العدد 911 - الجمعة 04 مارس 2005م الموافق 23 محرم 1426هـ

لماذا، وكيف تقرأ... هذه الصحيفة؟!

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

"أود أن أرى محاضرات عن "كيف تقرأ الصحيفة" تلقى في الجامعات والمدارس وغيرها. .." "ليوس ألن -إعلامي أميركي"

حينما تقوم بتصفح صحيفة حرة، فهذا لا يعني أو لا يعتبر دلالة على الديمقراطية، بمعنى، أن الصحافة الحرة ليست شرط الديمقراطية فقط، ثمة آفاق أخرى لابد من توافرها وأنت تقرأ الصحيفة. لكن، ما هي هذه الشروط التي لابد من توافرها، حتى تكون حرا في قراءتك للصحيفة؟ وبمعنى أدق، كيف تكون الصحافة الحرة دلالة على الديمقراطية؟

في العادة، أنت تقرأ في الصحيفة تلك الأخبار التي تهمك، قد تكون الكتابات التحليلية أو أعمدة الرأي أو الأخبار المحلية، عن المشاركة أو المقاطعة للانتخابات البرلمانية القادمة، أو قد تكون متلهفا لقراءة أخبار جديدة عن "البونس". وقد تكون ممن يبحث عن أسعار الأسهم، وقد تكون مهتما فقط بانتقالات اللاعبين وأخبار الرياضة. وقد تهتم بتلك الأخبار الخفيفة الظل في آخر الصحيفة، كأن تنتحر فتاة في تجربة حب فاشلة، أو أن يسرق ولد أباه ويهرب، أو أن تلتقي عائلة بعد شتات دام سنين.

الملاحظ، أنك حين تقرأ خبرا عن موضوع أنت ملم بآخر تطوراته، فإنك تذهب إلى التصديق أو التشكيك بصدقية ذلك الخبر، وحين يكون الخبر مهتما بشأن بعيد عن اهتماماتك فإنك في الغالب تصدقه مباشرة من دون محاولة التأكد من صحته، فأخبار الاضطرابات السياسية في أوكرانيا لا تهمك في الغالب، قام بها "سوتشكوف" أو "ريمانوف". هذا التفاعل "المجهول" من قبلك، هو "عامل غياب للديمقراطية".

لابد للقارئ والجمهور عموما أن يهتم بما يكتب الصحافيون، وإلا فالديمقراطية وحرية الصحافة قضية معطلة وغير ذات جدوى، فالصحافيون "خصوصا الجنود المجهولة، صائدي الأخبار في الأقسام المحلية" يحتاجون إلى تفاعل الجمهور الإيجابي معهم، لا أعني بذلك تصديق كل ما يكتبون، بل إن قيام أي قارئ من القراء بإرسال رسالة بريدية لأحد الصحافيين يخبره فيها بأنه "كتب خبرا كاذبا" تعتبر إيجابية كبرى من القارئ تجاه هذا الصحافي.

الصحافيون يحتاجون الى النقد، وإن لم يهتم القراء بنقد وتداول ما يكتبون، انتهت إبداعاتهم الى أرشيف قد لا يفتحه أحد، أي صحيفة مهما كانت توجهاتها، هي تبحث عن خمس نتائج رئيسية، هي تسعى إلى أن تكون ساحة للحوار والنقد والنقاش، وممثلة لكل الفئات المجتمعية، بألوانها السياسية والقومية والدينية كافة، وأن تكون راوية للحوادث بدقة وصدقية، تجعلها ناقلة صادقة لمجريات الحياة العامة للقارئ، وأن تعرض بدقة أهداف المجتمع وطموحاته وأحزانه وأفراحه، وأخيرا، هي طبعا تبحث عن مبيعات جيدة، تحقق تهافت المعلنين عليها. هذه النتائج لا يمكن أن تتحقق دونما وجود قراء جيدين إيجابيين، يحققون المعادلة، ويتممون باقي محاور عملها.

لابد من خلق توتر "إيجابي" بين الإعلاميين والجمهور، ولابد ألا ينتهي هذا القلق بفقدان الاحترام المتبادل بين الطرفين، أو إلى رضا مستغرب، أو سلبية تبعث على إهمال الصحافيين في تنمية قدراتهم وخبراتهم. إن العملية هي عملية صراع اجتماعي فاعل وصحي، والفائدة تعود بالضرورة نحو تأسيس الصحافة المدنية الديمقراطية، والديمقراطية بالمحصلة مصلحة الجميع من دون استثناء.

الصحافيون أدوارهم أكثر خطورة من "العلماء"، لكن الفارق، أن الصحافي لابد أن يكون ذا معرفة بكل شيء، فالعالم الفيزيائي لا يتحدث أو يبحث في الكيمياء، أما الصحافي الناجح فهو أشبه بالموسوعة الشاملة، إنهم بحاثة متجولون في كل صوب وزاوية، وعلى القارئ حين يقرأ الصحيفة، أن يهتم بتقييم هؤلاء العلماء أفضل تقييم، وعليه تبعا لهذا، أن يحاول المشاركة في تدريب هؤلاء الصحافيين، وكلمات بسيطة مثل "مقالة جيدة" أو "خبر غير دقيق" أو "كتابة أدبية ضعيفة" أو "تحليل غير موضوعي" تبعث مجاميع القراء للصحافيين هكذا من دون إطالة، هي نتائج الامتحانات والتقييم من قبل القراء تجاه الصحافي. وكما أن الطالب، قد يرفض - عنادا - نتيجة امتحانه من قبل مدرسيه، قد يرفض الصحافي هذا التقييم، إلا أنك أيها القارئ تجعله أكثر حرصا على تحري الدقة في عمله أو كتابته القادمة، سيحاول هذا الصحافي تلافي أخطاءه مستقبلا، وهكذا تحديدا، يصنع كل قارئ، ما يسمى بالديمقراطية، ويكون منتجا وفاعلا فيها.

لا تصدقوا أمهاتكم...

من أجمل الطرائف في أحد التعليقات من قبل كبار الاكاديميين الإعلاميين البريطانيين، هو اعتقاده أنه من واجب الصحافي أن يتأكد من كل الأخبار التي يريد نشرها تأكد المهووس، حتى ولو وصل به الحد إلى طلب الدليل من أمه حين تقول إنها تحبه، لذلك فليكتب الصحافي "الأم تقول انها تحب ابنها" وليس من الجائز له أن يكتب "الام تحب ابنها" إذ لا دليل على ذلك. ما أريد تأكيده، أن الخبر - أيا كان - هو قيمة كبرى بالنسبة إلى القراء أو لشريحة منهم، والخبر الذي قد يستصغره الصحافي فيكتب عنه معلومات غير مؤكدة، قد يؤدي إلى كوارث أو مشكلات كبرى من لدن القراء.

للقراء كل الحق في محاسبة أي صحافي كتب لهم خبرا كاذبا، وأضر بمصالحهم. كأن يدعي أحدهم بأن "البونس سيصرف غدا" فيصرف الناس ما في جيوبهم على أمل الغد، فيتضح الأمر أنها مجرد إشاعة من دون مصدر. أما أن اتخذ القراء خيار السلبية فذلك شأنهم، وذلك خيارهم، بالبقاء من دون حرية صحافة ومن دون ديمقراطية.

المثال السابق عن "تصديق الأمهات" قد يبدو مبالغا فيه بعض الشيء، لكنها استعارة لمحاولة تأكيد حق القارئ في معرفة الحقيقة، كما أكدت أحقية الصحافي في نقد أخباره وتحليلها وتقييمها.

إن التزام القارئ بقراءة هذه الصحيفة هي دلالة على محبته لها، وهو التزام أدبي لابد من استكمال عناصره كافة، والحب شعور يتطلب التواصل، والتواصل يؤدي لا محالة الى حال من الصفاء، وأحيانا الى حالات من الكدر بين المحبين. والصحافة اليوم تمثل منبرا رئيسيا للمعرفة والمعلومات، لذلك لابد ان يكون تعاملك مع الصحيفة ذا أبعاد تفاعلية على أكثر من جانب وزاوية، الصحافة في النهاية عملية تجارية، بيع وشراء، والشركات التجارية تسعى الى تحسين منتجاتها للمستهلكين "القراء"، والمستهلكون دائما ما يحرصون على ان تقدم لهم الشركات والمؤسسات منتجات تلبي احتياجاتهم وتطلعاتهم.

نهاية المطاف، لابد من التأكيد على محورية مهمة، وهي أنك أيها القارئ الكريم لست مقتنعا بالكثير من الأشياء التي تقرأها في أية صحيفة تقرأها، وعليك ان تهتم ببيان هذا الأمر، إذ انها أهم خدمة تقدمها للصحيفة التي تقتنيها كل صباح، لأنك ببساطة تعيش حالا من الحب معها، وإلا فما من سبب مقنع يدعوك لشرائها أو مطالعتها إنترنتيا، وإلا فأنت قارئ لا يهتم بصحيفته، أو بالأحرى محب لا يهتم بمحبوبته

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 911 - الجمعة 04 مارس 2005م الموافق 23 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً