العدد 2890 - الأربعاء 04 أغسطس 2010م الموافق 22 شعبان 1431هـ

حول تعليق خدمات هواتف «بلاكبيري» في الخليج (2 – 2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أول ما ينبغي التوقف عنده فيما يتعلق بقضية ما أقدمت عليه دولة الإمارات بحجب خدمات هواتف البلاكبيري هو موقف الولايات المتحدة الأميركية عندما طالبت هذه الأخيرة، وعلى لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية «بي جيه كرولي»، الإمارات بتزويدها «بمعلومات إضافية بشأن مخاوفها الأمنية»، لأنهم - أي الأميركان - «ملتزمون بتعزيز التدفق الحر للمعلومات... (لأنهم يعتقدون) أن ذلك مكمل لاقتصاد مبتكر،... وبأن الأمر يتعلق بما (يرونه) أنه عنصر مهم من عناصر الديمقراطية، وهو حقوق الإنسان وحريته في تداول المعلومات وتدفق المعلومات في القرن 21». حقيقة الأمر هو أن آخر من يحق له الحديث عن مثل الحقوق اليوم هي واشنطن، التي لم تتردد، وتحت طائلة الحرب على ما اعتبرته شكلاً من أشكال الإرهاب الدولي، في انتهاك حرمة خصوصيات زوارها عند وصولهم إلى مطاراتها، مصادرة بذلك أبسط حقوق الإنسان في حفاظه على سرية أعضاء جسده، وعززت ذلك بممارسة ضغوط شديدة على دولة مثل سويسرا كي تكسر سرية معلومات الأموال المودعة في مصارفها. إن قائمة انتهاكات الولايات المتحدة لتلك الحقوق التي تطالب الآخرين التمسك بها طويلة. ولربما اختلف موقف الولايات المتحدة، فيما لو كانت الشركة المزودة للخدمة أميركية، وليست كندية، كما هو الحال مع «ريسيرش إن موتشن» (RIM). ولعل في رد سفير دولة الإمارات العربية المتحدة لدى واشنطن يوسف العتيبة، على التصريحات فيه الكثير من الموضوعية وعلى درجة عالية من الحق حيث قال «إن التصريحات المنشورة اليوم على لسان وزارة الخارجية الأميركية حول إعلان دولة الإمارات إيقاف خدمات معينة لهواتف بلاك بيري قد جاءت مخيبة للآمال ومتناقضة مع النهج الذي تتبعه الحكومة الأميركية إزاء تنظيم قطاع الاتصالات في الولايات المتحدة».

ثاني ما يثيره الإجراء الإماراتي هو طبيعة الخدمات التي توفرها شركة «ريم»، والتي أدت إلى تفجير خلافات بينها وبين العديد من الدول، ومن بينها الإمارات المتحدة. تقوم تلك الخدمات على عنصر أساسي، هو تخزين المعلومات (صوتية كانت أم مرئية أم نصية) على خوادم خاصة تملكها الشركة الكندية، ولا يعرف، إلا من تسمح له الشركة، بالإطلاع على مكان استضافتها الذي ليس بالضرورة في كندا ذاتها. مثل هذا الحجب المهني، يجري تطبيقه بالطبع، حتى على الشركات المحلية التي توفر تلك الخدمات، التي تتحول، لحظة توفيرها الخدمة لزبائنها، إلى مجرد قناة اتصال، دون أن تكون لها القدرة على الإطلاع على محتوى أو مكونات تلك الخدمات، أو حتى تخزينها على خوادمها الخاصة بها، نظراً لدرجة التشفير العالية والمعقدة التي تتبعها تلك الشركة في حماية خوادمها هي. عمليات التشفير هذه، والتي هي نظام متداخل من الأجهزة والمعدات والتشبيك المتكامل مع مجموعة من حيطان النيران والبرمجيات، بالإضافة إلى سرية أماكن استضافة تلك الخوادم، يضع حواجز قوية في حال رغبة الدولة المعنية تتبع مجموعة قامت بتنفيذ «عمل إرهابي»، مستفيدة من ذلك النظام، الذي ميز «ريم» عن سواها ممن يقدمون خدمات مشابهة لكن ليست بمثل ذلك التعقيد الفني، الذي وكما كشف عنه بيان أصدرته الشركة ذاتها، إثر اندلاع خلافها مع هيئة تنظيم قطاع الاتصالات في الإمارات قالت فيه «إن تعقيدات تقنية قد تجعل الاتفاق صعباً مع دول الخليج على سبل تكييف الخدمة، بدلاً من وقفها، إذ إن شبكة بلاك بيري صممت بطريقة تمنع أياً كان، بمن فيهم الشركة المصنعة نفسها، من الوصول إلى بيانات العميل المتداولة، التي تتحول إلى معلومات مشفرة من اللحظة التي يتم إرسالها فيها خارج الجهاز. مضيفةً أنه بكل بساطة «ريم» غير قادرة على تلبية رغبة أي جهة تطلب وسيلة أو «مفتاحاً» يمكنها من فك الرموز والبيانات المشفرة؛ لأنها «لا تمتلك هذا المفتاح أصلاً».

ثالث تلك القضايا يأخذ بعداً قانونياً، فقد نقلت النسخة العربية من مجلة بيزنيس.كوم، عن مدير مكتبة المحامي الاستشساري «برو كونسلت» في دبي طوني معلولي قوله إن من حق من «يمتد عقدهم إلى أبعد من تاريخ 11 أكتوبر/ تشرين الأول، الحصول على تعويض لخسارة هذه الخدمات التي كانت على الأرجح سبباً رئيسياً في اشتراكهم بالباقة الخاصة بهواتف بلاك بيري، كما يحق لهم التوقف عن تسديد الرسوم الشهرية الخاصة بهذه الهواتف فضلاً عن استحقاقهم لتعويض عن ذلك». لاشك أن هذه الاستشارة ماتزال في طور الاجتهاد، ويصعب التكهن بمدى أهليتها للتنفيذ، لكنها تثير مسألة قانونية تزيد القضية تعقيداً. ففي حال الاحتكام إلى قانون ترى وفق أي قانون سيتم تصفية حسابات المختلفين؟ فمن المعروف أن خدمات «ريم» ذات طابع دولي، بغض النظر عن مكان الاستفادة من الخدمة. وفي دولة مثل الإمارات المتحدة، حيث يشكل الأجانب القاطنون فيها ما يزيد على 80 في المئة من عدد السكان، تصبح مسألة فض الخلافات، وعلى أسس قانونية مشكلة شائكة، إن لم تكن مستحيلة.

رابع هذه المسائل التي تثيرها خلافات خدمات بلاكبيري تتعلق بسيادة الدولة التي ينعم فيها حاملو الهواتف بالخدمات المرفقة بها، وهو ما أشار إليه السفير الإماراتي العتيبة حين اعتبر، في رده على التصريحات الرسمية الأميركية أن «القرار قرار سيادي لدولة الإمارات التي تطالب بالالتزامات التنظيمية نفسها وبانتهاج نفس أسس الإشراف القضائي والتنظيمي التي تمنحها الشركة المشغلة لبلاك بيري للحكومة الأميركية والحكومات الأخرى لا أكثر ولا أقل». ولعل هذا يجعل دول العالم جميعها أمام مهمة إعادة النظر في الكثير من بنود قوانين التجارة الدولية، بما فيها تلك التي تنظم العلاقات بين الدول مثل اتفاقيات التجارة الدولية الحرة، التي تروج لها واشنطن، وتحاول الضغط على الدول الصغيرة من أجل الإسراع في التوقيع عليها.

المسألة الخامسة والأخيرة، التي أثارها ذلك الحجب، هي، كما يقول المثل «مصائب قوم عند قوم فوائد»، فما إن أعلنت هيئة تنظيم قطاع الاتصالات في الإمارات، وتلتها السعودية، عن عزمها حجب تلك الخدمات، حتى تراجعت أسعار أجهزة بلاكبيري حوالي 20 في المئة من أسعارها الاعتيادية، ومقابل ذلك ارتفعت بحوالي النسبة ذاتها هواتف ماركات أخرى مثل «آي فون»، و«سامسونغ».

بقي أن نعرف أن هناك ما يتراوح بين مليون ونصف ومليوني مستخدم يحملون أجهزة بلاكبيري في دول مجلس التعاون، منهم حوالي 700 ألف في السعودية، و500 ألف في دولة الإمارات ذاتها، والباقون يتوزعون على الدول الأخرى، وهي البحرين، وقطر، ودولة الكويت، وسلطنة عمان.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2890 - الأربعاء 04 أغسطس 2010م الموافق 22 شعبان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 2:09 ص

      هذا هو الحل؟؟

      قريباً سيعود البلاك بيري في دولة الامارات عندما تستوعب أنه ليس الحل المثالي لهذه المشلكة :)
      فجر الزلاقي

    • زائر 1 | 11:26 م

      ما بحدث لان المجتمع استهلاكي

      عند تكون هناك نشكله من هذا النوع دليل على ان عدم التطور الحضاري والابداع وقف المستهلك يعجز عما يصيبه من قرار يؤثر على خسارته ....مع تحيات Nadal Ahmed

اقرأ ايضاً