العدد 913 - الأحد 06 مارس 2005م الموافق 25 محرم 1426هـ

قلق الشارع السوري ومبادرات للبحث عن حل!

فايز سارة comments [at] alwasatnews.com

.

قلق يلف الشارع السوري بفعل تداعيات الوضع في لبنان وتأثيراته في العلاقات السورية - اللبنانية وعلى سورية، وتتمثل اسباب القلق السوري في ثلاثة أمور أساسية، أولها يتصل بلبنان، والذي مازالت تتصاعد فيه لهجة مناوئة لسورية والسوريين، على رغم ان بعض تعبيرات اللهجة المناوئة لسورية تحاول التفريق بين النظام في سورية والشعب السوري مركزة في نقدها على مواقف النظام وسياساته في لبنان.

وثاني اسباب القلق السوري، ان ما يحدث في لبنان يترافق مع تصعيد حملة الضغط الدولي خصوصا الاميركي - الاوروبي على سورية وسياستها، وهو ضغط متعدد الاوجه والمجالات، لكنه يأخذ موضوع الوجود السوري في لبنان سندا رئيسيا مستفيدا من القرار الدولي 1559 في اتصاله بالوضع في لبنان والوجود السوري هناك.

اما ثالث الاسباب التي تقلق السوريين، فاساسه الطريقة التي تتعامل بها الرسمية السورية مع التطورات السياسية المحيطة، خصوصا لهجة الارتباك الدبلوماسي، الذي يعطي أداؤها في حالات كثيرة مؤشرات تتناقض ما تعلنه من مواقف، اضافة الى ان الاداء السياسي السوري، يبدو في غالبية الاحيان متأثرا بالحوادث، بدل ان يكون مؤثرا فيها بافتقاده للقدرة على المبادرة والانتقال من موقع الدفاع والاتهام للمبادرة نحو توافق واتفاق مع الاطراف الاخرى، على رغم ان الحال لا يدفع سورية دائما لان تكون في موقع الدفاع والاتهام.

ان تجليات قلق الشارع السوري تبدو في ظواهر جديدة في الحياة السورية، وابرزها المتابعة الاعلامية لما يحدث في المحيط الخارجي ولاسيما في لبنان الذي يبدو اليوم باعتباره بؤرة التطورات المحتملة، حاملا اتجاهات تصعيدية في ضوء المواقف المتصادمة حول استمرار الوجود العسكري السوري هناك، وهو ما يجعل كثيرا من السوريين يتابعون قنوات التلفزة العربية الاخبارية وخصوصا الشاشات اللبنانية للوقوف على ما يحصل واحتمالاته.

ويتوافق مع التعبير الرئيسي للقلق السوري دخول السوريين في ظاهرة اخرى، هي نقاشات مستفيضة حول الاوضاع الراهنة، وهي نقاشات تتجاوز همس البيوت الى علو الصوت في الاماكن العامة، وصولا الى نقاشات علنية تتم عبر الصحافة العربية المكتوبة ومحطات التلفزة وفي المواقع الالكترونية وبينها مواقع متخصصة بالشأن السوري وقد صارت كثيرة.

واهمية نقاش السوريين الحالي، انه انتقل من العموميات السياسية الى التفاصيل، كما انتقل من الوضع الراهن الى نقاش المستقبل، وفي تفاصيل الموضوعات التي يجري نقاشها مسألة الوجود السوري في لبنان وآثاره على سورية وسياساتها والمستمر منذ نحو ثلاثين عاما، وكذلك موضوع العمال السوريين في لبنان الذين يصل عددهم نحو نصف مليون عامل والذين نقلت تقارير عن تعرضهم للأذى في اطار تداعيات اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وموضوع الاموال السورية المودعة في المصارف اللبنانية والتي يصل حجمها الى ما بين ست وثمانية مليارات دولار، والمشروعات الاقتصادية التي يملكها سوريون في لبنان، ويتجاوز النقاش حول هذه الموضوعات الوقوف عند وضعها الراهن إلى البحث في مستقبلها في اطار مستقبل العلاقات السورية - اللبنانية التي تجزم أكثرية السوريين بما فيها السلطة على اهمية ان تكون علاقات مستمرة ومميزة توافقا مع الارث التاريخي والاجتماعي والثقافي لعلاقات البلدين والشعبين، والا تؤدي التطورات الراهنة الى انسدادات في العلاقات وتطورات سلبية في ملفاتها.

لقد ركزت السياسة الرسمية السورية في معالجتها للموضوع اللبناني على تنفيذ اتفاق الطائف فيما يتعلق بموضوع الوجود السوري في لبنان، وكل المؤشرات تؤكد ان سورية اتخذت قرارا بانسحاب قواتها طبقا للطائف، وهي قد نشطت عربيا ودوليا في هذا الاتجاه، لكن المحيط العربي والدولي الذي يركز على الانسحاب السوري من لبنان اساسا، وان كان الموقف العربي أميل الى تحقيق ذلك من خلال المزاوجة بين اتفاق الطائف والقرار الدولي 1559 على نحو ما تحاول مصر، وهو أمر يمكن ان يجد صدى سعوديا طبقا لنتائج زيارتي وزير الخارجية السوري فاروق الشرع الى القاهرة والرياض، ثم الزيارة التي قام بها الرئيس بشار الاسد الى الرياض، التي اكد خلالها السعوديون ضرورة انسحاب سوري عاجل من لبنان على قاعدة ايجاد حل للوضع المتأزم في لبنان.

وبسبب تعارض الاطار العام للسياسة السورية في الموضوع اللبناني مع محتويات الاطار الدولي والعربي، فقد توجهت فعاليات سورية من المثقفين والمعارضين السياسيين الى نقد السياسة التي تتبعها الحكومة السورية، وطالبت بانسحاب سوري شامل من لبنان استجابة لمطالب الشعبين السوري واللبناني، وإعادة رسم محتوى جديد للعلاقات بين البلدين واسقاط ذرائع التدخل الاجنبي في الشئون السورية واللبنانية.

لقد عارضت فعاليات سياسية واقتصادية سورية في اطار الدعوة لمعالجة الوضع اللبناني التصعيد السياسي في العلاقات السورية - اللبنانية على نحو ما يمكن ان تؤثر عليه عملية سحب الاموال السورية من المصارف اللبنانية، أو في سحب العمالة السورية من لبنان وتصفية مشروعات السوريين هناك، ودعت الى نهج من التهدئة مع المعارضة اللبنانية والقيام بمبادرات نحوها، ومن ذلك دعوة صدرت في مجلس الشعب السوري "للاتصال مع الشعب اللبناني بشقيه المعارض والموالي بغية تصحيح العلاقات بين الشعبين الشقيقين"، ومساهمة في "حماية الروابط التاريخية بين الشعبين"، فيما ذهبت دعوة احد وجوه المعارضة السورية الى الابعد في حث الرسمية السورية للذهاب الى بيروت "للعزاء رسميا بالحريري، ولقاء المعارضة، التي أعلنت التزامها الطائف ورفض التدويل - القرار 1559 - من أجل مصالحة شاملة معها، وتشكيل حكومة تنجز بسرعة تحقيقا محايدا ونزيها في مقتل الحريري، وتشرف على انتخابات برلمانية حرة وقانونية"، والاتفاق مع جميع أطياف السياسة اللبنانية على آليات تطبيق الطائف، ومواعيد انسحاب الجيش والمخابرات السورية مقابل التزام المعارضة بمعاونة سورية على تطبيق القرار 1559 بطريقة تمكنهما من احتواء نتائجه السلبية، التي ترتبط بأهداف أميركا و"إسرائيل" ومقاصدهما، لتقوم علاقة جديدة بين الدولتين، المستقلتين والحرتين، اللتين تتبادلان التمثيل الدبلوماسي الكامل.

وثمة نقطة لا تقل أهمية عما سبق، قاد اليها النقاش السوري حول الوضع اللبناني وتداعياته، وهي اقتران الدعوة الى معالجة الملف اللبناني باحياء ملف الاصلاح السوري سواء في الجانب الاقتصادي بما يتعلق باموال السوريين والعمالة السورية في لبنان وبالاصلاح القانوني والاداري حسبما دعت وعبرت اوساط اعلامية سورية ورجال اعمال، أو في الجانب السياسي إذ جدد معارضون وناشطون في المجتمع دعوتهم "النظام"، ان "يستكمل المصالحة مع لبنان والعرب والعالم بمصالحة مع شعبه" من خلال "مؤتمر وطني هدفه الحوار والمصالحة وإخراج البلاد من مأزقها المميت وسياساتها الراهنة القاتلة".

قلق الشارع السوري ومخاوفه مرتبطان بالسعي الى حل الوضع اللبناني ومعالجته، وربما هي المرة الاولى الذي يجعل السوريون من قضية في السياسة محور اهتمامهم، والامر في ذلك لا يتعلق بلبنان على اهميته بالنسبة إلى السوريين بل بما تحمله تلك القضية على سورية ومحيطها من اخطار كبرى

العدد 913 - الأحد 06 مارس 2005م الموافق 25 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً