العدد 946 - الجمعة 08 أبريل 2005م الموافق 28 صفر 1426هـ

معركة "القرار" بين الشرق والغرب

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

بجملتين بسيطتين لكنهما معبرتان بكثافة بالغة عن وجه الاستقطاب الحاد الذي تعيشه بلادنا العربية والإسلامية لخص محمد خاتمي وجاك شيراك ذلك البعد السياسي الأكثر توترا من ذلك الاستقطاب المدجج بنذر الحرب وعواصف الاجتياحات، وتحديدا من لبنان، حيث ملتقى الشرق والغرب. فأثناء حديثهما عن لبنان وحزب الله والمقاومة وصف الرئيس الإيراني محمد خاتمي حزب الله بأنه "رمز المقاومة في وجه العدوان الأجنبي"، فيما تمنى الرئيس الفرنسي جاك شيراك "ان يتحول هذا الحزب ليصبح حزبا سياسيا كبيرا في اطار الديمقراطية اللبنانية". في ظاهر الأمر كلاهما مهتم بالمصلحة اللبنانية وكلاهما يريد الخير لها! لكن الأمر اعقد من ذلك بكثير، كيف؟ في لبنان كما في العراق كما في فلسطين كما في سورية كما في أيران أو أي قطر "شرق أوسطي" آخر يمكن ان نختاره يطرح السؤال المركزي التالي نفسه بقوة لدى طرح أية قضية للنقاش: ما موقع هذه القضية أو تلك من القرار الوطني المستقل؟ ولماذا مطلوب منا دوما ان نرمي "ارادة المقاومة" جانبا كأولوية قصوى، ثم نبدأ بمعالجة القضايا المطروحة علينا وغالبا بحسب أجندة الخارج ومقاييسه ومعايير!؟ ففي إيران انت متهم أولا وقبل كل شيء بانك تجاوزت الحدود المسموح لك بها كدولة "عالمثالثية" مسلمة لاسيما في مجال علوم متقدمة مثل التكنولوجيا النووية وهي المحرمة عليك حتى لو كانت سلمية. وفي العراق انت متهم عندما تطالب بأجندة واضحة لجلاء الاحتلال حتى لو كان هذا الاحتلال يمارس اقبح انواع الانتهاك المنظم لحقوق الانسان ويقتل ما لا يقل عن مئة ألف مدني من أبناء شعبك بحجة وذريعة حظر أسلحة دمار ثبت انها ملفقة وكاذبة. وفي سورية انت متهم بإيواء "الارهابيين" ودعمهم واسنادهم ما لم تقدم أوراق الطاعة لدولة الارهاب المنظم المقرر لها ان تقود مشروع "الشرق الأوسط الكبير" وتتزعمه باعتبارها الدولة "الديمقراطية" النموذج والمثال على رغم كونها دولة عنصرية "دينية" خالصة! وفي فلسطين انت متهم بالترويج للعنف والتحريض عليه مقابل ارادة "السلام" التي تريد املاء الامر الواقع لليكودي الشاروني حتى على الدولة الاقوى في العالم وعلى رغم انف الجميع! وفي لبنان أخيرا لا آخرا، انت متهم بـ "المقاومة" ومقاومة ماذا؟ مقاومة مخطط الاذعان للارادة الأجنبية التي ارتأت من جديد ان تحول لبنان الى مرتكز وقاعدة للانطلاق منها والزحف على مقاومات وممانعات "الشرق الأوسط الكبير" الأخرى التي رفضت مسايرة الاجنبي في مخططه الذي بات مكشوفا، وهو تقسيمنا جميعا مهما كبرنا الى اجزاء متناثرة ومبعثرة من "دول" الاقوام والاعراق والطوائف والمذاهب والأديان لا يجمع بينها جامع ولا هوية لها الا الهوية "الشرق أوسطية"! أعرف ان الكثير من أبناء جلدتنا سيقول فورا: وهل تنكر تفشي الفساد وتجذر الاستبداد في انظمتنا السياسية وشيوع الظلم واللاعدالة وغيرها من المفاسد؟ ولكن سؤالي الفوري هو: وهل هذه صفات وسمات خاصة ببلادنا فقط؟! أم ان اضعافا مضاعفة منها كما وكيفا متفش ومنتشر في بلاد كثيرة أخرى ومنها البلدان التي تطالبنا بنزع "ارادة المقاومة" أولا وأخيرا؟! وهم غير صادقين فيما عدا ذلك بالمناسبة. اي انهم لا يريدون بعد ذلك اي اصلاح لامورنا لأن ذلك يفسد عليهم منافعهم ومصالحهم الاستعمارية والتوسعية. ثم لماذا يحق لهم ان يحددوا أولوياتهم كما يشاءون عندما يتعلق الامر بارادتهم وقرارهم الوطني المستقل، فيصبح الاقتصاد مرة والتنمية البشرية مرة أخرى وحماية البيئة احيانا أو الحريات الاجتماعية أو المنظور الديني للدولة على رغم تورط انظمتهم وامعانها في فضائح حروب ابادة أو انتهاك حقوق الشعوب الأخرى أو تعريض الأمن العالمي للخطر؟! هل لانهم هم ابناء الذوات ونحن ابناء الجارية؟! ام لأن موازين القوى مختلة لصالحهم، وبالتالي يحق لهم ما لا يحق لنا بفعل هذا الاختلال الفاضح؟! انه الامران معا وللأسف الشديد، وقد قيل يوما ان التاريخ تكتبه القوة المنتصرة. انها ارادة السيف والصولجان والقوة العارية ترفعها الدول القوية والمتنفذة بما بات يسمى بالمجتمع الدولي ضد الدول المستضعفة في العالم في اطار معركة غير متكافئة يراد من ورائها فيما يراد اعادة صوغ للمفاهيم والقيم والمعايير في الشرق كله، وذلك في لحظة طغيان مفاهيم "الديمقراطية الليبرالية الغربية" على رغم انف الجميع! أليس كذلك. وهي الحالة التي تريد العودة بنا الى بدايات عصر "التنوير" والاستعمار الحداثي الغربي، حيث لخصها رجلهم المشهور سلامة موسى في العام 1923 عندما قال: "علة الاقطار العربية ورأس بلواها اننا مازلنا نعتقد ان هناك مدنية غير المدنية الأوروبية، فلا نتقبل مبادئ البرلمانية والديمقراطية والاشتراكية، وهذه مبادئ لم تعرفها آسيا أم الاستبداد الاوتوقراطي في الحكومة والدين والأدب والعلم مع انها لب النجاح القومي". انها تذكرة استحضرها بين ايدي مثقفينا وكتابنا ونخبنا المحكومة والحاكمة وجمهورنا الغفير على امتداد هلال الشرق المظلوم والمضطهد من طنجة الى جاكرتا حتى لا ينسوا جوهر الصراع ولب المشكلة بيننا وبين المستعمر المتجدد في اساليب خداعه على رغم جاذبية شعارات الاصلاح ومكافحة الفساد ومطالبات العدالة والحرية التي تقدسها ثقافتنا الشرقية ولطالما دافعت عنها، وعلى رغم جاذبية شعار "الانتخابات والديمقراطية" و"المشاركة الشعبية في صناعة القرار"، وهو هنا عندما يوظف في أجندة نزع سلاح وارادة المقاومة لدينا يصبح بلاشك كلام حق يراد به باطل. * رئيس منتدى الحوار العربي الايراني

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 946 - الجمعة 08 أبريل 2005م الموافق 28 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً