العدد 937 - الأربعاء 30 مارس 2005م الموافق 19 صفر 1426هـ

كلمة حق يراد بها باطل!

أحمد البوسطة comments [at] alwasatnews.com

لا يعرف على وجه الدقة ما المقصود بترديد متعمد على مسيرة سترة التي جرت بحضارية وطنية تحت شعار: "الإصلاح الدستوري أولا"، ونعتها بـ "مسيرة الوفاق" الدستورية، أو مسيرة "الشيعة" الدستورية، وكأن المسائل الدستورية خاصة بطائفة دون غيرها، وما إلى ذلك من ألفاظ يعجز العقل عن هضمها أو استيعابها ضمن تقسيم فئوي من شطط الخيال، يراد منه أن يكون الفرد بين اثنتين؛ هكذا: "إما موال أو معاد"! على رغم أن الدعوة لهذه المسيرة من مقررات الأمانة العامة للمؤتمر الدستوري التي خرجت من رحمه بمكوناتها المعروفة للقاصي والداني، من حركات معارضة رئيسية ومن مستقلين مهتمين وفاعلين في الشأن العام وعلى رأسها المحامية المرموقة جليلة السيد، والناشط المعروف عزيز أبل، وكذا الناشط المهندس سعيد العسبول وآخرون من مختلف أطياف العمل السياسي في البلاد؛ أي من تجمع يضم الإسلامي والعلماني واليساري والقومي. والمعارضة هنا تعني بأسمى معانيها: "الاختلاف في الرأي"، وليست كما يرددها البعض مثل الببغاء في قوالب جاهزة تذكرنا بقانون أمن الدولة، ويصنفها تارة بـ "الوفاقية" وتارة بـ "الشيعية"، وأخرى بـ "التطرف والتجييش لقلب نظام الحكم".

وهؤلاء جميعا، سواء كانوا صائبين أو على خطأ في موضوع المشاركة بالانتخابات التشريعية في أكتوبر/ تشرين الأول ،2002 لم يتقدموا بمرشحين لهذه الانتخابات، وذلك لما يعتبرونه نتيجة "الأزمة الدستورية" موضوع الخلاف يتحركون من "خارج قبة البرلمان"، وثمة من شارك في الانتخابات يعتقد بالتوجه نفسه داخل قبة البرلمان لتصحيحها، والمطالبات بتعديلات دستورية مجزية من أجل سلطة تشريعية رقابية منتخبة كاملة الصلاحيات ليست حكرا على المقاطع أو المشارك للانتخابات. غير أن الداعين لمسيرة سترة الدستورية استطاعوا حشد الألوف من المشاركين، عقدوا من أجل ذلك مؤتمرين دستوريين في فبراير/ شباط العام الماضي وهذا العام، تدارسوا فيهما السبل الكفيلة لتحركهما السلمي الديمقراطي لتصويب ما يرونه خطأ، وكانت من جملة القرارات كتابة العرائض لمناشدة جلالة الملك حفظه الله، مع ضرورة الاستمرار في الحوار مع الحكم والتحرك في إطار حرية الرأي والتعبير المتاحة على المستويين المحلي والخارجي للخروج من هذه الأزمة الدستورية.

يبدو أن أهم شيء حققه الانفتاح خلال السنوات القليلة الأخيرة، تمثل في ظهور مفردات جديدة في القاموس السياسي وقبول الجانب الرسمي التعاطي معها باختياره الديمقراطية منهجا في قول ما نشاء وقت ما نشاء، وإن فعلت الحكومة ما تشاء، في مقابل ذلك وهذه حسنة انفتاحية تمثلت في قدرة المعارضة البحرينية باختلاف تلاوينها، على تغيير السلوك السياسي إلى الأحسن، والذي على أساسه سيتم تغيير مجرى حياتنا بخيارات ديمقراطية سلمية، على رغم اصطدام هذا السلوك بـ "ثقافة محنطة" تعيش غالبا على تمشيط وإلغاء الآخر ضمن مقاسات نجد من يروج لها في كل شاردة وواردة لخدمة توجه لا يعرف عنه شيئا، أو أن يسكت عن كل شيء آخر يعرفه، وهذه الثقافة "المحنطة" للأسف مصدر إزعاج وخطورة، ليس للمعارضة السلمية فحسب، بل للمشروع الإصلاحي برمته.

ما يلاحظ، انه في أي وقت نتعامل فيه مع حدث ما، ننغمس في القلق وفي تجاذب كلامي، وأحيانا تراشق بالكلمات ويتحول الرأي المختلف إلى عدو ومخرب، مرة للمشروع الإصلاحي، ومرة أخرى للاقتصاد الوطني، ويبالغ الآخر في تصرفاته، أو يضخم من الأمور، وسوء النية دائما سيد الموقف بنتائجها المعروفة سلفا. وما دام الأمر كذلك من دون تغيير لسلوك متبادل، أو ممارسة حقيقية لكل ما يطرح بوعي الطليعة، وليس بعفوية الناس والمواقف الارتجالية للفعل وردة الفعل، فإن الفجوة تتسع باستمرار، فلا تنفع فيها عندئذ لا المحاضرات ولا التهديدات؛ بل تكبر فيها الضغينة والمواجهات واستخداماتها اللاأخلاقية من هذا الطرف أو ذاك.

سيخرج علينا بعد أيام من سيدافع عن مشروع بقانون جديد تحت مسمى "مكافحة الإرهاب"، أرسل إلى مجلسي النواب والشورى حديثا لدراسته بشكل مستعجل لإقراره، على رغم ما يحتوي من خطورة لسلسلة من عقوبات الإعدام والمؤبد لمسائل خارجة عن مفاهيم الإرهاب الذي نمقته، وذلك بحجة تسيير مسيرات، والطازج منها مسيرة سترة التي ستكون شماعة حديث المدافعين عن ضرورة إقراره لتلقين المخالفين درسا، لأنهم تعرضوا لدستور البلاد، فعندما يستحث قانون في عهد الإصلاح والديمقراطية، "يضع عقوبة الإعدام والمؤبد لأي شخص يقود أية جهة تدعو لتعطيل أحكام الدستور، أو الإعدام لمن يفعل فعلا يضر بالمصلحة الوطنية" في عهد الانفتاح والديمقراطية، ويجد من يدافع عنه داخل السلطة التشريعية، فإننا قاب قوسين أو أدنى من الهلاك؛ فنصوص الدستور ليست قرآنية، فهي من صنع البشر ومعرضة للنقد والانتقاد في إطار حرية الرأي والتعبير التي كفلتها النصوص الدستورية ذاتها، وكذا فإن "الإضرار بالمصلحة الوطنية" جملة مطاطية تكيف بمزاج صاحب القرار، تماما كما كان التفكير القروسطي عندنا يصنف بعض الكتب التي يقرأها الناس بـ "الهدامة أو البناءة" بحسب مزاجه، والأدهى: يعاقبهم بالسجن؛ لأنهم يقرأون!

إذا ما أقر المجلس الوطني هذا المشروع بقانون "مكافحة الإرهاب" وبالصيغة الخطيرة التي هي عليه الآن وما يكتنفه من تكميم للأفواه بالقوة المفرطة، فإن السلطة التنفيذية والقضائية "ستمسك بيد المعارضة السلمية من جهة وبرقبتها من جهة أخرى، وبعد ذاك ستهددها بقطع أحدهما ثمنا لترك الأخرى".

ودائما يقال: "ليس الصمت مطلوبا في كل الأحوال، ولا مرفوضا في كل الأحوال، فهو أحيانا واجب، وأحيانا أخرى من أكبر الجرائم. إن الظروف الموضوعية هي التي تحكم إن كان الصمت من الألماس والذهب، أم من الزنك والتنك"، كما جاء في حكمة بـكتاب "طرق مختصرة إلى المجد" للسيد هادي المدرسي. "ص 255"

وما يجري في البحرين حاليا يحتاج إلى فرملة وتعقل من كل الأطراف لممارسة الديمقراطية الحقيقية، التي منها الداء والدواء، معالجة مشكلات الديمقراطية بالديمقراطية، والديمقراطية دائما أفضل الأسوأ، وما نشمه من روائح كريهة يستدعي اليقظة ليس إلا

العدد 937 - الأربعاء 30 مارس 2005م الموافق 19 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً