صادق البحارنة وقاسم أحمد فخرو. وكان الفائز بأكثر أصوات العمال هو السيد علي...

3- ثلاثة اعضاء من طرف الحكومة "سميث - محمود العلوي..." وتولى رئيس دائرة العمل والعمال الشيخ علي الخليفة رئاسة اللجنة المكلفة بوضع القانون، وذلك بمساعدة خبير عمالي "مارشل" وخبير قانوني.

ج- وبالنسبة لأنشطة اتحاد العمل البحراني الخارجية، فإنه لم يتبن أي نشاط مع المنظمات العمالية خارج البحرين. ولكن كانت تصله بالبريد دعوات من المؤتمرات العمالية، والنشرات التي كانت تصدر في غالبية من المعسكر الغربي "الاتحاد الحر لنقابات العمال" وكذلك من المعسكر الاشتراكي "اتحاد العمال الاشتراكي الديمقراطي...".

4- فيما يتعلق بمناقشة مسودة قانون العمل والعمال، لا بد من الاشادة بالدور الذي قام به محمد قاسم الشيراوي المشرف باعتباره حامل الراية في الدفاع عن حقوق العمال، وابلى بلاء حسنا في التوقف عند كل كبيرة وصغيرة من النصوص والفقرات التي تنطوي على أدنى تحايل على حقوق العمال، وكان يقترح بدلا منها مستعينا بما توافر له من القوانين العمالية في البلدان الراقية. بل تعدى ذلك في الاصرار على منح العمال حقوقا غير واردة اصلا في قانون العمل البريطاني ولا في قوانين أخرى من مثل "أن يحتسب للعامل الوقت الضائع خلال المواصلات من وإلى مقر العمل، ضمن ساعات العمل... بالإضافة إلى فقرات أخرى كان اصراره عليها يثير حفيظة ممثل شركة بابكو على الخصوص. ما دفعها بنقل عملياتها من البحرين إلى عدن، على ما سيأتي ذكره.

ويذكر أن الخبير العمالي "مارشال" حمل معه إلى البحرين نسخة من القانون البريطاني لشئون العمال والنقابات الحرة، ليكون الاساس الذي يدور النقاش بشأنه من قبل اعضاء لجنة القانون. وشطب مندوبوا الشركات فقرات كثيرة من مسودة القانون وطالبوا بإلغائها واستبدالها أو تعديلها. أما الجانب العمالي وبإصرار من محمد قاسم الشيراوي فكان يتمسك بما يراه متماشيا من مصلحة العمال.

وكان الشيراوي يعرض نتائج المباحثات أولا بأول على هيئة اتحاد العمل، إذ ندرس معه التعديلات المقترحة ونتوصل إلى الصيغة المطلوب، والتحضير للاجتماع المقبل وهكذا دواليك.

ووصلت الازمة في سن مواد القانون أوجها منذ اواخر العام 1955 وتباطأت اللجنة في أعمالها حتى شبه عبدالرحمن الباكر مسيرتها بـ "السلحفاة" وتعطل انجاز القانون عن موعده... وكتب الباكر مستنكرا عدم انجاز القانون خلال العام 1955 متهما الحكومة بانحيازها إلى أصحاب العمل وخضوعها لضغوط شركة بابكو... حسبما تم ايراده انفا من الفقرات التي كتبها بهذا الخصوص.

أما بالنسبة لنقاط الاختلاف فكانت كثيرة جدا تكاد لا تخلو فقرة منها، ومن بين الأمثلة عليها: مفهوم الخدمة المتواصلة للعامل، وأن تعتبر فوائدها للعامل سارية حتى مع انتقال العامل إلى مستخدم جديد - ومنها عدم استثناء عمال الفلاحة - ومنها اعتبار حقوق العمال في شركات المقاولات التي تلجأ اليها الشركة الأصلية، باعتبارها خدمة مستمرة مع الشركة الأصلية إذا تبين أن اللجوء إلى المقاولين يستهدف تضييع حقوق العمال بنقلهم إلى مقاولات مؤقتة - ومنها انهاء خدمة العامل من جانب صاحب العمل ووضع شروط تحول دون استغلال صاحب العمل لهذا الشرط، وتعطي العامل حق التظلم من الفصل.

- ومنها أن تتولى الشركات تحويل اشتراكات عمالها في النقابة، إلى النقابة مباشرة.

- ومن أعسر تلك المفاوضات ما كان يتعلق بزيادة الاجور عن طريق التفاوض الجماعي مع النقابات وعقد اتفاق معها لسنتين أو أكثر ثم التفاوض من جديد على زيادة الاجور بما يتناسب مع التضخم وارتفاع مستوى المعيشة... الخ.

إلا أن الخلاف الأكبر الذي وصل إلى حد التصادم بين ممثلي العمال وشركة بابكو هو المتعلق بالبند "13 - ب" المادة 37 - وفقراتها المتعلقة بـ "حقوق الادارة" فقد اصر محمد قاسم الشيراوي على أن يضاف إلى هذه الفقرة ما يفيد بضرورة حصول الشركة على موافقة المستخدم على ما تقرره الشركة بشأنه.

وللعلم فإن المادة 37 تنص على حق مجالس إدارة الشركات المطلق في تقرير ما تشاء بالنسبة للعاملين فيها، في التوظيف والفصل والتأديب والترقية وتخفيض الرتبة، وتعليق خدمات الموظف، ووضع أو تغيير الجداول، وأساليب العمل، والاجراءات، وازالة أو انشاء الاجهزة والمعدات من دون حصر لتلك الحقوق... الخ.

فلما تأزم الوضع في المفاوضات على هذه المادة، دعت "بابكو" اتحاد العمل البحراني إلى اجتماع عاجل في منزل رئيسها "أو نائب الرئيس" سكينر... وهو منزل أنيق في المنامة يمتاز بحدائقه الغناء، وكونه مكيف الهواء... "ومكان المنزل اليوم هو المجلس الوطني"...

فلما بدأ الاجتماع فأجانا عن الشركة "ماكالوك" بتلغراف ارسلته إلى بابكو الشركة المالكة "كالتكس" إذ ذكرت فيه انه إذا اصر ممثلو العمال على اقتراح محمد قاسم الشيراوي بتقييد حق الإدارة بأن يكون مشروطا بموافقة المستخدم عليه، فإن الشركة ستنقل عملياتها من البحرين إلى عدن!.

ولما رأينا مظاهر الاهتمام الجدي والحساسية الشديدة من جانب بابكو بخصوص هذه المادة، قمنا بمناقشة الموضوع من جديد مع الخبير مارشال، ثم اجتمعنا في الاتحاد، إذ اقتنع الشيراوي بأن هذا الطلب غير معقول، واستبدلنا العبارة بأخرى تنص بأن تكون قرارات إدارات الشركات فيما يتعلق بالعمال ذات أسباب ومبررات معقولة ولا تتعارض مع نصوص القانون. إلا ان الاتفاق جرى في لجنة وضع القانون بعد ذلك، على حذف فقرة "المبررات" والاكتفاء بنص يفيد أن الشركات في مزاولتها للحقوق المنصوص عليها في هذه المادة "37" يجب ان لا تخالف ما هو منصوص عليه في هذا القانون أو اي قانون اخر.

وفيما يتعلق بمسودة القانون المعروض للمناقشة فقد كان يضم حوالي 40 صفحة تقريبا. وأكثر من 92 مادة بفصولها وفروعها، وذلك بالاضافة إلى 3 فصول ملحقة به "جداول"... وتضمن الفصل الثالث منه انشاء النقابات العمالية من المادة 39 إلى المادة .92 تضمنت فقراتها عناوين فرعية تضمنت أحكاما مثل: العضوية - وعدم اعتبار نشاط النقابة غير قانوني - واضفاء حصانة قانونية عليها - وحق انشاء اتحاد للنقابات، واتحاد عام - وحق التفاوض الجماعي مع اصحاب الاعمال على الاجور وشروط وظروف الخدمة. وانشاء هيئة فض المنازعات ولجان التحقيق - ولجان التحكيم - وحق الاضراب عن العمل - وحماية النقابة من اتهامها في حالات الاضراب بتهمة التحريض - وحق المقاطعة السلمية - هذا طبعا بالاضافة إلى المواد المنظمة لمسئولية النقابات في مخالفة القانون... الخ. كما نصت المادة الأخيرة على أن تكون الصيغة العربية للقانون، هي الصيغة المعتمدة.

خاتمة المطاف

في نهاية هذه الحلقات عن تاريخ وأحوال "اتحاد العمل البحراني" وبسبب غياب النسخة الاصلية لدى محمد قاسم الشيراوي التي وقع عليها بالموافقة اعضاء لجنة وضع قانون العمل والعمال، لا يمكننا الجزم بأن النسخة التي بين ايدينا هي النسخة الاصلية المعتمدة كما رفعت إلى صاحب العظمة بعد شهر أغسطس/ آب من العام .1956 والتي - كما قيل - أن صاحب العظمة وقع عليها بالموافقة خلال شهر سبتمبر/ أيلول .,,1956 وتسلمها مستشار الحكومة بلغريف، واحتفظ بها في درجه... حتى أصدرت الحكومة قانون العمل والعمال لسنة لـ .1957 بعد أجراء تغييرات عليه ربما وجدت أنها أكثر تناسبا مع زمن ما بعد "هيئة الاتحاد الوطني"... والله أعلم

إقرأ أيضا لـ "تقي محمد البحارنة"

العدد 869 - الجمعة 21 يناير 2005م الموافق 10 ذي الحجة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً