العدد 897 - الجمعة 18 فبراير 2005م الموافق 09 محرم 1426هـ

اغتيال الحريري يستهدف نشر الفوضى والفتنة

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

منذ الاحتلال الأميركي للعراق على أنقاض سقوط النظام الطاغي في ذلك البلد، أطلقت الولايات المتحدة الأميركية حركة العنف السياسي في أكثر من بلد في المنطقة، بالطريقة الضاغطة التي تثير اهتزازات القلق وتعقيدات الوضع الأمني، واشغال المنطقة بأكثر من مشكلة داخلية في هذا البلد أو ذاك، من خلال التداعيات التي تحكم الخطوط السياسية في الضغط الأميركي على سورية ولبنان من جهة وإيران من جهة أخرى، بأكثر من حجة أميركية في التدخل المتحرك في العراق، في الوقت الذي لم تملك فيه حماية قواتها أو الشعب العراقي من العنف المتحرك نحوها بالمقاومة أو نحو الشعب بالإرهاب.

إن مشكلتها أنها تتحدث باسم المجتمع الدولي تماما كما لو كانت هي الحاكمة لـه، وذلك في حديثها عن التحالف السوري - الإيراني الموجه ضد التحديات المتحركة نحوهما، ولاسيما من أميركا، لتقول إنهما لا يواجهان السياسة الأميركية بل المجتمع الدولي، ونحن نعرف أن المسألة أميركية في تحدياتها للمنطقة وليست دولية شاملة.

لقد فرضت "إسرائيل" منذ تأسيسها العنف على المنطقة، واجتاحت أكثر من بلد فيها، واحتلت فلسطين وما حولها، ودخلت - في خط تحالفها الاستراتيجي مع أميركا - في حركة مخابراتها المنفتحة على المخابرات الأميركية لتعيث في المنطقة فسادا، في اغتيالاتها للشخصيات القيادية والجهادية ولأكثر من شعب من شعوب المنطقة، لتثير الفتنة هنا والعنف هناك.

وهذا هو الذي جعل الأيدي تشير في كل عملية اغتيال إليها، من خلال خططها التي تتحرك لإثارة الفتنة ونشر الفوضى، ولاسيما في لبنان الذي لا نبرئ المخابرات الإسرائيلية من العملية الأخيرة في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، لأنها لا تريد للبنان أن يكون بلدا مستقرا آمنا، بل نموذجا للأمن في المنطقة، كما أنها لا تريد للبنانيين أن ينطلقوا في عملية العيش المشترك لتدخل على خط الخلاف السياسي، مستفيدة من القرار الدولي الذي لم يدرس دراسة دقيقة موضوعية الواقع المحيط بالبلد كله.

إن ما حدث في لبنان جاء في مرحلة تختلط فيها الأوراق في المنطقة، وتتداخل فيها عناصر التوتر والاشتباك، وتدخل العلاقات السياسية بين الدول في أطوار من الشد والجذب بطريقة معقدة جدا... ولذلك فإن لبنان، هذا اللاعب الذي ينفعل بحوادث المنطقة، قد يكون الحلقة الأضعف في ظل هذا التوتر أو هذا التبدل في الموضوع السياسي والأمني لأكثر من طرف دولي يحاول أن يضغط على أكثر من طرف إقليمي أو دولي.

لقد كنت مرارا - وحتى أثناء الحرب - أدعو اللبنانيين إلى النظر فيما حولهم ومن حولهم، وعدم الاقتصار في قراءة ما يجري على أرضهم بعيدا عما هي أهداف اللعبة الدولية، وعما هي تطلعات هذا المحور أو ذاك... وفي هذه الأيام، وأمام هذه الكارثة، أجدني أكرر الدعوة نفسها، لأنني أعتقد أن ما ينتظرنا على مستوى المنطقة والعالم أخطر مما كان يحصل سابقا.

إن المطلوب أمام العواصف التي تحيط بنا أن نعمل لحماية هذا البلد وتحصينه أمام هول الوقائع الحادة والضغوط الهائلة، ولا نتحرك في الانفعال في الوقت الذي نحتاج فيه إلى هدوء العقل، وتركيز الرصد لما حدث ويحدث، والامتناع عن إطلاق الأحكام الانفعالية التي ترتكز على الخلفيات السياسية في نطاق اللعبة المحلية والإقليمية والدولية من دون تحقيق أو تدقيق، حتى أن الأجواء الحادة لا تقترب في الاتهام من "إسرائيل" صاحبة التاريخ الطويل في العبث بالأمن اللبناني على أكثر من صعيد.

إن المطلوب من الجميع التأكيد على وحدة البلد بكل أطيافه، وعدم الانجرار وراء الشعارات المذهبية والطائفية، ففي ذلك خيانة للبلد الذي انطلق من العيش المشترك بين الطوائف والمذاهب.. وإن من الملفت في أجواء الإثارة أن نطالب بذهاب وصاية معينة لنستدعي وصاية أخرى عربية أو دولية، والعودة إلى مرحلة الانتداب، وأين هو العقل في إضافة تعقيدات جديدة للواقع اللبناني على طريقة "المستجير من الرمضاء بالنار".

إن على اللبنانيين - مهما كانت قساوة الواقع - أن يأخذوا بأسباب الحوار الوطني الذي تطرح فيه الأمور بطريقة واقعية، من أجل الوصول الى قاسم مشترك يحفظ للبلد حريته واستقلاله وأمنه وسياسته واقتصاده، ولا أعتقد أن الفرصة قد فاتت على رغم التوترات السياسية لدى الفرقاء وعلينا ألا نضيع هذه الفرصة مجددا، لأن الحوادث تلاحقنا بأكثر من خطر في حركة الاهتزازات في المنطقة، ولأن الواقع الدولي يبحث عن مصالحه لا عن مصالحنا الحقيقية، حتى لو كان هناك لقاء في الشكل بعيدا عن المضمون... إن لغة العقل هي اللغة التي تحفظ للبنان توازنه، وتعيد إليه استقراره، وتمنحه حريته، أما لغة التوتر والانفعال فإنها تجعل البلد في مهب العواصف العاتية.

إن السياسة الأميركية - الإسرائيلية في تداعيات خططها وخطوطها، تمثل أكثر من خطر حالي ومستقبلي على المنطقة كلها، ابتداء من فلسطين، مرورا بلبنان وسورية، وانتهاء بالعراق الجريح الذي لايزال يعيش في قبضة الفوضى الأمنية والمتاهات السياسية، وبإيران التي تواجه التحديات الأميركية - الإسرائيلية، وربما الأوروبية، في مشروعها النووي السلمي.

وعلينا - كشعوب عربية وإسلامية - أن نواجه هذا الخطر بالمزيد من الاستعداد والقوة والوعي والحذر ووحدة الموقع والموقف، قبل أن تسقط المنطقة كلها في يد الاستكبار الأميركي - الصهيوني... إن المرحلة هي أن تكون الأمة أو لا تكون، فلنعمل على أن تكون، لنصنع مستقبل العنفوان والعزة من جديد

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 897 - الجمعة 18 فبراير 2005م الموافق 09 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً