العدد 877 - السبت 29 يناير 2005م الموافق 18 ذي الحجة 1425هـ

المخاوف التي تهدد الانتخابات العراقية

تعتبر الانتخابات وسيلة لترجمة الإرادة العامة إلى حكومة تمثيلية تحكمها قواعد القانون الدولي وحقوق الإنسان، لكن الشعب العراقي يترقب اليوم "30 يناير/ كانون الثاني" بلهفة وهاجس الخوف يسيطر على معظم الأجواء التي وصفت بأنها صفحة تبشر بالديمقراطية، لكن على رغم ذلك مازالت هناك عوامل تمثل تحديات مصيرية تؤثر على مسيرة الاقتراع .

إذ يشكل إرجاء الإحصاء السكاني أهم المشكلات التي من شأنها أن تؤثر على عملية الاقتراع لأنه سيكشف لنا النسبة السكانية للأكراد والتركمان والعرب الذين ينادون بحقوقهم في كركوك. وجاء قرار الحكومة العراقية المؤقتة إجراء الانتخابات يتماشى مع قرار إجراء إحصاء سكاني في العراق بتاريخ 12 أكتوبر/ تشرين الأول .2004 لكنه ألغي، بسبب ما وصفته الأمم المتحدة من أسباب أمنية ومشكلات فنية، ولذلك لجأت إلى إعداد قوائم الناخبين بحسب البطاقات التموينية التي منحت للعوائل العراقية بغية تمكنهم من تسلم حصصهم من المواد الغذائية عقب الحصار الذي تم فرضه على العراق بالتنسيق مع المنظمة الدولية من قبل نظام صدام العام 1988 وبالاستناد إلى إحصاء العام ،1957 واليوم يسري مفعولها في العراق على مستوى بطاقة الأحوال الشخصية، ويتسبب القرار الذي أعلنه مجلس الإدارة في كركوك خلال سبتمبر/ أيلول الماضي على أن الوافدين إلى كركوك عقب الاحتلال بوسعهم تسجيل أنفسهم لدى دائرة الأحوال المدنية تسبب نتائج غير مرضية من الناحية الديمغرافية، كما أن سياسة التعريب التي كانت تمارس في عهد الرئيس المخلوع صدام حسين تحولت وعقب الهجرات الجماعية للأكراد إلى سياسة تكريد. ويمثل تعداد السكان بمثابة تقرير لمصير التركمان. لأن التعداد سيحدد موقعهم في إدارة العراق.

ومن جانب آخر، سيعوق هذا التعداد أية سلبيات من أمثال تهجير التركمان من أماكنهم مجددا وخصوصا بعد هذا التاريخ. كما يضاف إلى عوامل القلق هو مصدر الأمان بالنسبة إلى الشعب العراقي، إذ الأهمية تقع على من سيحمي هؤلاء الناس من أعمال العنف التي أخذت تشتد، لذلك لابد من تأمين الأمن في البلاد من أجل تمكين المواطنين من الاقتراع بإرادتهم الحرة من دون خوف أو تردد، كذلك تأمين مشاركة مراقبين للعملية وفي مقدمتهم المنظمة الدولية، وتوثيق كل العوائل التي تم توطينها في كركوك وأطرافها بعد 9 أبريل/ نيسان من العوائل التي تم تهجيرها حقيقة من قبل النظام السابق، إضافة إلى تأمين استفادة المغتربين من هذه الحقوق الديمقراطية سواء في الإحصاء السكاني أو الانتخابات.

تقسيم الاطراف المعنية

كما تشكل إشكالات إجراء الانتخابات من عدمها مسألة قسمت الأطراف المعنية إلى معسكرين هما مؤيد لإجرائها ويضم أكثرية الكيانات السياسية الشيعية والطرف الأميركي، وثانيا المعسكر المعارض والذي يضم الممثلين السياسيين والدينين للطرف السني، لذلك يقاسم الأميركان الطرف الشيعي أسبابا عدة ربما لأنهما توصلا إلى اتفاق مبدئي يسمح بموجبه الطرف الأميركي للطرف الآخر بالحكم في حال فوزه بالأكثرية داخل المجلس الوطني المقبل وتكون مستعدة لإبرام اتفاقات دولية مع واشنطن تمنح الشرعية لبقاء قواتها إلى ما بعد الموعد المقرر في قرار مجلس الأمن رقم 1546 بالإضافة إلى مزايا اقتصادية خصوصا في حقل صناعة النفط، أما الاحتمال الآخر قد يكون أن أميركا هي متأكدة من فوز الكيانات السياسية الموالية لها في الانتخابات خصوصا بعد السماح لعراقيي المهجر في أربع عشرة دولة للاشتراك في الانتخابات، أما الاحتمال الأخير وهو ضعيف فهو التحضير لانقلاب عسكري أميركي على غرار الانقلابات في أميركا اللاتينية.

في المقابل هناك المعسكر المعارض بسبب عدم إيمانه أصلا بهذه الانتخابات ويعتقد بأنه بإمكانه استعادة هيمنته على السلطة وطرد القوة المتعددة الجنسية عن طريق العنف، فيما يذهب آخرون لحجة تهيئة الأجواء الأمنية والتنظيمية المناسبة في المناطق ذات الأكثرية السنية العربية لإجراء هذه الانتخابات والا فإنها لا تتمكن من الحصول على الأصوات التي تعتقد بأنها ستفوز بها في الحالات الاعتيادية.

ويأتي إجراء الانتخابات تماشيا مع قرار 1546 واعتماد قانون إدارة الدولة العراقية الشرعية، وفقا لما ينص عليه القانون الدولي فإنه يضع شروطا يجب توافرها في أية عملية انتخابية وهي حاليا ليست متوافرة في الحال العراقية بسبب الوضع الأمني وبعض الخلل في تنظيم الانتخابات، وأبرزها مبدأ وشرط الانتخابات العامة إذ الحال العراقية وتحت الظروف الراهنة يستحيل الوفاء بهذا المبدأ بسبب الأوضاع الأمنية خصوصا في المناطق السنية والتي ستعوق الناخبين من ممارسة حقهم بسبب تهديدات الجماعات المسلحة التي أطلقت تهديدات بالقتل ضد كل من يشترك في العملية الانتخابية، وثانيا وجود خلل في تسجيل أسماء الناخبين، إذ بلغت نسبة استمارات تسجيل الناخبين غير الصحيحة في بعض الحالات إلى 85 في المئة كمدينة أربيل فيما لم يتم تسجيل أسماء الكثير من الناخبين المؤهلين أصلا كما في المحافظات ذات الأكثرية السنية وكركوك لأسباب أمنية أو عرقية.

أما الشرط الآخر هو مبدأ التمثيل العادل الذي ينص على أن المجالس التشريعية المنتخبة تمثل جميع شرائح المجتمع الطائفية، لكن في حال المجلس الوطني العراقي سيستحيل بسبب الأوضاع الأمنية.

إضافة إلى مبدأ المساواة الذي ينص على أن كل المواطنين يجب أن يتمتعوا بحقهم في الاشتراك لكن في الانتخابات العراقية ولأن أكثرية الناخبين في المناطق السنية سيحرمون وبعكس إخوانهم من الشيعة والكرد إذ تتمتع مناطقهم بأوضاع أمنية هادئة نسبيا، كما أن حرمان الكثيرين من المرحلين الكرد والتركمان والمسيحيين بسبب انتمائهم العرقي والديني في كركوك من حق الانتخاب يشكل خرقا واضحا لهذا المبدأ، كما يضاف مبدأ الانتخابات الحرة وينص على أن الناخبين والمترشحين يجب أن يتمتعوا بكامل الحرية وفي ظل غياب وسائل الإكراه كافة، لكن في العراق سيكون من الصعب في بعض المناطق المضطربة أمنيا إذ من المنتظر أن لا تتوجه النسبة الكبرى من الناخبين في هذه المناطق إلى صناديق الاقتراع خوفا من العواقب الوخيمة التي تهدد بها الجماعات المسلحة وأن الدعاية الانتخابية تكاد تكون شبه معدومة في هذه المناطق وحتى أسماء العدد الأكبر من المترشحين في هذه المناطق غير معروفة للناخبين ولا توجد هناك حرية الصحافة أو التعبير عن الرأي.

كذلك يضاف شرط تسجيل كل الناخبين المؤهلين الذي يتم على مرحلتين، الأولى يتم تسجيل أسمائهم والثانية هي عملية الاقتراع لكن الحال العراقية تظهر عجزا إذ لم يكن بالإمكان تسجيل أسماء العدد الأكبر من الناخبين في المناطق السنية بسبب الأوضاع الأمنية أو أحرقت استمارات تسجيل أسمائهم من قبل الجماعات المسلحة، وآخرهما مبدأ الشفافية والصدقية والذي يتم عادة التأكد منه من خلال حضور مراقبي الانتخابات من الداخل والخارج. كذلك تضاف مخاوف تلقى بظلها على شرعية الانتخابات كالمشكلة بتنفيذ المادة 58 من قانون إدارة الدولة العراقية المتعلقة بحل النزاعات الملكية والعقارية وغيرها من أجل رفع الظلم الذي سببته ممارسات النظام السابق المتمثلة بتغيير الوضع السكاني لمناطق معينة منها كركوك ومن خلال ترحيل ونفي الأفراد من أماكن سكناهم. يذكر أن هذه المشكلات أصبحت عائقا أمام اشتراك شرائح واسعة من المواطنين في المناطق التي شملتها عمليات التهجير القسري سابقا، ما أدى إلى انسحاب الكثير من الكيانات السياسية من العملية الانتخابية وخصوصا في محافظة كركوك.

كما تضاف إشكالية آلية تغيير موعد الانتخابات من الناحية القانونية فإن يعنى تغير الجدول الزمني للمرحلة الانتقالية ففي الحال العراقية فإن المادة 3 من القانون حددت آلية تغير بنود هذا القانون أي بأكثرية ثلاثة أرباع أعضاء المجلس وإجماع مجلس الرئاسة ولكن الآلية هذه لا تشمل تغير المادة الثانية أي الجدول الزمني للمرحلة الانتقالية، ولهذا فإن هذه الآلية لا تضمن الغطاء القانوني للمجلس الوطني لتأجيل موعد الانتخابات.

مخاوف ما بعد الانتخابات

نسبة المشاركة ما بين 60 - 70 في المئة تشكل نسبة جيدة بمقاييس الأوضاع الأمنية والسياسية الحالية، غير أن المقاطعين أي الأطراف السنية لن يكونوا أقل تأثيرا، وهذا ما سيعد نتيجة سلبية على مستوى التوافق العام وسينسحب على المرحلة التي تلي الانتخابات وهي كتابة الدستور. إذ انه من المحتم أن يتم رفض الدستور المقترح، وبالتالي الاستمرار بالدوامة السياسية الدائرة ضمن القبول والرفض، والتي قد تؤدي أيضا إلى بروز عدد من الدساتير لعدد من المناطق قد تصل إلى خمس على أساس الأقاليم، أو على الأقل ثلاث ضمن فيدراليات متوقعة "الفيدرالية الشيعية - الفيدرالية السنية - الفيدرالية الكردية"، مع وجود حكومة مركزية ملتزمة ومسئولة عن القضايا السيادية والحيوية "الدفاع ، الخارجية، الأمن القومي، النفط، العملة والمواصلات". كما أن فرضية تأجيل الانتخابات عن الموعد المحدد لها تكون النتائج سلبية، فهي ستؤدي إلى اختلال قواعد الحكم التي تم الاتفاق عليها في قانون إدارة الدولة العراقية المؤقتة. وهي بحد ذاتها تمثل تراجعا خطيرا أما القوى الرافضة أساسا لفكرة الانتخابات، وربما كان مدعاة إلى المزيد من الدماء والضحايا ودخول أطراف واتجاهات صامتة حتى الوقت الحاضر "بانتظار التغيير الهادئ" تلك الدوامة، الأمر الذي يعني الانزلاق نحو الحرب الأهلية الداخلية ذات طابع عرقي أو طائفي.

كذلك جاءت المخاوف من قيام قوى انتخابية، بالاستعداد لشراء الأصوات، خصوصا تلك التي لها دعم من الخارج، أو من التي لها ارتباطات خفية في الداخل مع بقايا فلول النظام من المتمولين وأصحاب المليارات

العدد 877 - السبت 29 يناير 2005م الموافق 18 ذي الحجة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً