العدد 875 - الخميس 27 يناير 2005م الموافق 16 ذي الحجة 1425هـ

ألمانيا أعلنت الحرب على الإسلاميين المتطرفين

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

تعتقد ألمانيا الآن أنها أسهمت في الحيلولة دون وقوع عملية انتحارية جديدة في العراق، إذ أمر المدعي العام الفيدرالي كاي نيهم بإلقاء القبض على عربيين، أحدهما عراقي والثاني فلسطيني متزوج من ألمانية. وقال نيهم في مؤتمر صحافي إن العراقي البالغ 29 عاما، يملك صلات على مستوى عال مع تنظيم "القاعدة"، وإنه كان يسعى إلى شراء كمية من مادة اليورانيوم المخصب للاستعانة بها في صنع قنبلة قذرة، كما كان يسعى إلى تجنيد شبان عرب للقيام بعمليات انتحارية في العراق وإنه استطاع أن يقنع طالب الطب الفلسطيني بالسفر إلى العراق لتنفيذ عملية انتحارية.

وكشف المدعي العام الفيدرالي أن البوليس السري الألماني كان يراقب الرجلين منذ بعض الوقت، واتخذ قرار إلقاء القبض عليهما خلال عملية التحضير لسفر المتهم إلى العراق لتنفيذ العملية الانتحارية.

وفي ضوء حياة كل منهما تم اعتبارهما عضوين في تنظيم "القاعدة"، لكن ليس هناك ما يشير إلى أنهما كانا يخططان لتشكيل خلية تابعة للقاعدة في ألمانيا أو القيام بأعمال عنف داخلها. وقالت الشرطة إنه لم تصدر مقاومة عن الرجلين حين القبض عليهما. وكان البوليس السري الألماني قد توصل إلى مراقبة الفلسطيني "ياسر" في العام 1999 خلال تحقيقات روتينية في إطار برنامج تحقق من هويات ونشاطات العرب المقيمين في ألمانيا، وخصوصا الطلبة لمعرفة ما إذا كان لهم صلة بخلية محمد عطا بمدينة هامبورغ التي لعبت دورا بارزا في تنفيذ هجمات 11 سبتمبر/ أيلول على الولايات المتحدة.

ويعتبر اعتقال العراقي "محمد" انتصارا لأجهزة الأمن الألمانية لأنه أحد كوادر "القاعدة" بحسب تأكيدات المدعي العام الفيدرالي، وله صلات في السابق مع اليمني رمزي بن الشيبة الذي اعتقل في باكستان قبل عامين ويوجد في قبضة الأميركيين، إذ تتهمه الولايات المتحدة بأنه مهندس هجمات سبتمبر/ أيلول. وكشف نيهم أن العراقي "محمد" زار أفغانستان قبل هجمات سبتمبر وتدرب في قواعد تابعة للقاعدة، كما حارب ضد القوات الأميركية حين غزت أفغانستان. وجاء إلى ألمانيا بأوراق شخصية ألمانية في العام .2002 وعلى رغم أنه عرض نفسه على "القاعدة" للقيام بعملية انتحارية في العراق فإن قيادة التنظيم فضلت أن يقوم بمهمات أخرى لأنه يملك أوراقا شخصية ألمانية، ما يساعده في التنقل بحرية في أوروبا. وذكر نيهم أن الفلسطيني "ياسر" تزوج في سبتمبر/ أيلول 2004 بعد تجنيده في صفوف "القاعدة" وقام بالتأمين على حياته بقيمة 830 ألف يورو لضمان مستقبل أسرته وتمويل العملية الانتحارية. وكان يخطط للسفر في القريب إلى مصر واختراع قصة وفاته في تصادم سيارة، كي يتحايل على التأمين وتحصل أسرته على قيمة التأمين!

وكان قبل ذلك قد ضمن شراء شهادة الوفاة عن طريق رشوة بعض العاملين في الجهة المختصة في مصر. وقال المدعي العام الفيدرالي إن ياسر تعهد لـ "القاعدة" بأن يجري استخدام الجزء الأكبر من قيمة التأمين في تمويل عمليات انتحارية أخرى. وتأتي هذه الضربة القوية للقاعدة في أوروبا على حد تعبير وسائل الإعلام الألمانية في إطار حملة مداهمات واعتقالات تجري في ألمانيا منذ بضعة أسابيع. وذكرت مجلة "دير شبيغل" نقلا عن مصادر مطلعة في وزارة الداخلية الألمانية أن سلطات الأمن الألمانية تدرس حاليا قرار إبعاد مئات الإسلاميين عن الأراضي الألمانية بعد أن بدأ سريان قانون جديد للأجانب ينص على إبعاد المواطنين الأجانب المشتبه بتعاطفهم مع الإرهاب أو ينتمون إلى تنظيمات إرهابية أجنبية.

وكانت سلطات الأمن بولاية بافاريا قد ألقت القبض على مجموعة من الإسلاميين بينهم من يحمل الجنسية الألمانية وجهت إلى 11 منهم تهمة الانتماء إلى خلية إسلامية متطرفة والعمل في تزوير وثائق ومستندات شخصية لغرض مساعدة رفاق لهم بالتسلل إلى الأراضي الألمانية. كما وجه المدعي العام بمدينة ميونيخ إليهم تهمة التحريض على الجهاد، ومن بين الموقوفين خمس نساء. ويعتقد أن المجموعة ترتبط بصلة مع جماعة "التوحيد" وجماعة "أنصار الإسلام"، اللتين تتبعان أبومصعب الزرقاوي.

وتكشف نشاطات سلطات الأمن الألمانية أنها تراقب الإسلاميين في ألمانيا ولا تبعد بصرها لحظة واحدة عن تحركات المشتبه بتعاطفهم أو انتمائهم لتنظيمات إرهابية أجنبية. وتفيد بيانات مكتب المدعي العام الفيدرالي في كارلسروهي أن التحقيقات تجري في 164 حالة ضد إسلاميين متطرفين، بينها 48 حالة يشتبه بوجود صلة لها مع تنظيمات إرهابية أجنبية. وحتى الآن لم يتحقق النجاح في صدور قرارات من المحاكم إلا في حالات قليلة أبرزها قرار محكمة فرانكفورت بحبس أعضاء خلية "التوحيد" في فرانكفورت التي كان أعضاؤها الجزائريون يخططون لتفجير قنبلة في سوق الميلاد بمدينة ستراسبورغ المتاخمة للأراضي الألمانية في نهاية العام .2000

وتنظر محكمة برلين في قضية رفعها المدعي العام ضد التونسي إحسان غرناوي لمحاولته القيام بعمل إرهابي، وضد العراقي لقمان.م المتهم بالانتماء لتنظيم "أنصار الإسلام"، كما تنظر محكمة هامبورغ مرة أخرى بالقضية المرفوعة ضد اثنين من المشتبه في أنهما ينتميان لخلية محمد عطا، المغربي منير المتصدق والمغربي عبدالغني مزودي. بينما يحاول المتصدق إلغاء حكم الحبس "15 عاما الصادر" ضده فإن المدعي العام الفيدرالي يتهمه مع مزودي بالمشاركة في التخطيط لتنفيذ الهجمات على الولايات المتحدة والشروع بالقتل في أكثر من 3 آلاف حالة. هناك اختلاف بشأن وجهات النظر بين أجهزة الأمن الألمانية بصدد قضيتي المتصدق ومزودي، فمكتب حماية الدستور "البوليس السري الألماني" متأكد أن التخطيط لهجمات سبتمبر كان في أفغانستان وليس في هامبورغ، بحسبما أكد رئيس المكتب هاينز فروم عند الادلاء بشهادته أمام محكمة هامبورغ. وهذا ما ورد أيضا في التقرير السنوي لمكتب حماية الدستور للعام .2003 لذلك فإن أجهزة الأمن الألمانية تنظر باستغراب... لماذا يصر المدعي العام الفيدرالي على موقفه بأن التخطيط تم في هامبورغ؟

ما معنى كل هذه القضايا بالنسبة إلى الوضع الأمني في ألمانيا؟ على رغم حملات المداهمة والاعتقالات فإن أجهزة الأمن الألمانية تقول إن الوضع الأمني هادئ، لكن في الوقت نفسه قد تقع أعمال عنف داخل ألمانيا، غير أنه ليس هناك حاليا ما يشير إلى ذلك. وثبت من خلال الكشف في الوقت المناسب عن محاولة الاعتداء على رئيس الوزراء العراقي أنه بوسع أجهزة الأمن الألمانية التحرك بسرعة منعا لوقوع اعتداءات وخصوصا من طرف الإسلاميين المتطرفين. وبينما تستبعد أجهزة الأمن احتمال وقوع اعتداءات ضد تجمعات بشرية فإنها تتوقع بصورة أكبر استمرار خطر تعرض منشآت أميركية أو إسرائيلية إلى اعتداءات محتملة. لكن الأمور قد تتغير بالنظر إلى المحاولة التي أجهضت لاغتيال علاوي في برلين. فألمانيا من جهة تقوم بدور مهم في إعادة بناء أفغانستان كما ورد اسمها على لسان بن لادن ونائبه الظواهري في أكثر من مناسبة، ما يشجع بعض المتطرفين الذين يقيمون في ألمانيا للقيام بأعمال عنف من دون ضرورة الحصول على أوامر من قيادة القاعدة.

كما أعربت أجهزة الأمن الألمانية عن قلقها حيال صورة ألمانيا في وسائل الإعلام العربية نتيجة موقفها في أفغانستان وتأييدها لـ "إسرائيل". وأشارت هذه الأجهزة إلى أنه من شأن انتشار صورة سلبية لألمانيا أن تشجع بعض الإسلاميين على التفكير في القيام بنشاطات عنف داخل أراضيها. غير أن المدعي الفيدرالي متأكد أن أجهزة الأمن تفرض رقابة مشددة على الإسلاميين، وأوضح أنه لن يسمح بأن تكرر الولايات المتحدة اتهام ألمانيا بالتقصير بعد أن سبق ان اتهمتها بالتقاعس عن اكتشاف ما كانت تخططه له خلية هامبورغ قبل وقوع هجمات سبتمبر

العدد 875 - الخميس 27 يناير 2005م الموافق 16 ذي الحجة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً