العدد 946 - الجمعة 08 أبريل 2005م الموافق 28 صفر 1426هـ

تقرير التنمية الإنسانية أطلق "صرخة الحرية"

قال مسئول البرامج التنموية في برنامج الامم المتحدة الانمائي في المنامة، علي سلمان إن تقرير التنمية الانسانية الثالث في العالم العربي الذي صدر الاسبوع الماضي "أطلق صرخة الحرية التي تنادي بها المجتمعات العربية في أول تقرير من نوعه يصدر عن الامم المتحدة ويتطرق الى وضع الحريات العامة بشكل مباشر". وقال ان تقرير التنمية الانسانية "لم يعتم الارقام التي تتحدث عن الكمية في الصحة والتعليم ومعدل دخل الفرد، وانما نظر الى جانب المحتوى والمضمون وقارنه على أسس نوعية، والنتيجة تقترب من الحال المأسوية عندما نقارن وضع الحريات في مختلف انحاء العالم بما هو متوافر في البلدان العربية". وقال سلمان ان التقرير الصادر عن البرنامج الانمائي للامم المتحدة طرح "معالجة متعمقة لنقص الحرية والحكم الصالح في العالم العربي"، وهي القضية الاشد حضورا في المناقشة الدائرة داخل المنطقة وخارجها في الوقت الراهن. كما طرح التقرير "نواة فكرية تعين في صوغ مشروع النهضة عبر حفز مناقشة جدية حوله في البلدان العربية". وأشار الى ان الكثير من الناس قد "خلطوا بين تقرير التنمية البشرية وهذا التقرير الذي يعنى بالتنمية الانسانية". وشرح الفرق قائلا: "تقرير التنمية البشرية الذي صدر بصورة منفصلة يركز فقط على الارقام والاحصاءات بخصوص الصحة والتعليم والدخل، اما تقرير التنمية الانسانية فيذهب الى الجذور والمضمون الذي يحدد مستوى التنمية من كل جوانبه، وقد وجد خبراء الامم الامتحدة ان العالم العربي يعاني من نقص شديد في المعرفة وفي الحريات العامة وفي حقوق المرأة".


بعد تأخير في الإصدار بسبب معارضة عدد من الحكومات...

تقرير التنمية الإنسانية: الحريات ضائعة في العالم العربي

المنامة، عمان-أماني المسقطي، حسين دعسة

بعد شد وجذب، وبعد فترة غير قصيرة من التأخير، صدر يوم الثلثاء الماضي "5 ابريل/ نيسان الجاري" تقرير التنمية الإنسانية العربي الثالث. ولشدة اللغط، فان التقارير الصحافية خلطت بين تقرير التنمية البشرية الذي صدر قبل فترة وبين تقرير التنمية الإنسانية المتخصص في الدول العربية. وكان برنامج الأمم المتحدة الانمائي نفى في ديسمبر/ كانون الأول الماضي تعرضه لضغوط أميركية وعربية لوقف صدور التقرير "..." لأنه يتضمن انتقادات لاذعة للولايات المتحدة الأميركية والدول العربية. وعند الحديث بصورة غير رسمية مع مشاركين في إعداد التقرير الثالث، فانهم يقرون ويصرحون بأن عددا من الحكومات أثارت مخاوف وحاولت تعطيل التقرير. وكان بيان سابق لبرنامج الامم المتحدة الانمائي في نهاية العام الماضي أشار إلى أنه "بعد مناقشات إضافية سيكون برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قادرا على تقديم تفاصيل إضافية بشأن نشر تقرير التنمية الإنسانية عن الحريات والحكم في الدول العربية والذي دخل مراحله الأخيرة من الإعداد حاليا". من جانبها أيضا نفت الولايات المتحدة نهاية العام الماضي أنها هددت بقطع تمويل البرنامج بسبب التقرير أو أن تكون حتى اطلعت على مسودة له، لكن مسئولا أميركيا آخر اعترف بتلقي نسخة، بحسب ما نقلت إذاعة الـ "بي. بي. سي حينها". عالم الاجتماع المصري ورئيس الفريق المسئول عن إعداد التقرير السنوي نادر فرجاني كان قال: "الضغوط الأميركية دفعت البرنامج الإنمائي إلى إلغاء تقرير الحريات والحكم في العالم العربي لأنه أغضب الإدارة الأميركية في أجزاء منه تتعلق بالعراق والصراع الإسرائيلي الفلسطيني". وأضاف حينها "يبدو أن الضغوط التي تعرض لها البرنامج من قبل الحكومتين الأميركية والمصرية كان من الصعب احتمالها" مضيفا "أن مصر اعترضت على الأجزاء التي تدعو إلى حرية التعبير وحرية تشكيل الجمعيات والانضمام إليها في العالم العربي". ودعا فرجاني إلى إنشاء مركز مستقل للتنمية الإنسانية العربية يعبر فيه الكتاب والمفكرون عن توجهات المجتمع المدني العربي بحرية.


التنمية الإنسانية 2004

لقد كشف تقرير التنمية الإنسانية العربية 2004 عيون النقص في الحريات العامة وتخلف الإصلاح المدني، وعرى زيف حريات الرأي والفكر والتنظيم في الدساتير والقوانين العربية، وسعي السلطة "في البلاد العربية" إلى الهيمنة على مؤسسات المجتمع المدني عبر ثنائية الاحتواء والقمع. التقرير العربي الثالث للتنمية الإنسانية كشف الكثير من معاناة الإنسان العربي والمؤسسة العربية والواقع من نقص الحريات وسوء السلطة والادارة ومشروعات الإصلاح المزيفة. ويطرح التقرير معالجة متعمقة لنقص الحرية والحكم الصالح في العالم العربي، ولعل هذه القضية هي الأشد حضورا في المناقشة الدائرة داخل المنطقة وخارجها في الوقت الراهن. وهذا التقرير طرح نواة فكرية تعين في صوغ مشروع النهضة عبر حفز مناقشة جدية بشأنه في البلدان العربية. لقد أضحت أزمة التنمية في الوطن العربي من الجسامة والتعقيد وتشابك الجوانب، بحيث أصبح أي إصلاح حق لإحدى النواحي المطلوبة لبناء نهضة إنسانية في المنطقة يستلزم ان يمتد إلى جنبات المجتمعات العربية كافة. فلم يعد الإصلاح الجزئي كافيا مهما تعددت مجالاته، بل ربما لم يعد ممكنا من الأساس بسبب احتياج الإصلاح الجزئي الفعال إلى بيئة مجتمعية حاضنة. ومن ثم، فإن الاصلاح المجتمعي الشامل في البلدان العربية لم يعد حرصا على مصالح راهنة مهما يكن نوعها. ذلك ان القيد السياسي على التنمية الإنسانية في البلدان العربية هو الأكثر وطأة والأبعد إعاقة لفرض النهضة فيها. يبدأ التقرير، على النهج الذي درجت عليه هذه السلسلة، برصد الحوادث على المستويات القطرية والإقليمية والعالمية، التي يقدر أنها ستترك أثرا ملحوظا على مجمل مسيرة التنمية الانسانية في الوطن العربي.


المناداة بالإصلاح

ويذكر التقرير انه منذ نشر تقرير "التنمية الإنسانية العربية 2003" أعلنت مبادرات إصلاح، رسمية ومن منظمات المجتمع المدني، استهدفت معالجة بعض أوجه القصور في البلدان العربية. وكان أهم المبادرات الرسمية "بيان مسيرة التطوير والتحديث" الذي صدر عن القمة العربية التي انعقدت في مايو/ أيار .2004 ودعا بيان الجامعة إلى "استمرار الجهود وتكثيفها لمواصلة مسيرة التطوير العربية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية، تحقيقا لتقدم المجتمعات العربية النابع من إرادتها الحرة"، وإلى "تعميق أسس الديمقراطية والشورى، وتوسيع المشاركة في المجال السياسي والشأن العام وفي صنع القرار، في اطار سيادة القانون، وتحقيق العدالة والمساواة بين المواطنين واحترام حقوق الانسان وحرية التعبير... وضمان استقلال القضاء". كما ظهرت خلال فترة اعداد التقرير مبادرات عدة من القطاع الأهلي مطالبة بالإصلاح، كان أهمها "إعلان صنعاء" الذي تمخض عن المؤتمر الإقليمي عن الديمقراطية وحقوق الإنسان ودور المحكمة الجنائية الدولية "صنعاء، يناير/ كانون الثاني 2004"، و"وثيقة الاسكندرية" التي صدرت عن مؤتمر "قضايا الإصلاح العربي، الرؤية والتنفيذ" "الاسكندرية مارس/ آذار 2004". وفي الوقت نفسه، صعدت القوى السياسية والمدنية في الوطن العربي من تحركها الايجابي نحو الاصلاح السياسي، وحققت اختراقات مهمة في بعض الأحيان. فقد نجحت المنظمات الحقوقية والسياسية في المغرب في حث الحكومة على الاعتراف بخروق سابقة، أبرزها ملف اختفاء المعارضين السياسيين، والسعي إلى معالجة القضية. وفي مجال تعزيز الحكم الصالح، بدأت بعض الحكومات العربية توجها حذرا وانتقائيا نحو الانفتاح السياسي على قوى المعارضة وافساح مجال العمل العام. وعلى رغم ذلك، تراجعت مؤشرات المشاركة الشعبية، واستمرت انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، وعانت منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام من تشديد القيود عليها. كما تعرض المراسلون الصحافيون للقتل وخصوصا على أيدي قوات الاحتلال.


بلدان عربية ذكرها التقرير

وفي البحرين، بدأت اللجنة الوطنية للشهداء وضحايا التعذيب تطالب بتعويضات لعائلات الذين قتلوا وعذبوا بأيدي قوات الأمن في الحوادث السياسية السابقة، كما طالبت بمحاكمة المسئولين عن انتهاكات حقوق الإنسان، وفي سورية، صعد أعضاء الجمعيات والمنظمات من مطالبتهم بإلغاء حال الطوارئ واطلاق الحريات. كما أعلن "الاخوان المسلمون" مبادرة للإصلاح السياسي في مصر. وشهدت المملكة العربية السعودية مطلع هذا العام حيوية غير مسبوقة في المبادرات المدنية، تميزت بتقبل نسبي لها من الحكومة. وقدمت الكثير من الوثائق إلى ولي العهد تضمن بعضها مطالب بعض الجماعات الفرعية كالشيعة في الحريات الدينية والحقوق المدنية والمساواة بين المواطنين. ونددت أخرى بأعمال العنف ودعت إلى الانفتاح السياسي كمخرج للأزمة الحالية. وطالب بعضها بإصلاح وضع المرأة وضمان مشاركتها الكاملة في الحياة العامة. وتضمنت احدى هذه العرائض الدعوة إلى ملكية دستورية وإصلاحات سياسية أساسية منها الانتخابات والرقابة على المال العام وإصلاح القضاء. كما شهدت المرحلة محاولات للتغيير من الخارج، بدأت بمشروع الشرق الأوسط الكبير الذي طرحته الإدارة الأميركية على مجموعة الدول الثماني. الا ان تحفظات من أطراف عربية ومن دول أوروبية، حدت الولايات المتحدة إلى تعديل هذه المبادرة وطرح مشروع معدل اطلق عليه اسم "مشروع الشرق الأوسط الأوسع"، وضعت إليه أهداف أكثر تواضعا، وتم اقراره داخل مجموعة الدول الثماني في يونيو/ حزيران .2004


انعدام الحرية

ويقول التقرير إن مستوى التمتع بالحرية في جميع البلدان العربية ينحدر، وان بدرجات متفاوتة. فالحريات، حتى عندما نضع القهر الخارجي جانبا، مستهدفة من سلطتين: سلطة الأنظمة غير الديمقراطية، وسلطة التقليد والقبلية المتسترة بالدين أحيانا. وأدى تضافر السلطتين على الحد من الحريات والحقوق الأساسية إلى إضعاف مناعة المواطن الصالح وقدرته على النهوض. وتعاني الحريات، ولاسيما حرية الرأي والتعبير والابداع، وجوها من الكبت والقمع في معظم البلدان العربية، باستثناء اختراقات محدودة في بعض البلدان أو بعض النواحي. فقد ظل الصحافيون مثلا على مدار ثلاثة أعوام "2001 - 2003" هدفا لملاحقات قضائية متعددة في قضايا الرأي، وصدرت في حق بعضهم أحكام قضائية قاسية، وتعرض بعضهم لاعتداءات بدنية أو للاحتجاز. ووصف تقرير "مراسلون بلا حدود" للعام 2002 المنطقة بأنها ثاني أكبر سجن للصحافيين في العالم. وأدى اتفاق وزراء الداخلية العرب على استراتيجية لمكافحة الإرهاب في مطلع العام 2003 إلى مزيد من القيود على حرية الرأي والتعبير، بل وعلى غيرها من حقوق الإنسان. وشملت انتهاكات حرية الرأي والتعبير الاعتداء على الناشطين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان بسبب إبداء آرائهم. وامتد التضييق على حرية الرأي والتعبير إلى صنوف الابداع الأدبي والفني كافة. بل ان محاولة الهيمنة على الفكر في بعض الدول العربية وصلت إلى درجة منع التداول لروائع أغنت التراث العربي ككتاب "النبي" لجبران خليل جبران، وكتاب "ألف ليلة وليلة". كما انتهكت حرية تكوين الجمعيات برفض تأسيس جمعيات أو حلها. وانصبت معظم هذه الإجراءات السلبية على المنظمات الأهلية العاملة في مجال حقوق الإنسان وباستثناءات قليلة، وشكلية في بعضها، لا تجرى في البلدان العربية المعنية انتخابات رئاسية حرة يتنافس فيها أكثر من مرشح في انتخاب عام. في بلدان عربية ثلاث فقط هي الجزائر والسودان واليمن وفي رابعة تحت الاحتلال هي فلسطين، يجرى انتخاب الرئيس من خلال انتخابات مباشرة يتنافس فيها أكثر من مرشح ويقيد حكم الرئيس المنتخب فيها بفترات محددة. ومازالت سورية ومصر تعتمدان أسلوب الاستفتاء، إذ يتم ترشيح الرئيس من مجلس الشعب، ثم يجرى استفتاء شعبي. وتراوح النتائج في مثل هذه الاستفتاءات الرئاسية بين الأكثرية المطلقة والإجماع التام. وثمة مجالس نيابية منتخبة كليا أو جزئيا في بقية الدول العربية باستثناء دولتين، هما السعودية والإمارات، ولكن على رغم كثرة العمليات الانتخابية التي تجرى على الساحة العربية، ظلت ممارسات الحق في المشاركة طقوسا إجرائية تمثل تطبيقا شكليا لاستحقاقات دستورية. وعانى معظمها تزييف إرادة الناخبين وتدني تمثيل المعارضة. وبهذا لم تؤد الانتخابات دورها المفترض كوسيلة للمشاركة أو تداول السلطة، فأعادت إنتاج الفئات الحاكمة نفسها في معظم الحالات. كما تستباح الحياة الخاصة والشخصية في بعض الدول العربية، تارة من السلطات السياسية عبر خرق حرمة المنزل، والرقابة على المراسلات الخاصة والتنصت على المكالمات الهاتفية، وطورا من فئات اجتماعية باسم العرف والتقاليد

العدد 946 - الجمعة 08 أبريل 2005م الموافق 28 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً