العدد 910 - الخميس 03 مارس 2005م الموافق 22 محرم 1426هـ

"راحت زايرة عرست"

الأب: "وهو يحرك مسبحته في يديه" لقد حان الوقت يا أحمد لأن تحدد أهدافك وتقوم بالأولويات، وتستعد للزواج، وتقترن بفتاة، قولا من رسول الله "ص": "تزوجوا تناسلوا فأني أباهي بكم الأمم يوم القيامة".

الأم: "مبتسمة مستبشرة" خير نسائكم الولود الودود العفيفة العزيزة في أهلها، الذليلة مع بعلها، المتبرجة مع زوجها، الحصان على غيره، التي تسمع قوله، وتطيع أمره. "حديث شريف".

أحمد: "بنظرة حادقة، وبصوت مرعب" سأبقى لوحدي أعزبا، ولا رغبة ولا طاقة لي بالزواج، لقد أصبح الزواج حلما يراودني في المنام.

الأم: "وهي تشير إلى أحمد" اسمع قوله، وأطع أمره، ومخالفته عقوق للوالدين، ومهانة لقدسية الأبوين، ولا عذر لك، فأنت شاب متعلم، وموظف تعمل وتكدح، وأقرانك في العمر قد تزوجوا قبلك بسنين وأنجبوا بنين، والناس من حولك يضحكون ويسخرون، والأهل من تصرفاتك يتذمرون ويأسفون، وأصبحت حكاية في ألسن العامة لأنك بعيدا عن درب الهداية.

الأب: "يفرك في يديه بعصبية" أتريد أن تكون مثل فلان بن فلان الذي جاوز الأربعين وأزيد وهو أعزب، والناس يتهمونه في أمر مريب وبالفساد والانحدار في الأخلاق، وفعل المنكر، آه منك يا أحمد ان حذوت حذوه، لا ذنب لك يستغفر، ولا سامحتك ان جئتني تطلب الصفح بعد أن أنذرتك وحذرت، والآن قل لي بربك يا غلام، لماذا هذا الاحجام عن الزواج؟ هل أنت مريض جسديا، أم ضعفت همتك وتحتاج إلى علاج؟ أم أنت عليل نفسيا فأحنو عليك، وأفتح باعي إليك؟ أم أنك تقدمت لخطبة فتاة فرفضتك فأقلعت عن الزواج؟ وإذا كان السبب الأخير، فأنت مجنون ليلى ونقول لك كما قيل:

أيا مجنون كم تهدي بليلى

وأن الله خلاق سواها

يخلق مثلها وأحسن منها

ولكن القلوب على هواها

أم أنك ترى أن الزواج عبث ومحنة، فأنت مثل ذلك الإنسان الذي عاش دهرا من دون زواج، وعندما قرب أجله أوصى بأن يكتب على قبره هذه العبارة: "هذا ما جناه علي أبي وما جنيت على أحد"، أجبني يا أحمد فأنا أبوك وأحرص الناس على مصلحتك.

أحمد: "يطرق برأسه إلى الأرض، ويتكلم بصوت مختنق" أنا في سعة مما تدعونني إليه، ولا يفيد الحذر بعد وقوع الخطر، الزواج يحتاج إلى مصاريف باهظة، مهر ووليمة وزفاف وتذاكر سفر ومصاريف شهر العسل، وبعد الحمل ملابس جديدة للزوجة تتناسب مع حالها كحامل، ودفع أجور الأطباء الذين يشرفون عليها، وبعد الولادة أشتري للولد سريرا ولباسا ولعبا، وحفاظات "لفافة" وإذا كبر هذا الطفل قليلا أحضر الحلوى المتنوعة والآيس كريم، وهدايا أعياد الميلاد والكتب الدراسية، وتهيئة غرفة له، وسهر وتعب في الليل، يا إلهي كل هذا شيء مرعب للغاية.

الأم: "وهي تضع يدها على بطنها" حملتك في بطني تسعة أشهر ولاقيت هذا التعب والعناء، وكل المصاريف تحملها والدك حتى نشأت وكبرت، ولم نتذمر، وكان إيماننا في الله قوي فهو المعين ونحن الآن في الكبر، نتطلع إلى اسعادك بالزواج، ونسعد برؤية أولادك.

الأب: "بترفق وتحنن" ألم تقرأ قول الله تعالى: " المال والبنون زينة الحياة الدنيا" "الكهف: 64" أولادنا أكبادنا تمشي على الأرض، كم كنت أنا سعيدا عند مناغاتك وملاعبتك وأنت صغير، إن الأب يمتلك مشاعر فياضة من الحب، والإنسان الذي لا تتفجر في قلبه ينابيع الحب يفقد آدميته، فهل أنت واحد منهم، الإنسان غير المتزوج يعيش حال الاضطراب والأزمات النفسية، لأنه يعيش في حال عدم الاستقرار، والعزوبة ضياع وعزلة، وهو ما يؤدي إلى الانهيار النفسي والجسدي ثم إلى الهاوية.

والإنسان لا يعرف قيمة الأبوين إلا بعد الزواج والإنجاب، إن الأحاديث الشريفة من الرسول "ص" والأئمة المعصومين كثيرة وإن المسلم هو الذي يجول ببصره وقلبه في قراءتها تطبيقا لمبادئ الإسلام الحنيف، ونذكر بعضها: قال رسول الله "ص" "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" والسؤال الموجه إليك: هل تصوم غير شهر رمضان لتعزب ويكون لك بمثابة انصراف عن الأعمال الدنيئة، فإن لم تفعل فقد خالفت قول الرسول. وقال الرسول أيضا "ص": "الزواج سنتي، فمن رغب عن سنتي فليس مني". أتفهم يا أحمد معنى الحديث، إن الزواج من سنن الرسول الكريم "ص" فإن لم تتزوج فأنت ليس على سنة الرسول وقد خالفت شرع الله ورسوله وكتابه، وهناك أقوال أخرى كثيرة أذكرها على سبيل المثال لا الحصر: "شرار موتاكم عزابكم" فهل يا أحمد أنت من الأخيار أم من الأشرار، فإن قلت الأولى فلماذا لم تتزوج، وإن قلت الثانية فبئس العمل وبئس الموتة التي تموتها وأنت أعزب، وقال أيضا: "من نام وهو أعزب فقرينه الشيطان"، "من تزوج فقد أكمل نصف دينه، فليتق الله في النصف الآخر" هذه تعاليم الإسلام ومبادؤه، إلا أنك يا أحمد ضربت بهذه الأحاديث عرض الحائط ونجوت بنفسك كما تعتقد، إلا أنك إن لم تتزوج خسرت وندمت.

أحمد: "يحملق بطرفه إلى السماء، لكنه لا يرد جوابا".

الأم: "تتجه إلى أحمد بوجهها وهي تبتسم" السكوت من الرضا بالزواج.

أحمد: "بتعصب" دعيني لحالي، أي زواج هذا، اتركوني وارحموني، فلم تكبر في عيني فتاة، ولا أجد فيها الأحلام، ومن الصعب الزواج.

الأم: أنا أدلك على فتاة ولك الاختيار ممن شئت الزواج "ثم سكتت".

أحمد: "يتجه إليها" لم يمنعك أحد عن الكلام، أهي الفتاة صورة أم آدمية؟

الأم: "بغضب" لا تسخر مني وأنا أمك.

أحمد: "يقبل رأس أمه" معذرة يا أمي، أكملي حديثك وأنا كلي آذان صاغية.

الأم: "تربت على كتفه" سامحك الله، ثم تسترسل في الوصف فتقول: الفتاة شعرها ناعم طويل، لونها أحمر جميل، أسنانها كحب الرمان الأصيل، ثغرها باسم كزهر متفتح بهيج، عينها سوداء بريق، أنفها مسلوب طويل بأجمل ما يكون، أذنها في متوسط حجم المحار المستدير، قامتها معتدلة بأحسن ما يكون، وهي على الخط المستقيم، متعلمة ومدرسة دين.

أحمد: "بشوق" ومن هي تلك البنت التي تتحدثين عنها؟

الأم: "تبتسم" هي عزيزة بنت حبيب.

أحمد: ومن تكون عزيزة بنت حبيب؟

الأم: هي من بنات الديرة.

عزيزة: "تطرق الباب".

الأم: تفضلي أدخلي.

عزيزة: السلام عليكم.

الأم: وعليك السلام، حياك الله، تفضلي أجلسي.

أحمد: "عندما رأى عزيزة، تحرك الوتر الحساس، وتنهد، وزاد نبضه، وأخذ يحدث نفسه: هي تلك الصفات التي قالتها أمي في عزيزة حقا، تبارك الله أحسن الخالقين، ثم يتحرك يتجه إلى أمه، ويناجيها في أذنها" أوافق على الزواج من هذه البنت، فهذه تستحق من يضحي من أجلها بالمال والتعب، وسهر الليالي الطوال.

الأم: "تقدم لها الشاي" تفضلي اشربي، أتعرفين ابني أحمد؟

عزيزة: أليس هو الجالس مع أبيه عندما دخلت بيتكم؟

الأم: نعم، هو كذلك، شاب شهم ووقور ومتعلم، ولم يسبق له الزواج، هو الآن يطلب يدك، فماذا تقولين؟

عزيزة: "تسكت وقد بانت عليها علامات الاستغراب، وأخذت تنظر إلى سقف الغرفة".

الأم: أفهم من ذلك أنك ترفضين الزواج من أحمد.

عزيزة: "بصوت فيه نبرة غضب" هذه ليست من الأصول الخلقية الصحيحة، ولا التقاليد الأبوية الطيبة الموروثة، ولا الأعراف السائدة المتبعة محليا، ولا الأساليب التربوية المتحضرة، أن تطلبي يدي إلى ابنك أحمد، وأنا ضيفة في بيتك، ودون علم أهلي وفي بيتي، وأن تصرفاتك يا أم أحمد تنطبق على أهل الغرب، أن يقترن الرجل بخطيبته في الدرب دون علم أو موافقة الأهل، وأنت امرأة الإسلام المحمدية، مسئولة عن تطبيق التعاليم والأحكام الإلهية، وما أتى به الرسول خير البرية، فأقرئي القرآن والسيرة النبوية، هداية للإنسان، والنفس الأبية "فذكر بالقرآن من يخاف وعيد" "ق : 54"، دخلت بيتك زائرة، ولا أحب أن اسمع من الناس تقول عني "راحت زايرة عرست"، قومي بزيارة أمي في بيتها، وتحدثي بما شئت إليها، واطلبي الموافقة على الزواج من والدي، وسأكون حاضرة بين أمي وأبي وإخوتي، والخير فيما يقع.

عبدالله محمد الفردان

العدد 910 - الخميس 03 مارس 2005م الموافق 22 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً