العدد 883 - الجمعة 04 فبراير 2005م الموافق 24 ذي الحجة 1425هـ

... بانتظار نتائج الانتخابات

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

حتى الآن ينتظر العراقيون النتيجة النهائية لفرز الأصوات ونسب المقاعد التي ستنالها كل قائمة "لائحة" خاضت انتخابات 30 يناير/ كانون الثاني الماضي. الانتظار لا يعني أن النتائج ليست معروفة. فالتسريبات التي صدرت عن هذه المنطقة وتلك تشير إلى احتمال فوز لائحة "الائتلاف العراقي الموحد" التي حظيت بدعم من المرجع السيدعلي السيستاني في المناطق التي يغلب عليها السكان الشيعة. كذلك يحتمل أن تفوز لائحة التحالف الكردي في شمال العراق والمناطق التي يغلب عليها السكان الأكراد. بينما تتوزع باقي المقاعد على اللوائح الأخرى وتحديدا تلك التي يقودها إياد علاوي أو غازي الياور أو عدنان الباجه جي وتأتي بعدها تلك اللوائح التي غلب عليها التحالف العشائري ثم قوائم "العلمانين" و"الشيوعيين" وأخيرا قوائم المسيحيين والتركمانيين والدستوريين والملكيين... إلى آخر السلسلة.

هذه التوقعات المفترضة - إذا لم تزور وتوزع المقاعد وفق نظام كوتا مقرر سلفا - تكشف ذاك الفارق النوعي بين "الديمقراطية" وآليات التصويت. فالذهاب إلى صندوق الاقتراع مسألة مهمة إلا أنها لا تعني أن شروط "الديمقراطية" في معانيها ومبانيها اكتملت. فالتصويت شيء والديمقراطية موضوع آخر. وهذا الفارق يمكن قراءة تلاوينه السياسية من خلال التدقيق في اختيارات الناس. فالناس في مجتمعاتنا لا تصوت للبرامج السياسية أو الاقتصادية. قلة نسبية لا تتجاوز 10 و15 في المئة من كل طائفة ومذهب ومنطقة تختار مرشحها وفق تصورات أيديولوجية. بينما الكثرة وهي نسبة عالية تصل إلى 80 و85 في المئة تلتزم بقانون "الجماعة" أو "الفتوى" أو غيرها من سياسات تعتمد مبدأ العصبية في توجيه الناخب. وهذا له دلالته السياسية التي تتحكم بآلياته ونتائجه مجموعة عوامل تخضع لظروف تطور علاقات الاجتماع وحركة الواقع العيني لا النظري.

هذا التعقيد الواقعي "المنتج تاريخيا" يشير إلى مأزق الحداثة "الحداسة" العربية وتحديدا تلك التي تروج للبضاعة "النموذج" الأميركية. فالنظرية شيء وعلاقات الواقع مسألة مختلفة. فالواقع في تركيبته الخاصة وعلاقاته المركبة من مجموع عناصر مرئية وغير مرئية لا يتناسب بالضرورة مع فرضيات نظرية تصنعها عقول نخب عاشت في الغرب وتعلمت لغته وأدبياته. فالعلوم الإنسانية تحديدا في نهاية الأمر تخضع للتعديلات التي تفرضها قوانين الواقع. وهذا التعديل يعني ضرورة تكييف النظرية مع الشروط التاريخية والموضوعية للمرحلة التي يمر بها المجتمع. وعدم التكييف يعني تأسيس حالات انفصامية تدفع نحو المزيد من استبداد "النخبة" بالأهل وتعطل امكانات التطور السياسي للعلاقات الاجتماعية التقليدية والموروثة.

مسألة التصويت في بلدان العالم الثالث أو في البلدان العربية - الإسلامية تخضع لشروط واعتبارات ليست بالضرورة منسجمة مع "المصلحة" بل هي أقرب إلى الانسجام مع "العصبية". وهذا ما ظهر جليا في الانتخابات العراقية إذ لعبت العصبية دور القوة السياسية القائدة لمجموع الاعتبارات الأخرى، حتى لو تضمنت كل لائحة من القوائم المتنافسة عشرات الوجوه والأسماء التي تدل على انتماءات مختلفة. وباستثناء بعض الحالات والقوائم "العلمانية أو الشيوعية أو الليبرالية" حصل التصويت لكل لائحة وفق اعتبارات خاصة لا صلة لها بكل تلك الادعاءات النظرية التي تبجح بها الثنائي بوش - بلير. فالتفسير الأميركي - البريطاني أساء كثيرا للانتخابات لأنه حاول تبسيطها وفق منظومة ثنائية مانوية "خير وشر، أو نور وظلمة" بالادعاء أن من ذهب إلى صندوق الاقتراع هو مع الاحتلال، ومن قاطع فهو شرير ينتمي إلى الظلام والظلامية والعصور الحجرية.

التقسيم الأميركي - البريطاني مفتعل ويريد من الانتخابات تحقيق غايات غير شريفة تهدف إلى إضفاء شرعية على الاحتلال، بينما واقع الأمر يشير إلى اتجاهات أخرى تخالف كثيرا تلك التفسيرات التي سارع بوش وبلير إلى تقديمها. المسألة ليست بهذه البساطة وهي أكثر تعقيدا من تلك التحليلات الثنائية "المانوية" التي قسمت الشعب العراقي إلى "تنويري" و"ظلامي" وأخرجت من معادلة "النور" 40 في المئة من الناس ووضعتهم في خانة "الزرقاوي" وتلك الجماعات المشبوهة التي أساءت للمقاومة وحرية العراق وأضفت "شرعية" على الاحتلال. المسألة إذا معقدة. والاحتلال يريد من الانتخابات تكريس وجوده بينما العراق في شرائحه الكبرى صوت لقيادته وليس لقيادة بوش - بلير.

حتى الآن ينتظر العراقيون النتيجة النهائية لفرز الأصوات. والمخاوف تتزايد من إمكان تدخل الاحتلال لتزوير "أوراق الصناديق" وتوزيع المقاعد وفق نظام حصص يعطي كل لائحة نسبة معينة تمنع حصول قائمة واحدة على غالبية مطلقة. وهذا إذا حصل يعني أن واشنطن نجحت في تعطيل السلطة التشريعية ونزعت منها صلاحيات اتخاذ قرارات حاسمة ضد الاحتلال

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 883 - الجمعة 04 فبراير 2005م الموافق 24 ذي الحجة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً