العدد 912 - السبت 05 مارس 2005م الموافق 24 محرم 1426هـ

قراءة ثانية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

التهديدات التي أطلقها الرئيس الأميركي جورج بوش ضد سورية بشأن الملف اللبناني يجب إعادة قراءة فقراتها أكثر من مرة لتوضيح صورة الموقف في ضوء تداعيات الأزمة التي ولدتها جريمة اغتيال رفيق الحريري. فالتهديدات ليست للاستهلاك المحلي ولا للتخويف فقط وإنما تحمل بعض عناصر القوة السياسية التي افتقدتها إدارة البيت الأبيض في ولايتها الأولى وخلال مرحلة الإعداد للحرب على العراق.

إدارة البيت الأبيض بقيادة "كتلة الشر" في ولايتها الثانية مرتاحة أكثر من السنوات الأربع السابقة. فهي الآن أخذت ورقة تفويض من الناخب الأميركي، وهي أيضا مطمئنة للموقف الأوروبي وتحديدا بالنسبة إلى ملفات ما يسمى "الشرق الأوسط" وهي تملك ورقة دولية صادرة عن مجلس الأمن تحمل القرار .1559 كذلك - وهذا هو الأهم - أن وضعها الصعب في العراق ليس سيئا إلى درجة أنها تفكر بالانسحاب العسكري في أسرع وقت. وفي فلسطين وعلى رغم كل الصعوبات فإنها ارتاحت من المشاكس برحيل الزعيم التاريخي ياسر عرفات. وهي أيضا، وهذه من أكاذيب القرن، تحاول استثمار كل التحولات الإيجابية في المنطقة مدعية أنها حصلت بفضل ضغوطها العسكرية وتهديداتها السياسية.

بوش الثاني يحاول تسويق كل الحالات العربية من انتخابات جرت في العراق، إلى انتخابات بلدية جرت في السعودية، إلى قبول الرئيس المصري بتعديل محدود في الدستور يضمن التعددية في الانتخابات الرئاسية، إلى خروج المعارضة إلى قلب بيروت... فكل هذه الأمور وغيرها يعمل بوش الثاني على استثمارها سياسيا لتمرير مشروعه التقويضي الذي يقوم على فكرة هدم البنى التحتية للدول المركزية "الإقليمية" في دائرة ممتدة من إيران إلى فلسطين لضمان أمن النفط وأمن "إسرائيل" بذريعة إعادة رسم خريطة "الشرق الأوسط".

بوش الثاني انتقل الآن من سياسة الدفاع عن استراتيجيته التقويضية إلى سياسة الهجوم لتسويق تلك الاستراتيجية بذريعة أنها أخذت تثمر براعم "الديمقراطية" في منطقة تسيطر عليها حكومات مستبدة. والمشكلة، وهذا هو الخطر في الموضوع، ان حواجز الاعتراض الأوروبية والروسية والدولية "وحتى العربية" لم تعد كثيرة أو على الأقل تراجعت "دول الضد" عن مواقفها السابقة ودخلت مع واشنطن في تسويات تقضي باحترام الحصص وتوزيع المغانم "كل بحسب قدرته وحاجته" والإقرار بفكرة توازن المصالح.

معركة بوش الأول ضد العراق كانت صعبة وواجهت اعتراضات دولية وأوروبية وتظاهر الملايين من البشر ضدها ومع ذلك غامرت "كتلة الشر" وتحدت العالم وحاربت معزولة ومن دون غطاء دولي وشرعية شكلية من الأمم المتحدة.

معركة بوش الثاني ضد سورية تبدو مختلفة أو على الأقل لا تواجه تلك الصعوبات التي شهد العالم حالاتها في الحرب على العراق. فالمعركة ضد سورية التي اعتبر بوش أنها غير واردة هي واردة في اللحظة التي يتخذ فيها القرار في الوقت المناسب. فبوش الآن ليس بحاجة إلى العودة إلى مجلس الأمن لانتزاع قرار من دوله الكبرى فهو أخذ القرار. والقرار بحسب تفسير واشنطن ينص على انسحاب القوات السورية من لبنان وبأسرع وقت ممكن وقبل الانتخابات اللبنانية في مايو/ أيار المقبل.

الكلام واضح وليس بحاجة إلى شرح وتفصيل. فالرئيس المنتفخ بجنون العظمة يعتبر أن أوروبا معه في معركته التي يستعد لها. وأن روسيا ليست ضده. وكذلك يستغل كل السكوت العربي والمخاوف وما أثارته وتثيره كل التحركات المتقلبة في الوضع اللبناني لتأسيس خطة حرب تعيد ترتيب أولويات استراتيجيته في منطقة "الشرق الأوسط". فبوش الثاني في عقله الصغير وتضخم عضلاته يقرأ المعادلة سياسيا إلى جانبه. فهو يعلم أن الملف الإيراني له الأولوية، إلا أن طهران لاتزال حتى الآن حلقة قوية في السلسلة وتحتاج إلى وقت طويل لمعالجتها، بينما حلقة لبنان ضعيفة ويمكن من خلالها قلب الأولويات العسكرية بوضع الملف السوري على رأس جدول الأعمال ومنه يستطيع أن يطل مجددا على الملفات والحلقات الأخرى.

الوضع صعب. ومن يعيد قراءة تصريحات بوش وتهديداته لسورية في ضوء ربطها بمعاني الفقرات التي يتضمنها القرار 1559 وتضميناته سيكتشف اللعبة الخطيرة وسيدرك بأن ذاك القرار لم يصدر عن عبث وأنه بالتأكيد ليس "انتصارا للدبلوماسية السورية اللبنانية، لأنه لم يشر إلى سورية بالاسم"، كما ذكر أحدهم قبل لحظات من التمديد للرئيس اللبناني

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 912 - السبت 05 مارس 2005م الموافق 24 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً