العدد 895 - الأربعاء 16 فبراير 2005م الموافق 07 محرم 1426هـ

لبنان من دون الحريري

محمد العثمان Mohd.Alothman [at] alwasatnews.com

أثناء زيارتي لجمهورية لبنان في مايو/ أيار 2003م، لم تخطئ العين أبدا رؤية الأثر النهضوي الواضح الذي قامت به المؤسسات التابعة للراحل رفيق الحريري. .. تلك المشروعات، ومحاولاته في إعادة العافية الاقتصادية للبنان جعلت منه رقما صعبا في معادلة التوازنات السياسية، وبتلك المؤسسات والمشروعات المختلفة استطاع الحريري تخليد ذكراه. المؤسسات الكثيرة المنتشرة في لبنان، والتي تعمل وفق أطر مؤسسية منتظمة، ترعى السيدة بهية الحريري جانبا منها من خلال متابعاتها الحثيثة للمشروعات المتعددة التابعة لمؤسسة الحريري، في الجانب الاقتصادي كما التعليمي والثقافي والمعرفي. في صيدا كما في بيروت.

حادث اغتيال رفيق الحريري وما تلاه من تداعيات "تبني مجموعة إرهابية الحادث، ومهاجمة مقر الحزب الاشتراكي - وليد جنبلاط" يعيد إلى الأذهان ما حفلت به الساحة اللبنانية من اغتيالات ومحاولات اغتيال الرؤساء والزعماء السياسيين وما عصف بلبنان خلال فترة الحرب الأهلية أو قبلها، إذ إن لبنان، أثناء الحرب الأهلية "75 - 90" وبعدها، أضحى مسرحا مفتوحا على كل الممارسات السياسية الشائنة، وموطنا لتصفية مختلف الحسابات وإعادة التوازنات السياسية، منها ذات الأساس المصلحي "الدولي" أو الطوائفي "المحلي"، وأصبحت الساحة اللبنانية ساحة نزال عنيف باختلاف الخلفيات المحركة لهذا النزال، والتي ما كان يستفيد منها سوى أمراء الطوائف والمذاهب من السياسيين. فالأمن اللبناني يعاني من اختراقات متعددة "مخابرات دولية، ومنظمات تجسسية، وجواسيس وطوابير خامسة وسادسة" بالإضافة إلى خضوع أجزاء من جنوبه للاحتلال الصهيوني.

في لبنان، المجتمع المتمدن، ظاهرة من المهم معالجتها وهي ظاهرة "الثأر السياسي"، والمفترض، في بلد الثقافة، أن تكون مثل هذه الظاهر بعيدة نوعا، إذ إنه أبعد من موروثات الشرق العربي وأدب "الثأريات".

ظاهرة الثأر السياسي أدت بلبنان إلى الكثير من المتاعب، على الصعيد الاقتصادي فضلا عن السياسي والوطني العام. وكل ما يتمناه المرء هو انفكاك لبنان من الأزمة الداخلية الدائرة حول الوجود السوري وتجاوز نظرية "مع أو ضد" وحسمها بحسب نصوص اتفاق الطائف في هذا الشأن، والقضية الأخرى مسألة المحاصصة الطائفية وحسمها من خلال "الصندوق الأزرق" إذ أدى الصراع حول هاتين القضيتين الى اعتبار الساحة اللبنانية ساحة نزال بين القوى السياسية والاجتماعية المختلفة... لا يستفيد منها المواطن اللبناني شيئا.

احتضار السلم الأهلي - الطوائفي في لبنان، يثير في الذاكرة قصة الاحتراب الطائفي، ما يدعونا إلى المزيد من التأمل في واقعنا الراهن وحال الانقسام الطائفي في البحرين، فالسلم الأهلي يبدأ من البيت والمدرسة وتتمظهر نتائجه في المجتمع، ويتأثر كل ذلك بممارسات الدولة على أرض الواقع... هذا الواقع يجب تغييره. وظاهرة قيام الجمعيات السياسية في البحرين على أسس دينية - مذهبية ينبغي لنا استبدالها بجمعيات ذات برامج سياسية واجتماعية واقتصادية أي وطنية جامعة، الدولة تستطيع ذلك.

رحل رفيق الحريري رجل التوازنات، وبقيت إنجازاته ومؤسساته شاهد عيان على مختلف ما قدمه الرجل للبنان. ولعل كتابتي عن شخصية الحريري لا تضيف شيئا للقارئ؛ إلا أنني أذكر للرجل، من خصاله الكثيرة، أنه ما إن يتأثر بمقال إلا ويتصل إلى صاحبه يشكره، ويوفيه حقه. هذه الأخلاق الرفيعة والطيبة المعجونة بالتراب الصيداوي - البيروتي من يرثها من بعده؟ ويا ترى ماذا سيكون وجه لبنان من دون الحريري؟ اللهم اغفر له وارحمه، وأكرمه بعفوك ومغفرتك، إنا لله وإنا إليه راجعون. وتعازينا للأسرة الحريرية وعموم الشعب اللبناني، ولرفاقنا اللبنانيين ونادي لبنان في البحرين

إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"

العدد 895 - الأربعاء 16 فبراير 2005م الموافق 07 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً