العدد 945 - الخميس 07 أبريل 2005م الموافق 27 صفر 1426هـ

محمد حسين فضل الله:

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

قال السيد محمد حسين فضل الله، إن أميركا لا تريد للتغيير أن يسلك القنوات الطبيعية في المنطقة، وانما تسعى إلى تلميع صور الكثير من المغامرين والمغمورين، لا على أساس ما يملكون من تمثيل شعبي بل من خلال موافقتهم المسبقة على دفتر الشروط التي وضعتها. وأشار إلى أن أميركا بكل وجوه إدارتها ومحافظيها الجدد هي أميركا المغامرة بمصائر الشعوب والعاملة على تشجيع النزعات الفوضوية، منبها الشعب اللبناني من الوقوع في لعبة الخداع أو الانسياق وراء العناوين التي يحملها الموفدون الأميركيون. جاء ذلك في معرض إجابته على سؤال في ندوته الأسبوعية بشأن التخاطب والحوار من زاوية إسلامية وبعض ما يصدر من خطاب انفعالي في لبنان والمنطقة. وهنا نعرض إجابته: ليس للخطاب الإنساني قداسة في ذاته، وإنما تنطلق القداسة من خلال المضمون، فليس في الإسلام تعبد في النظرة إلى مصطلحات التخاطب مع الآخرين، ولا تقديس للجمود على المصطلحات الموروثة، لأن الإسلام يحث على الاستفادة من الأساليب العصرية في التخاطب، وليس عندنا عقدة من مصطلحات الآخرين أو "المصطلحات الوافدة" مادامت لا تحمل مضمونا يتنافى مع قيمنا ومبادئنا. وثمة مسلمة يرتكز عليها الخطاب الإسلامي، وهي العقلانية، ونرى بأن مراحل التحدي تفرض التحلي أكثر بالموضوعية والعقلانية في الخطاب والابتعاد عن كل أنواع الخطابات الغرائزية والعاطفية التي تستثير الأحقاد والعداوات. وأن يكون الخطاب تبشيريا لا تنفيريا، فالله تعالى يقول: "قل لعبادي يقولوا التي هي أحسن"، والنبي "ص" يقول: "بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا". وكنا نسجل على بعض أساليب الخطاب الديني تلك اللغة الوعظية الاستعلائية لدى بعض الدعاة، بحيث يضع المستمعين في موقع الاتهام ليشعرهم بالخوف والرعب والتهاويل في مسألة العذاب يوم القيامة، وعدم استحضار آيات الرحمة والمحبة التي أراد الله لعباده في حركتهم الإنسانية. المشكلة في أن بعض الإسلاميين ورثوا خطابا تنفيريا إقصائيا عن حركات سياسية وأحزاب ومجموعات غير إسلامية، فعمدوا إلى تحريكه على أساس أنه خطاب إسلامي صرف والإسلام منه براء. وعملوا به من دون مراعاة لخصوصيات الآخرين... أو دراسة الخطاب القرآني المميز في جاذبيته الأسلوبية والقيمية، وفي تركيزه على أولوية الرحمة والمحبة للناس "نبىء عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم". كما أن القرآن أرشدنا إلى ضرورة الالتفات إلى مسألة انتقاء الكلمات وتخير أفضل الأساليب والمصطلحات البعيدة عن الاستفزاز والقريبة من وجدان الآخر وفطرته وعدم اختيار الكلمات التي من شأنها أن تشحن الأجواء وتخلق مناخات تحريضية واستفزازية قد تمهد للخلافات والفتن. لذلك كنا نؤكد وفي كل الظروف وعند المحطات الصعبة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا على الخطاب المتوازن الذي يقرب ولا يبعد. فالمسئولية تصبح مضاعفة على الذين يتحركون في المواقع القيادية عند انزلاقهم في متاهات الخطاب الطائفي والغرائزي والعشائري، وعليهم أن يرتفعوا بالخطاب إلى المستوى اللائق بمسئولياتهم وبمكانتهم وبما تفرضه عليهم خطورة المراحل والقضية الكبرى. ولا يعني ذلك بأن القاعدة لا تتحمل المسئولية أمام هذا الخطاب، بل إن عليها أن ترفض من خلال حسها الديني والوطني والقيمي كل خطابات الإثارة والانفعال التي تمهد للمشكلات والفتن، وأن لا تسلم للقادة بكل ما يقولون وأن لا تصفق على طريقة العقل الجمعي، بل من خلال وعيها لما يحمله الخطاب من مضمون سياسي وثقافي وديني يحاكي قضايا الأمة. إننا عندما نتابع بعض نماذج الخطاب وتجلياته في العالم العربي والإسلامي، وفي لبنان خصوصا، نشعر بالإشفاق على بعض ما تفرزه الطبقة السياسية عندنا من مواقف وتصريحات لا تتناسب مع الأهداف التي يتحدثون عنها، ولا مع ما تتطلبه القضية من صبر وأناة وتضحية. ونلاحظ أن هذا الخطاب يستغرق في العناوين الداخلية بعيدا عن كل ما يرسم على مستوى المنطقة، ويكون ذلك من خلال إمعان في التعمية أو عن عدم معرفة واسعة بالمشروع الأميركي الذي يتلمس الخطى في هذه الأيام للدخول على خط ما يسمونه الإصلاح والتغيير، لا على أساس الوصول إلى مصالح وطموحات شعوبنا، بل للدخول توا في المسار المرسوم أميركيا وإسرائيليا، لأن أميركا الإدارة لا تريد للتغيير أن يسلك القنوات الطبيعية في حركة شعوبنا نحو الإصلاح، بل تريد الدخول على الخط لتوجيه الأمور في نطاق ما تريده في الكسب الإعلامي والسياسي والأمني وحتى الاقتصادي في بلداننا. من هنا، فإن هناك سعيا أميركيا على مستوى المنطقة لتلميع صورة الكثير من المغامرين أو المغمورين، لا على أساس ما يملكون من إمكانات التمثيل الشعبي، بل من خلال موافقتهم المسبقة على دفتر الشروط التي وضعتها الإدارة الأميركية، بما يسهل لها الأوضاع لتوجيه الأمور في المسائل الاستراتيجية لحسابها وحساب "إسرائيل"، فتربح "إسرائيل" كتلا استيطانية وسياسية جديدة وتواصل أميركا مشروعها لجعل المنطقة بمثابة الكتلة الاستيطانية السياسية والاقتصادية التابعة لها مع بعض الفتات الذي توزعه على هذا المحور الأوروبي أو ذاك. إن أميركا اليوم بكل وجوه إدارتها ومحافظيها الجدد، هي أميركا المغامرة على المستوى الاستراتيجي والمقامرة بمصائر الشعوب والعاملة على تشجيع النزعات الفوضوية وأصحاب المشاريع العشوائية. ولذلك نحذر شعوبنا العربية والإسلامية، وخصوصا الشعب اللبناني من الوقوع في لعبة الخداع الأميركية أو الانسياق وراء العناوين البراقة التي يحملها الموفدون الأميركيون، لأننا قد نحصد المزيد من الخراب والانقسام والفوضى لمجرد الاستماع أكثر إلى توجهات هؤلاء. وعلى اللبنانيين أن يتذكروا أن أميركا أرسلت موفدا اسمه روبرت مورفي في العام 1958 للعمل على تعقيد الأمور أكثر من خلال تدخلها في الشئون اللبنانية الداخلية، ثم أرسلت ريتشارد مورفي العام 1988 ليبشر بالفوضى، وهي ترسل ساترفيلد وغيره في هذه الأيام ليس من أجل لبنان الحر والسيد والمستقل، بل من أجل إثارة الحساسيات الطائفية والمذهبية والتعقيدات السياسية التي تقود إلى التفكيك باسم دعم التغيير وإلى التجزئة باسم التوحيد. فيا أيها اللبنانيون، إن أميركا تريد إدخالكم مجددا في متاهات المشروع الإسرائيلي القائم على نشر الفوضى والاستقرار من حول فلسطين لتحريك مكامن الغرائز الطائفية بما يريح "إسرائيل"، فحذار من الوقوع مجددا في حبائل لعبتها المزدوجة، فقد لدغنا من جحرها ألف مرة وعلينا ألا نلدغ في التجربة الواحدة بعد الألف

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 945 - الخميس 07 أبريل 2005م الموافق 27 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً