العدد 929 - الثلثاء 22 مارس 2005م الموافق 11 صفر 1426هـ

آراء في الاحتلال الأميركي

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

سنة ثانية مرت على الاحتلال العسكري الأميركي للعراق ولاتزال واشنطن تعاند الوقائع وترسل يوميا إشارات متعارضة بشأن حقيقة الدوافع والأهداف التي رسمت خطة الحرب. هذه الإشارات المتعارضة أسهمت في تشويش المواقف العربية والإسلامية عموما وأعطت صفات حاولت تجميل السياسة الأميركية في المنطقة.

مرت سنة ثانية والمواقف العربية من مسألة الاحتلال لاتزال على حالها، فهي كعادتها منقسمة إلى سلسلة تفسيرات غير متفقة على جوهر الاستراتيجية الأميركية. فهناك من يرى أن الاحتلال أسفر عن تداعيات جيدة منها إسقاط نظام الاستبداد وإعطاء فرصة للشعب العراقي بالتوجه نحو صناديق الاقتراع. وهناك من يرى أن الاحتلال سيئ ولكنه اضطر إلى تقديم تنازلات لاحتواء عناصر المقاومة والممانعة التي تولدت ضده فسارع إلى تجميع قواته وتسليم بعض صلاحياته لحكومة معينة، وأخيرا وافق على إجراء انتخابات تشريعية قد تسعف في إنهاء الاحتلال بعد فترة. وهناك من يرى أن النتائج السياسية التي أسفر عنها الاحتلال كانت جيدة عموما ولكن كلفتها البشرية والاقتصادية والاجتماعية والوطنية جاءت في معظمها مرتفعة الثمن وربما تؤدي إلى تحطيم الدولة وتفكيك نسيجها الاجتماعي وتعطيل إمكانات نمو ديمقراطية حقيقية وغير طائفية.

هذه المواقف لا تلخص الانقسامات التي أحدثها الاحتلال. فهناك إلى جانبها مواقف أخرى مضادة للحرب من أساسها وترى فيها شرا مطلقا لأن أهداف الاحتلال الحقيقية لا صلة لها بكل ما أسفرت عنه النتائج السياسية.

إلا أن الجبهة المضادة للحرب غير متفقة. فهناك فريق ضد الحرب على العراق لأنه يناصر نظام الحكم ويميل إلى دعم الاستبداد. والفريق نفسه الذي يرفض الحرب حبا بالنظام لا يتردد في دعمها إذا حصلت ضد دولة عربية أو مسلمة مجاورة للعراق. فالفريق المذكور ليس ضد السياسة الأميركية واستراتيجية واشنطن التقويضية. هو ضدها لأنها استهدفت نظام العراق فقط ويعترض عليها لهذا السبب ولكنه على استعداد لدعم الولايات المتحدة في حال قررت الحرب على دولة عربية أو مسلمة. فهذا الفريق عمليا ليس ضد أميركا في المبدأ، لأن هذا النوع من التفكير يعني ضمنا أن أصحابه هم مع الولايات المتحدة وخططها واستراتيجيتها ويخالفونها فقط في نقطة واحدة "إسقاط نظام صدام" ويناصرونها في خططها الأخرى التي تستهدف بعض دول جوار العراق.

يبقى إذا الفريق الأخير ويمثله أصحاب نهج يعترضون جملة وتفصيلا على الاستراتيجية الأميركية في المبدأ والممارسة ويجدون في تلك السياسة التقويضية بداية دمار شامل لاستقرار المنطقة تستهدف في النهاية تحت شعارات براقة ومسميات شتى ضمان أمن "إسرائيل" وتأمين النفط وإعادة تشكيل خريطة "الشرق الأوسط" وإضعاف الدول المركزية فيها وتقوية الدول الضعيفة على حساب الدول الإقليمية.

إلا أن الفريق الأخير غير موحد في قراءة النتائج التي أسفر عنها الاحتلال. فهناك فئة ترى أن الطموح الأميركي توقف في بلاد الرافدين وأن الولايات المتحدة تورطت في حرب استنزاف لا تقوى على الخروج منها وتطلب المساعدة من دول الجوار لمساعدتها في إنقاذها من تلك الكارثة التي سقطت بها... إلى آخره من تحليلات.

إلى جانب هذه الفئة المضادة للحرب هناك فئة تقرأ الورطة الأميركية في سياق مختلف. وملخص رأي هذه الفئة أن الحرب على العراق ليست نهاية استراتيجية واشنطن وإنما هي بداية لسلسلة حروب خططت لها وتريد تنفيذها مهما كانت كلفة نتائجها السياسية. ورأي الفئة الأخيرة من هذه السلسلة يميز بين مسألتين: الخروج من المأزق أو الانسحاب من العراق عسكريا.

الخروج من المأزق برأي هذه الفئة لا يعني الانسحاب العسكري من العراق بل ربما توسيع ذاك الانتشار ضد دول الجوار من طريق الضرب من بعيد وليس الاحتلال المباشر كما حصل في بلاد الرافدين. فالموضوع برأي هذه الفئة أكبر من تلك الدائرة، وهناك احتمالات كثيرة لتوسيعها عن طريق زعزعة الاستقرار الأمني والتهديد السياسي والضغط على دول الجوار وإرهابها لتمرير ذاك المشروع التقويضي.

مرت سنة ثانية على الاحتلال وحتى الآن لاتزال الدول العربية غير متفقة على قراءة موحدة للسياسة الأميركية. والاختلاف في القراءة يفسر الكثير من الاضطراب العربي، وهذا ما تريده واشنطن من إشاراتها المتعارضة التي تصر على إرسالها يوميا لتضليل الدول المعنية بالأمر مباشرة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 929 - الثلثاء 22 مارس 2005م الموافق 11 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً