العدد 921 - الإثنين 14 مارس 2005م الموافق 03 صفر 1426هـ

وزارة الداخلية. .. هل من جديد؟

"التصعيد مقابل التبريد"!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لم ترتبط وزارة من وزارات الدولة بالجانب السلبي من العهد السابق بمثل ما ارتبطت به وزارة الداخلية، حتى غدت رمزا أسود للعهد الذي تعطلت فيه القوانين وانتهكت فيه حقوق الانسان في هذا البلد على نطاق واسع. ونظرا لإطلاق يد المخابرات في التجاوز على أمن المواطنين باسم "أمن الدولة"، تكاثرت السجون والمعتقلات، وفي العام 1980 كان لدينا في "جو" على سبيل المثال، مركز أمني واحد صغير، تحول إلى مجمع كبير للسجون خلال أقل من 15 عاما، يضم أربعة سجون منفصلة. وخلال فترة ازدهار السجون هذه، تقاطر عليها آلاف المواطنين، بعضهم قضى فيها شهورا وبعضهم قضى سنوات، والمحظوظ من لم تتجاوز مدة تعذيبه وإهانته أسابيع، حتى كانت العبارة المتداولة بين السجناء كلما لقي بعضهم بعضا: "وإن منكم إلا واردها"! إلى جانب آلاف آخرين عاشوا لاجئين في بقاع الأرض، من استراليا شرقا إلى كندا غربا والدول الاسكندنافية شمالا.

إطلاق يد المخابرات لعمل ما تريد في الفترة السابقة قاد إلى بروز ظواهر فساد وانتهاكات للقانون في هذه الوزارة التي من صلب مهمتها حفظ أمن الوطن والمواطن، من تملك الأراضي واستغلال البعض للتجار، مما قرأ الجميع قصصا عنه في صحفنا المحلية. ضريبة التعاطي الأمني البحت مع الحراك السياسي دفعت البلاد فاتورته عاليا: أرواح أربعين مواطنا بين شاب ورجل وامرأة وطفل رضيع أزهقت في فترة "الأحداث". وظلت هذه الوزارة عصية على التغيير حتى بعد طرح المشروع الإصلاحي الذي أخرج البلاد من عنق الزجاجة الأمني، وبسبب استمرار العقلية "الأمنية" ذاتها، دفع محمد جمعة روحه ثمنا لذلك، واحتاجت الوزارة إلى هزة من الحجم الثقيل، وذلك بضرب مسيرة سلمية لمناصرة الشعبين العراقي والفلسطيني، كان يتقدمها علماء الدين، يوم الجمعة 22 مايو ،2004 ما سبب هزة في ضمير الشعب، واستدعت "ضربة معلم" حتى تصحح مسارها وتهدأ، حتى قبل أن يأوي الناس إلى مضاجعهم ذلك المساء لفداحة ما صنعت في ذلك اليوم الأغبر.

ومنذ ذلك الوقت والوزارة تعتبر "الثرمومتر" الذي تقاس به درجة حرارة السلطة في تعاطيها مع التطورات والوقائع السياسية التي تمر بها بلاد تعج بالمشكلات المتراكمة، وتعاني من تباطؤ في البحث عن الحلول.

فوق ذلك أصبح أداء هذه الوزارة تحت المجهر، فالناس على درجة شديدة من الحساسية تجاه أداء هذه الوزارة بحكم الميراث الثقيل الذي أوجد نوعا من القطيعة النفسية والنفور. وبالتالي أصبح الناس يأملون ألا يتكرر أي خطأ مهما كان صغيرا في عهد الوزير الجديد.

صدمة "حملة المانشيتات"

في بداية التغيير الوزاري، وقبل أن يطرح الوزير برنامج عمله، شرع البعض في تدبيج مقالات الثناء وسوق آيات المديح، وهي طريقة لا نستحسنها لأنها أشبه بشراء ملابس لمولود لا تعرف جنسه ذكرا أم أنثى، وهو ما يزال جنينا. فضلا عن ذلك ان مثل هذه الكتابات تخلق هالة لا تقوم على أساس واقعي من الاختبار.

على أن الوزارة مرت بعدد من الاختبارات في ظرف الشهور العشرة الماضية، بعضها رسم صورة إيجابية للأداء، من ذلك تعاطيها الحضاري مع المسيرات اللاحقة وعدم المبادرة إلى استخدام الهراوات ومسيلات الدموع مع المواطنين، ومنها تنظيم دورات للكوادر الأمنية بشأن احترام حقوق الانسان.

في الجانب الآخر كانت هناك بعض المآخذ على الوزارة، في مقدمتها "حملة يوم الاثنين" الماضي، وما رافقه من "تصعيد" غير متوقع في "مانشيتات" الصحف، وإثارة موضوع كان نائما، يراوح في منطقة الأخذ والرد على مستوى الشارع والمعنيين بقضايا موسم عاشوراء، مع الميل الواضح للمعالجة الهادئة. مانشيتات الاثنين أعادت إلى أذهان الناس مانشيتات صحافة التسعينات، بل والثمانينات، يوم كانت الحرب العراقية الايرانية الطويلة تلقي بظلالها على الساحة المحلية.

الخطأ الأكبر الذي وقعت فيه الوزارة هو انها اتخذت موقفا من السهل اتهامها فيه بأنها "تخون" نصف شعب البحرين على الأقل، وتتهمه في وطنيته. وهو أمر مرفوض جملة وتفصيلا، سواء كان من وزير أو صحافي متحامل مشحون أو نائب في البرلمان أو خطيب مسجد يدعو للتضييق على حريات الآخرين الدينية التي يكفلها لهم القانون والدستور.

إلى جانب ذلك، كانت مانشيتات التصعيد صدمة لمن عاش ويعيش موسم عاشوراء كل عام، صدمة على مختلف المستويات: من حيث توقيتها، ومن حيث مضمونها، ومن حيث مدلولاتها.

ولكوننا ممن يتابعون الموسم ويقومون بتغطيته عن قرب، لتسمح لنا الداخلية بتقديم رواية أخرى مخالفة لروايتها. وهي خلاصة اتصالات بالكثير من المعارف والأصدقاء والمسئولين في هذه المآتم وليست رواية شخصية. فهذا الموسم لم يشهد تصعيدا سياسيا على الإطلاق، بل هناك ميل واضح نحو التهدئة، حتى على مستوى الصور، شهدت انحسارا كبيرا مقارنة بما شهدناه في الأعوام السابقة. نقول ذلك من باب تقديم الشهادة وليس من باب التبرير لواقع ما زال يدور بشأنه الكثير من الأخذ والرد على مستوى الشارع، ولنا رأي متحفظ على الكثير مما يجري فيه.

كان بإمكان الداخلية الاجتماع مع المعنيين بهذه المواكب وبحث الأمور بهدوء، بدل تصوير حالات فردية وكأنها جهات و"منظمات" تتلقى أوامر من الخارج، وتضخيم الأمور وكأنه تدخل أجنبي، ما يعطي انطباعا للعالم الخارجي انطباعا بوجود واقع أمني مهتز، البلد في أمس الحاجة إلى محوه من الأذهان، والوزارة بحاجة إلى أن تقنع الناس بأنها لم تعد تلك الوزارة التي تسجن أبناءهم وتقتحم بيوتهم وتبعثر ممتلكاتهم وتهين نساءهم. فهل لهذا المطمح الجماهيري المشروع من اعتبار على أجندة وزارة الداخلية في عهدها الجديد؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 921 - الإثنين 14 مارس 2005م الموافق 03 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً