العدد 892 - الأحد 13 فبراير 2005م الموافق 04 محرم 1426هـ

السفن تغرق... وإدارات العلاقات العامة: نرى حدود المرفأ؟!

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

"مع انه من المهم أن تظهر الولاء لمديرك العام، إلا أن ابتعادك عن الصدق التام مع وسائل الإعلام هي الطريق القصيرة نحو نهايتك ونهاية مديرك. المسألة مسألة وقت ليس أكثر".

أجهزة العلاقات العامة في المؤسسات الحكومية ذات وظيفة مزدوجة، فهي في جانب تعمل على أن تمثل الدولة وتراعي مصالحها وتسعى إلى ترويج صورتها لدى المجتمع، ومن جانب آخر، فهي تمثل مصالح الصحافة والمواطنين داخل الدولة في المؤسسات التي تعمل بها، لذلك تكون هناك الكثير من المواقف التي ستعتبر ذات طابع أخلاقي بالدرجة الأولى أكثر منها مهني. بمعنى أن رجل العلاقات العامة في الغالب بين حدين متناقضين، بين رجل الأخلاقيات أو رجل العداء لها.

الأجهزة الحكومية الخدمية والصحافة يبدوان خصمين دائمين، إلا أنهما يعملان تحت مظلة وهدف واحد "الديمقراطية"، لذلك لابد أن نلاحظ مواثيق الشرف المهنية للصحافيين، كيف تحاول التركيز على الصدق مع المجتمع وتقديم المعلومات الصحيحة التي تعطي الناس حقوقهم في المعرفة. ومن المفترض أن يكون لأجهزة العلاقات العامة ذات التوجه.

الدول الغربية أنشأت جمعيات أهلية لموظفي العلاقات العامة والإعلام الحكوميين، تقوم بدور المشرع القانوني والأخلاقي للعاملين بهذه المهنة المهمة، كما تقوم بالدفاع عنهم وحمايتهم، كما تتدخل بقوة في المؤسسات الأكاديمية رغبة منها في نقل صور الواقع إلى الفضاء الأكاديمي لتحليله بالبحث والدراسة.

لابد لنا أن نحاول جادين في تغيير تلك الوتيرة الكلاسيكية في اهتمامنا بإدارات العلاقات العامة والإعلام في مؤسساتنا الحكومية، ذلك أن العادة مازالت مستمرة لدينا بإهداء هذه المناصب لأناس لا يحملون الخبرة الأكاديمية أو المهنية، ولعل هذه المناصب المهمة غالبا ما تهدى كصيغة تكريمية من الدولة لبعض المتنفذين، وغالبا ما تنحصر أعمالها في الاعتيادي من إصدار البيانات والتصريحات الصحافية، ومرافقة الوزراء والمسئولين في زياراتهم للخارج.

لابد من صوغ معايير أخلاقية ومهنية لموظفي العلاقات العامة الحكومية، وتدريسها للعاملين بهذا القطاع، وفرضها على الفضاءات الأكاديمية. كما لابد من عقد وتشكيل الجمعيات والنوادي الخاصة بهذه الطبقة من الموظفين الحكوميين، لابد من محاولة جادة في تحويل أجهزة العلاقات العامة من أجهزة كلاسيكية ترويجية للدولة، إلى أجهزة مدنية مجتمعية تضطلع بمسئولياتها الكبرى التنموية في قطاعات الدولة كافة.

في ميثاق الشرف بجمعية موظفي العلاقات العامة والإعلام والمتحدثين الرسميين الحكوميين الأميركيين، تشير مارغريت سيليفان المتحدثة اللامعة في الحكومة الأميركية إلى أن سلطة هذه الجمعية هي أقوى من أي أدوات ضغط قد تمارسها الإدارات العليا المهيمنة في الولايات المتحدة. وأنها لا تسعى إلى أن يهتم موظفو العلاقات العامة الحكوميين بمصالح الناس لا بمصالح المديرين والوزراء.

يتعهد أعضاء الجمعية القومية للمتحدثين الرسميين الحكوميين ويقرون بأن الحقيقة أمر غير قابل للانتهاك وأنها مقدسة، وبأن تقديم المعلومات العامة هو خدمة مدنية أساسية، وبأن الناس عامة لهم الحق في الحصول على حقائق متساوية وكاملة ومفهومة ومواتية زمنيا عن حكومتهم.

تلزم الجمعية جميع المشتغلين بالعلاقات العامة والإعلام بالالتزام بالمعايير المهنية كافة، متمسكين بالحقيقة والدقة والنزاهة والشعور بالمسئولية والمحاسبة أمام الجمهور، والتقيد بمعايير الذوق السليم المتعارف عليه. وعليهم إدارة حياتهم المهنية وفقا للمصلحة العامة اعترافا بأن كل واحد منهم قيم على ثقة الجمهور. وتتلخص مهمتهم في نقل الحقيقة لإدارات وكالاتهم، والامتناع عن أية ممارسة قد تفسد نزاهة قنوات الاتصال أو عمليات الدولة.

ويتعهد موظفو العلاقات العامة والإعلام بعدم إيصال أية معلومات خاطئة أو مضللة. وان واجبهم يحتم عليهم التعريف علانية عن المسئولين عن اتخاذ أي قرار، وتفاصيل عمليات اتخاذ القرار وكيف يمكن للمواطنين المهتمين المشاركة في محاسبة المسئولين وفي صنع القرار نفسه.

على مؤسسات العلاقات العامة أن تتعهد بالحياد، وأن يتعهد موظفوها بألا يقوموا بالعمل لأية مصالح شخصية أو منافسة، وبأن يتقيدوا بكل الأنظمة التي تساعد عن كشف أية مصالح مخلة بالنظام.

إن هذه البوتقة من المضامين الأخلاقية والسلوكية والمهنية تلعب دورا مهما في تطوير المؤسسات الحكومية، ولكي تكون هذه المؤسسات ذات فاعلية فهي تحتاج إلى بناء وإدارة عقول المراكز الكبرى في العلاقات العامة الحكومية، وهذا الأمر مرهون بمحاولة أكدمة العملية، وعبر استغلال الكفاءات العلمية التي تحتويها الجامعات في سبيل تطوير آليات العمل والتخطيط الاستراتيجي "طويل الأمد" لإدارات العلاقات العامة والإعلام الحكومية.

إن التباعد والفجوة الكبيرة بين ما تدرسه الجامعات العربية في مجالات العلاقات العامة مقارنة مع مجريات الواقع بات صورة تتسم بالقلق، الدول التي تسعى إلى تحديث أجهزتها وإداراتها ومؤسساتها لابد أن تخضع موظفي علاقاتها إلى الحس الحقيقي لممارسة العلاقات العامة. بمعنى أنها بحاجة إلى أن تلغي ذهنية التآمر والترويج الساذج لكل ما تنتجه وتقدمه الدولة إلى ذهنية التعاون والحقيقة والبناء المشترك.

هذه الصور تتعارض مع ما عهدناه من كذب متعمد من قبل بعض هذه الإدارات في أكثر من حقل وعلى صعيد أكثر من تجربة، سواء مع مؤسسات الصحافة أو مع كافة الأجهزة الاتصالية الجماهيرية، هذه الصيغة المفلسة من العلاقات العامة والإعلام تجعل من رجل العلاقات العامة يدعي بسذاجة أن كل شيء في مؤسسته أو وزارته بخير، بينما هي غارقة أو على وشك الغرق، وهكذا هي الحال العربية... غرق، يزينه ادعاء مفلس، بمعرفة المرفأ

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 892 - الأحد 13 فبراير 2005م الموافق 04 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً