العدد 2894 - الأحد 08 أغسطس 2010م الموافق 27 شعبان 1431هـ

«آي باد» وثلاث عيون

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من كان يتابع حركة الإبداع العربية في السبعينيات من القرن الماضي، لابد وأن قرأ رواية الكاتب المصري إحسان عبدالقدوس «أنف وثلاث عيون، الذي تحول إلى فيلم أخرجه حسين كمال، وتقاسم بطولته الفنانون الأربعة: ماجدة، ومحمود ياسين ونجلاء فتحي، وميرفت أمين، الذي اعتبر حينها من أفلام الدراما الجريئة التي سلطت المزيد من الأضواء على الكثير من السلوكيات الاجتماعية التي بدأت تفرض نفسها على المجتمع العربي، الذي لم يزل حينها يعيش ذيول حرب يونيو/ حزيران 1967، وأثارت جدلاً واسعاً في صفوف المثقفين العرب ممن كانوا يراقبون تطور حركة الإنتاج الفني في المنطقة العربية.

لسبب ما طافت مشاهد من تلك الرواية، وذلك الفيلم بمخيلتي، حينما فتحت طرداً يحمل جهاز «آي باد» وقرأت ما جاء في بطاقة صغيرة، وناعمة كانت بطيه تقول «الخال العزيز، عيوننا تتطلع إلى استفادتك الحقيقية من هذه الهدية المتواضعة، التي نأمل أن تحقق بعضاً من تحولك نحو المجتمع اللاورقي، مع كل الحب من: دانه، زين ، ورملة».

قبل ذلك، كنت قد قرأت بعض ما كتب عن جهاز «آي باد» من أبل. وكنت قد قررت عدم اقتنائه لبعض ما أشارت له تلك التغطيات من وظائف تنقص ذلك الجهاز، من بين أهمها، إمكانية نقل الملفات، وخلوه من مقابس الذاكرة السريعة (USB Port)، واضطرار المستخدم إلى حفظ ملفاته على خوادم خارجية، وعدم إمكانية تحميل البرمجيات والتطبيقات إلا من خلال «آي تيونز» ومتجر التطبيقات المتصل به، ناهيك عن اضطرار مقتني الجهاز، إلى الاعتماد على لوحة المفاتيح التخيلية أو التقليدية فقط، دون أن يكون هناك أي مجال لاستخدام القلم الإلكتروني (Stylus).

لكن اليوم، وطالما إني قد حصلت على الجهاز، فلا مناص من محاولة الاستفادة القصوى منه، إن لم يكن من أجل أي شيء، فنزولاً عند رغبة «العيون الثلاث»: دانة، وزين، ورملة. قررت أن أجرب الجهاز، وبدأت أضع قدمي على أول طريق رحلة الاستخدام الحقيقي له، الذي لا أستطيع اليوم، وبعد عِشْرة ما يقارب الشهرين معه، أن أفارقه، ولا أملك إلا أن أعترف بالجدوى الحقيقية لاستخداماته المتعددة الأوجه، وأتوجه بالشكر للثلاث عيون (دانة، وزين، ورملة) التي أهدتني إياه.

إن النتيجة الأولى التي يستخلصها من يقتني هذا الجهاز، أنه أي الـ «آي باد» لا ينتمي، بأي شكل من الأشكال إلى فصيلة أجهزة الحواسيب المحمولة، بما فيها تلك التي تصنف تحت عائلة «الكتابة باللمس»، ( Tablet PC)، وبالتالي فمن الخطأ القاتل محاولة المقارنة بين الوظائف المتوفرة في كليهما، فكل منهما ينتمي إلى عائلة مختلفة من الحواسيب. ويبدو أن شركة «أبل»، توخت ذلك التمييز بوعي وبتعمد.

أما النتيجة الثانية، هي، رغم أن الجهاز يصل إلى مقتنيه مجرداً من أية تطبيقات، باستثناء المتصفح، وبرامج البريد الإلكتروني، لكن متجر الشركة يوفر آلاف التطبيقات التي تتوزع بين التسلية، والكتب والأفلام، كي تشمل تلك التي تلبي احتياجات الأعمال (Business)، وتساعد على رفع مستوى الإنتاجية (Productivity).

وما يميز تلك التطبيقات، هو رخص أثمانها التي يصل الكثير منها إلى ما هو دون الدولار الواحد. بالطبع هناك أيضاً تلك التي تبلغ أثمانها نحو 140.00 (مئة وأربعين) دولاراً أميركياً، لكن عددها لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة. هذه البرمجيات، متى ما عرف مستخدم الجهاز كيف يصل لها، ويحملها، تعالج الكثير من الثغرات التي يبدو «آي باد»، للوهلة الأولى، بحاجة إلى سدها.

وتأتي النتيجة الثالثة، كي تعين مقتني الجهاز على تلمس الاتجاه في صناعة تقنية المعلومات التي بدأت تغزو أسواق تلك الصناعة، وهي الانتقال من سطح المكتب المحدود بالمكان والزمان، إلى رحابة سطح طرق المعلومات السريعة (Information Super Highway)، بما فيها مزارع الخوادم العملاقة التي بحوزة مراكز تخزين المعلومات (Data warehouses )، اللامحدود زمنياً أو جغرافياً.

إن مثل هذه النقلة النوعية في المنتجات والخدمات، لابد لها من أن تنعكس على سلوك المستخدم، الذي سيبدأ في نقل ملفاته إلى الخوادم التي توفرها شركات مثل غوغل، وياهو ونظيراتهما.

هذه النقلة ليست شكلية، بل ستعزز من حضور الشبكات الاجتماعية في حياتنا، وستضاعف من أوجه اعتمادنا على الخدمات التي توفرها تلك الشبكات، من جهة، وستوسع من قنوات تبادل المعلومات تخيلياً، ومن ثم ستخلق أسواقاً جديدة لها، من جهة ثانية. ولعل أول المتأثرين بهذا الاتجاه في الصناعة، هم المنخرطون في صناعة الإعلام والوسائط المتعددة المرتبطة بتلك الصناعة.

هذه الاستنتاجات الإيجابية، على الرغم من أهميتها، لكنها لا تعني استمرار خلو هذا الجهاز من بعض النواقص المهمة التي ينبغي على شركة «أبل» أن تعيد النظر في عدم توفرها، مثل عدم القدرة على تصفح أكثر من نافذة في آنٍ واحد، رغم أن برنامج دو (Due)، يبيح فتح نافذتين متلازمتين في حصة التصفح ذاتها، لكن ذلك لا يكفي أيضاًَ.

هناك أيضاً محدودية استخدام اللغة العربية، رغم توفر لوحة مفاتيح تخيلية عربية، لكنها تعمل بشكل مستقل، وغير مرتبطة بأي من البرمجيات الأخرى، بما فيها «دوك تو غو» ( Doc To Go). أو حتى المتصفح «سفاري».

تبقى المحصلة النهائية هي أن من يعاشر «آي باد»، يتحول إلى مدمن عليه، ومعتمداً على خدماته، وإذا كان إحسان عبدالقدوس قد أراد لـ «أنفه» أن يشم رائحة التاريخ، وأن تتطلع «عيونه الثلاث»، نحو المستقبل، ففي ذلك تفسير لذلك الارتباط في ذهني بين ما كتبه إحسان، وما حملته الهدية، فأنفي كان التاريخ، والعيون الثلاث هن المستقبل، وإن كانت للتاريخ من أهمية، فهو نجاحه في أن يؤسس للمستقبل.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2894 - الأحد 08 أغسطس 2010م الموافق 27 شعبان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً