العدد 917 - الخميس 10 مارس 2005م الموافق 29 محرم 1426هـ

تجارب الشعوب الحية من كارنيغي إلى البابطين

قضايا الأوقاف والتنمية الثقافية والإنفاق الأهلي

حسن الصفار comments [at] alwasatnews.com

كان اختيار تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2003م لموضوع بناء مجتمع المعرفة موفقا جدا. ذلك أن المعرفة اكتسابا وإنتاجا وتوظيفا قد غدت الوسيلة الكفيلة بتحقيق التنمية الإنسانية في جميع ميادينها، فهي غالبا ما ترسم الحدود بين القدرة والعجز، بين المنعة والوهن، وبين الثروة والفقر.

ان شح المعرفة وركود تطورها يحكمان على البلدان التي تعانيهما بضعف القدرة الإنتاجية، وتضاؤل فرص التنمية، حتى أن فجوة المعرفة أصبحت تعد في نظر مؤسسة اقتصادية دولية كالبنك الدولي، المحدد الرئيسي لمقدرات الدول في العالم. كما إن التخلف الشديد لمجتمعاتنا العربية والإسلامية، في مجال المعرفة والثقافة، هو الذي يكرس تخلفها في سائر المجالات كما هو ناتج له.

وكان انطلاق حضارة الإسلام بطلب المعرفة "اقرأ". وبقدر الاستجابة لذلك كان الإنجاز الحضاري. وحين تقلص الاهتمام بالمعرفة تراجعت الحضارة وتخلفت الأمة، وسبقتها سائر الأمم. وتلك سنة الله: "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب" "الزمر: 9".

ولا يمكن ردم الهوة العميقة التي تفصل بيننا وبين المجتمعات المتقدمة، إلا ببناء مجتمع المعرفة، وامتلاك قدرة العلم، وإصلاح خلل الثقافة. فشواهد العجز والضعف في واقعنا على مختلف الأصعدة، أشار التقرير المذكور إلى بعضها: إذ ينخفض عدد الصحف في البلدان العربية إلى أقل من 53 لكل ألف شخص، مقارنة مع 285 صحيفة لكل ألف شخص في الدول المتقدمة. ويوجد أقل من 18 حاسوبا لكل ألف شخص في المنطقة العربية، مقارنة مع المتوسط العالمي هو 78,3 حاسوب لكل ألف شخص. أما إنتاج الكتب في بلداننا فلم يتجاوز 1,1 في المئة من الإنتاج العالمي مع أننا نشكل 5 في المئة من سكان العالم.

وعلى رغم وجود 284 مليون عربي في 22 دولة، يتراوح العدد المعتاد لنشر أية رواية ما بين 1000 و3000 نسخة، ويعتبر الكتاب الذي يوزع منه 5000 نسخة ناجحا نجاحا باهرا. وبينما يصل عدد المنشورات العلمية في فرنسا إلى 840 بحثا لكل مليون فرد، وفي سويسرا إلى 1878 فإنه لا يتعدى في البلدان العربية 26 بحثا لكل مليون شخص العام 1995م. الإنفاق الرسمي على البحث العلمي في البلدان العربية لا يتجاوز 0,2 في المئة من الناتج القومي، بينما الإنفاق على البحث في البلدان المتقدمة بين 2,5 إلى 5 في المئة.

والترجمة من القنوات المهمة لنشر المعرفة والتواصل مع العالم، إلا أن حركة الترجمة في البلدان العربية مازالت تتسم بالركود والفوضى، فمتوسط الكتب المترجمة أقل من كتاب واحد في السنة لكل مليون من السكان، بينما بلغ 519 كتابا في المجر، و920 كتابا في اسبانيا لكل مليون. وعلى رغم ازدياد الكتب المترجمة في العالم العربي من نحو 175 عنوانا في السنة خلال الفترة 1970 - 1975م إلى ما يقرب من 330 كتابا وهو خمس ما تترجمه اليونان مثلا.

مسئولية النهوض

تتحمل الحكومات العربية الجزء الأكبر والأساسي من مسئولية التردي والضعف في واقع المعرفة والثقافة، لشح إنفاقها وسوء الإدارة والتخطيط، ووضع الحواجز والعراقيل أمام حرية الفكر وحركة المعرفة. وكنموذج للتجاهل والإهمال نشير إلى ما قاله المفكر والمؤرخ السوري شاكر مصطفى، الذي كان يرأس المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في جامعة الدول العربية، قال: "إن المنظمة رأت أن تضع خطة للثقافة العربية العام 1982م لترسم السياسة الثقافية المستقبلية، واختارت سبعة عشر مثقفا متخصصا من سبعة عشر قطرا عربيا لوضع هذه الخطة، التي استمر العمل فيها لمدة أربع سنوات، أنفق خلالها مليونا دولار، وعقدنا 29 مؤتمرا، ضم كل مؤتمر 25 متخصصا في كل فروع المعرفة الإنسانية، من الموسيقى إلى الصحافة و الدين والعلم. ولخصت بنفسي كل هذا وجمعته في خمسة مجلدات مركونة على الرفوف إلى اليوم! وقد عانيت المر في هذا العمل الضخم ليس بسبب الجهد الذي بذلته، ولكن بسبب تعنت الحكومات العربية، فلم تمدنا بالمعلومات أو الأرقام الخاصة، وكنت اضطر إلى إرسال مبعوث شخصي إلى هذه الحكومات فيفشل في مهمته، فأضطر إلى السفر بنفسي في كثير من الأحيان، وأواجه بكم من الإجراءات والعقبات البيروقراطية الكفيلة بنسف مشروعنا من أساسه، ثم وافق وزراء الثقافة العرب بالإجماع على هذه الخطة على رغم أنهم لم يقرأوها، وبالتالي لم يقرأها مسئول عربي واحد إلى الآن".

لكن المسئولية لا تنحصر في الحكومات، فإن النهوض بمستوى الثقافة والمعرفة يتطلب فاعلية أهلية وحركة اجتماعية، وخصوصا من قبل العلماء والمثقفين، ومن جهة رجال الأعمال والثروة. ففي البلدان المتقدمة تساهم القطاعات الإنتاجية والخدمية، ويقوم الأغنياء ومؤسسات المجتمع المدني بنحو 50 في المئة من الإنفاق على جهود البحث والتطوير العلمي والمعرفي، بينما لا تتعدى هذه النسبة 3 في المئة من مخصصات البحث والتطوير في البلدان العربية.

في 1997م نشرت صحيفة "كريستيان سيانس مونيتور" "أن أميركيا لم يرغب في إعلان اسمه تبرع بمبلغ 35 مليون دولار للدفاع عن التمدن والنزاهة والتقاليد النبيلة في بلاده، وأرسل التبرع إلى "معهد المجتمع المدني" الذي أقيم ليكرس جهوده لمقاومة الانحرافات والانهيارات السلوكية والأخلاقية الحاصلة في المجتمع الأميركي، وقد وجد الرجل أن رسالة المعهد تحقق له حلما تمناه لشعبه فوضع تحت تصرفه ذلك المبلغ الكبير".

وثمة نموذج آخر عرضه ، عالم الفيزياء الباكستاني محمد عبدالسلام، وهو أول مسلم حصل على جائزة نوبل العام 1979م وضمنه كتابه "أحلام وحقائق" فقد ظل الرجل يحلم بإقامة مركز دولي للفيزياء النظرية، يستفيد منه ويتدرب فيه علماء العالم الثالث، ولم يجد مكانا يستجيب لحلمه سوى مدينة "تريستا" الإيطالية، وقد أدهشه أن مجلس المدينة خصص مبلغ 40 مليون دولار لصالح المشروع، وأن أثرياءها بادروا إلى تشجيعه وتقديم الأموال التي احتاجها.

وروى عبدالسلام قصة تبرع بمبلغ 70 مليون دولار قدمته "مؤسسة كيك" التي أنشأتها عائلة أميركية مغمورة تعمل بالنفط إلى معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، لكي يتمكن من بناء أكبر تلسكوب على وجه الأرض، يبلغ قطره عشرة أمتار. بعد ذلك تساءل قائلا: أين الأثرياء في بلادنا؟ ولماذا يتقاعسون عن القيام بتلك المهمات النبيلة التي يقبل عليها الأثرياء في الكثير من أنحاء العالم؟

كانت هذه الروح متوافرة لدى أثرياء الأمة في أزمنة سابقة، وبها حققت ما يتحدث عنه التاريخ من انجازاتها العلمية والحضارية والإنسانية.فكانت سنة "الوقف الخيري" التي أقيمت منها المدارس والمستشفيات والمكتبات، ودور الضيافة للمسافرين، وعبرها كان يتم الإنفاق على النشاط العلمي والثقافي.

جاء في ترجمة الشريف المرتضى "355 - 436هـ" أنه أوقف قرية زراعية كاملة تصرف مواردها على قراطيس الفقهاء والتلاميذ. وفي عهد قريب تبرعت في مصر فاطمة بنت الخديوي إسماعيل لمشروع إنشاء الجامعة المصرية بثلاثة آلاف وثلاثمئة فدان يخصص ريعها للجامعة، فضلا عن قطعة أرض لإقامة مباني الجامعة، المقر الحالي لجامعة القاهرة، وقدمت فوق هذا وذاك 18 ألف جنيه ذهبي لموازنتها في سنة 1913م. كما أوقف الأمير يوسف كمال على الجامعة 125 فدانا، وأنشأ من حر ماله كلية الفنون الجميلة في أوائل القرن العشرين، وأوفد أوائل خريجيها على نفقته الخاصة في بعثات إلى إيطاليا وفرنسا.

الإنفاق على الشأن العام

لا يمكن إنكار وجود مبادرات طيبة وجهود خيرة في مجتمعاتنا من قبل بعض المحسنين الباذلين من أموالهم وثرواتهم في سبيل الله ولخدمة المصالح العامة، لكن هذه المبادرات لاتزال محدودة قليلة، لا تتناسب مع حجم الثروات، وسعة طبقة الأثرياء، فقد تحدثت مجلة "Arabian Business" أخيرا عن خمسين ثريا عربيا يمتلكون 404 مليارات دولار، وقالت إنها لم تتعرض للمليارديرية العرب المغمورين وإلا لم تكف 50 صفحة لباقي الأثرياء الذين لا يظهرون ثرواتهم خوفا من الحسد والمساءلة! هذه المبادرات لا تشكل الحد الأدنى من الاستجابة للاحتياجات والتحديات الكبيرة التي تواجهها الأمة وتنعكس آثارها على جميع شرائح الأمة بما فيهم الأثرياء، وتؤثر على مختلف أوضاعها وفي طليعتها الوضع الاقتصادي. ما يعني أن الإنفاق على الشأن العام له مردود إيجابي على الأثرياء أنفسهم، وفي مجال اهتمامهم الاقتصادي، كما أن لشح الإنفاق في خدمة الشأن العام نتائج سلبية ليسوا بعيدين عن آثارها. وغريب جدا أن يتدنى مستوى الإنفاق على الشأن العام في أمة يفرض دينها الإنفاق ويعتبره ركنا أساسيا في الانتماء للدين، إذ يقرن القرآن الكريم دائما بين إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وتكرر ذلك في 32 آية.

لقد أصبح الإنفاق على الشأن العام ظاهرة عامة في المجتمعات الأخرى، بينما لايزال في مجتمعاتنا ضمن مستوى المبادرات الفردية المحدودة. الصحافية مها عبدالفتاح كتبت في صحيفة "أخبار اليوم" المصرية تحت عنوان "أروع ما في أميركا أوقاف أغنيائها وروح العطاء" تحدثت عن نموذج لرجل من الأغنياء الأميركيين أنشأ مؤسستين خيريتين، وأنفق عليهما في صمت مئات الملايين من الدولارات، ولم يعرف إلا حين باع بعض شركاته أخيرا، ووهب لأعمال الخير مليار دولار، في حين لم يستبق لنفسه وأسرته سوى خمسة ملايين دولار فقط.

وجاء في تقرير آخر أن تبرعات الأميركيين للجمعيات الخيرية العام 2003م وصلت إلى 245 بليون دولار، ويمثل 2,2 في المئة من الدخل الوطني، كما أن معدل التبرع سنويا هو 500 دولار لكل أميركي. وجاء في تعريف "معهد كارينجي للسلام الدولي" أنه مؤسسة أبحاث سياسية مرموقة في واشنطن، تأسس سنة 1910م على يد "أندرو كارنيجي"، أحد أهم رواد الصناعة في تلك الحقبة، والذي جنى ثروة كبيرة في صناعة الفولاذ، ثم قرر تكريسها لتحقيق الأهداف التي شعر بأن المنظمات الخاصة لا يسعها أن تعهد بها كليا إلى الحكومة، وأحدها قضية نشر السلام في العالم.

الاهتمام بالشأن الثقافي

غالبا ما يتجه المحسنون في بلادنا للإنفاق على ما يخدم القضايا الدينية المباشرة، كبناء المساجد والحسينيات والحج والعمرة والزيارة، وتلاوة القرآن، وما شاكل، وبالدرجة الثانية يأتي الاهتمام في الإنفاق على القضايا الإنسانية، كمساعدة الفقراء، ورعاية الأيتام، وعلاج المرضى، وفي المرتبة الثالثة يجيء دور الإنفاق على الشأن الثقافي المعرفي، كبناء المدارس والجامعات، والمراكز العلمية، وإنشاء المكتبات، ونشر البحوث...

وإذا كان الشأن الثقافي في مرتبة متأخرة، فذلك يعني استمرار واقع التخلف وتكريسه على هذا الصعيد. فلابد من استنهاض الهمم، وتوجيه مبادرات العطاء نحو الشأن الثقافي، فالمعرفة ليست مسألة هامشية بل هي من الدين في الصميم، والإنفاق على نشر المعارف والعلوم لا يقل أهمية وفضلا عند الله من الإنفاق على بناء المساجد، وبالمعرفة تتقوى حالة التدين. كما أن رفع مستوى المعرفة في المجتمع هو أفضل سبيل لمواجهة حالات الفقر والعوز الاقتصادي.

البابطين نموذج ريادي

إن مما يحفز على تشجيع الاهتمام بالإنفاق على الشأن المعرفي والثقافي، إشهار المبادرات الطيبة، وتقدير المبادرين الذين يتبنون رعاية وتمويل الأنشطة المعرفية الثقافية. وهم في الواقع يستحقون كل تقدير واحترام، لأن اهتمامهم بهذا المجال يدل على مستوى متقدم من الوعي، وشعور عميق بالمسئولية.

ومن أولئك المبادرين الرواد في منطقتنا الخليجية عبدالعزيز بن سعود البابطين. وهو من رجال الأعمال المعروفين في الكويت "ولد سنة 1936م" وله نشاط تجاري وصناعي بارز. وهو أديب شاعر، ولاهتمامه المعرفي انضم إلى عضوية عدة مؤسسات علمية وثقافية منها: الهيئة التأسيسية للجنة الوطنية لدعم التعليم، وإدارة الصندوق الوقفي للثقافة والفكر التابع للأمانة العامة للأوقاف في الكويت، ورابطة الأدباء في الكويت، ومجلس أمناء المجمع الثقافي العربي في بيروت، وجمعية فاس سايس الثقافية في المغرب، ومجلس أمناء "مؤسسة الفكر العربي".

وقد أنشأ جائزة للإبداع الشعري العام 1989م ومكتبها الرئيسي في القاهرة وافتتحت لها مكاتب إقليمية في تونس وعمان والكويت. كما أنشأ جائزة سنوية مخصصة لأحفاد الإمام البخاري قيمتها "100" ألف دولار، لترميم الجسور الثقافية الأصيلة بين الأمة العربية والدول الإسلامية. وأنشأ بعثة للدراسات العليا تعطي للشعوب الإسلامية في جمهوريات آسيا الوسطى مئة منحة سنويا للدراسة في جامعة الأزهر، علاوة على خمس منح سنوية للمغرب، وأخرى للنيجر، وأخرى لأوغندا ومالي، ومئة منحة سنوية لأبناء الشعب العراقي بالتنسيق مع السيد محمد باقر الحكيم قبل شهادته رحمه الله، وخمسين منحة سنوية للدراسات العليا لأبناء شهداء انتفاضة الأقصى.

وأسس مكتبة مركزية للشعر العربي في الكويت، ومكتبة في حرم كلية الآداب بجامعة القدس تقدم خدماتها إلى أبناء فلسطين. وأنشأ جائزة للشعر العربي في فلسطين موجهة للشباب الفلسطيني ممن تقل أعمارهم عن 35 عاما. وأسس مركزا للترجمة في بيروت العام 2004م ليقوم سنويا بترجمة عشرات الكتب العلمية وغيرها من اللغات الحية إلى العربية.

كما أنشأ أكثر من عشر مدارس وكليات في كل من مصر ولبنان والمغرب والعراق، وقرغيزستان ومالي وكازخستان وآذربيجان والجزائر والهند.إضافة إلى إسهاماته وخدماته في المجال الإنساني كإنشاء المستشفيات والمراكز الطبية وبناء المساجد. ومع هذا الدور الكبير الذي يقوم به، والموقعية التجارية التي يحتلها، فهو يتصف بتواضع جم، وخلق كريم، وقد زار القطيف مساء يوم الخميس 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2004م، بدعوة من الأخ محمد رضا نصرالله فأقيم له احتفال تكريمي شارك فيه جمع من العلماء والأدباء والإعلاميين ورجال الأعمال من القطيف والأحساء.

إنه نموذج ريادي في الاهتمام بالمعرفة والتنمية الثقافية، نأمل أن يقتفي أثره ويحتذي به أثرياؤنا ورجال الأعمال في مجتمعاتنا.

الأوقاف للإنماء الثقافي

لإيجاد روافد دعم ثابتة للإنماء الثقافي، ولتكريس الدور الأهلي في خدمة قضايا المعرفة، لابد من تشجيع قيام مشروعات وقفية مخصصة للتنمية الثقافية، فكما لدينا أوقاف للمساجد والحسينيات ولتخليد ذكريات أئمة الدين، وكذلك بعض الأوقاف للفقراء والمساكين والايتام، نحتاج إلى أوقاف للابتعاث للدراسات العليا وللبحث والتطوير، وللتأليف وطباعة الكتب، وللإعلام والقنوات الفضائية الهادفة. وقبل ذلك يجب التفكير في الاستفادة من الأوقاف الموجودة فعلا لصالح التنمية الثقافية. فأوقاف المساجد ألا يمكن الاستفادة منها لابتعاث أئمة المساجد لتطوير كفاءاتهم؟ ولإقامة الدروس ودورات التعليم والتثقيف فيها؟ أو لتمويل أنشطة معرفية مرتبطة بالمسجد كموقع على الإنترنت ومطبوعات منتظمة؟وكذلك ألا يمكن الاستفادة من أوقاف الحسينيات في قيام أنشطة معرفية منبثقة عن الحسينية متجهة إلى أهدافها؟

وحينما يكون عندنا وقف باسم إمام من الأئمة "عليهم السلام" ألا يصح لنا أن نصرف جزءا من ريعه لتمويل دراسات علمية عن حياة ذلك الإمام؟ أو إنشاء مؤسسة ثقافية للتعريف بسيرته وبث معارفه وعلومه؟

كم هائل من الأوقاف باسم الإمام الحسين لكنه لم يتأسس لحد الآن معهد أو مركز لدراسة حياته وثورته من تلك الأوقاف، وقد بادر الباحث المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي لتأسيس مركز للدراسات الحسينية في لندن، ووضع خطة لإصدار "دائرة المعارف الحسينية" من مئات المجلدات، وقد طبع منها فعلا نحو أربعين مجلدا، لكن هذا المركز لا يتوافر له أدنى الدعم المطلوب لتسيير عمله. فلماذا تنحصر استفادتنا من هذه الأوقاف ضمن الأساليب والتقاليد المألوفة فقط كبناء المساجد والحسينيات، وإقامة المجالس في المناسبات وتقديم الطعام بعنوانها؟

وإذا كانت هناك تحفظات عن مدى انطباق جهة الوقفية على الأنشطة المعرفية والثقافية، فإن مراجع الدين والفقهاء الفضلاء يمكنهم إفادتنا في معالجة هذه الإشكالية، بتبيين مدى اتساع جهة الوقفية، أو الإذن في صرف ما يزيد عن حاجة الجهة المخصصة للوقف، في دعم المشروعات الأخرى.

لقد أصاب تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2003م فيما خلص إليه من أن المعرفة تكاد تكون الفريضة الغائبة في أمة العرب الآن

العدد 917 - الخميس 10 مارس 2005م الموافق 29 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً