العدد 925 - الجمعة 18 مارس 2005م الموافق 07 صفر 1426هـ

البطالة... حركة مقصودة!

مازلت اذكر أولئك الطلاب السبعة الذين احاطوا بدرج المدرس في شكل نصف حلقي بمدرسة الهداية الخليفية، سبع سنين مرت على ذلك وكأنها بالأمس "تحديدا في شهر مايو/ آذار العام 1998م"، حين راح الأستاذ في احد الأيام التي كان فيها الصف شبه خال من التلاميذ، يحدثهم عن بحرين الماضي والحاضر والمستقبل، كان الحوار يدور حول الاضطرابات التي شهدتها البحرين وما ترتب أو سيترتب عليها بالنسبة إلى نظرة الحكومة إلى الشعب، وما إذا كانت تلك الاضطرابات بادرة خير لفتح صفحة من التلاحم بين القاعدة والقمة "الشعب والنظام" فحاشى أن تسمو دولة على المستوى الخارجي إذا ما كانت تعاني شرخا بين قطبي المعادلة.

ثم تحول حديثنا في محل غير بعيد، إلى سوق العمل واستشراف المستقبل، فأبدى معظمنا تشوقه لدخول الصرح الجامعي العريق الذي طالما سمعنا عنه وعن نشاطات الطلاب فيه. وكأنه بذلك يهيئ الفرد نظريا وعمليا للدخول في معترك الحياة، نعم، مازلت اتذكر ذلك اليوم الذي قال لي فيه استاذي المرحوم عيسى العبدان: انت طالب مجتهد ومنظم والأهم من ذلك انك ذو خلق وهذه العناصر عندما تتجمع في انسان تخلق له منظومة التفوق، وعليه اتوقع لك مستقبلا مميزا، كانت كلماته امام بعض زملائي واصدقائي بمثابة وسام أفخر به وخصوصا أن هذه الكلمات صعبة الخروج من فم المرحوم، ومرت الأيام فإذا بنا نتمشى في فناء الجامعة بين تسجيل وحذف وإضافة مواد أو ختم جدول وحضور مقرر معين.

كنا نعاني بادئ الأمر من مسألة الرسوم الجامعية، وكنا نراها حكما تعسفيا، وقد مرت علينا فترات خانقة فكرنا فيها في ترك الدراسة إذ ليس من المعقول أن ندفع للفصل الواحد 600 دينار بمقدار 120 دينارا للمادة الواحدة، في حين أن معاشات آبائنا لا تتجاوز 200 دينار؟!

ثم جاءت مكرمة ملكية من صاحب الجلالة ملك البلاد المفدى حمد بن عيسى آل خليفة، وهو اهل لمثل هذه المكرمات السامية التي تدل على نبل صاحبها وحرصه على شعبه ورفعة مملكته، عندها فقط رسم ابتسامة الأمل على شفاهنا فأكملنا دراستنا الجامعية بسلام.

وعندما تخرجنا كنا على ثقة بأننا سنلقى توظيفا سريعا ومناسبا لمؤهلاتنا الدراسية - لنقل الراقية مجازا - على اعتبار أنها جامعية وفي كلية مرموقة مقارنة بغيرها من كليات الجامعة، غير أن الواقع المعاش في مملكتنا سرعان ما صدمنا وفتح أعيننا على حقيقة مرة، فكلما قدمنا اوراقنا في وزاراة من وزرات المملكة أو مؤسسة من مؤسساتها العامة والخاصة، تلقينا رسالة اعتذار عن عدم وجود شواغر حتى خصصنا لهذه الرسائل صندوقا كارتونيا صغيرا لجمعها علنا نستفيد منها مستقبلا في شيء ما، وكأن بذلك نفدت الوظائف من أرض المملكة، وهذه الطامة المؤلمة تكاد تقول للمسئولين اغلقوا ابواب المدارس والجامعات إذ إنه من الحرام تعذيب الطلاب بالقراءة والكتابة وكثير الأنشطة. هذا عدا أم المصائب الامتحانات وما تتطلبه من الضغط على النفس والسهر والنتيجة الجلوس في البيت لغسل وشطف الأواني. أتذكر هنا موقفا يكون محل الشاهد الحي، قبل شهرين أو ثلاثة ذهبت لوزارة التربية أقدم أوراقي وهناك التقيت مصادفة احد زملائي كان موجودا هناك للغرض نفسه، فقيل لنا: لا توجد شواغر البتة فاقفلنا راجعين من دون جدوى، وبعد مرور اسبوعين لا اكثر التقيت أحد الأصدقاء مصادفة في الجامعة فأخبرني أن فلانا "الزميل الذي التقيته في الوزارة" قد توظف فيها "وزارة التربية"، علما أن تخصصه اعلام وعلاقات عامة وسياحة بينما تخصصي اعلام وعلاقات عامة وتاريخ. هذا عدا أن معدله الذي لا يتجاوز "2,5" مقابل معدلي البالغ "3,09"! وهنا لا يسعنا سوى مناشدة العاهل المفدى وسمو رئيس الوزراء وكل مسئول شريف وغيور على مصلحة المملكة أن ينظر لمسألة عطالتنا فقد مر على تخرجي عام ومازلت اقبع بين جدران المنزل ومازال والدي الذي ناهز 67 عاما يكدح في اشق الأعمال لتوفير كرامة العيش لي ولإخوتي الذين مازالوا يدرسون جميعهم... أين الرفق بالشيوخ الذي تعلمناه في مراحلنا الدراسية؟ بل أين كرامة العيش وضرورة العمل وما جاء في الميثاق والدستور؟ مازلت عاطلا ومازالت رسائل الاعذار تتوالى على صندوقي الكرتوني الصغير حتى بت أعتقد أن قضية البطالة هي حركة مقصودة.

بدر عيسى الحاج

العدد 925 - الجمعة 18 مارس 2005م الموافق 07 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً