العدد 961 - السبت 23 أبريل 2005م الموافق 14 ربيع الاول 1426هـ

فتنة العراق

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

لمصلحة من تقع سلسلة الاعتداءات والتفجيرات بحق المدنيين وعلماء الدين والمساجد والحسينيات؟ فالقتل المجاني والعشوائي الذي يطول أهالي المدن والقرى والأحياء العراقية يثير الشبهات ويطرح أسئلة عن دور ما تقوم به قوات الاحتلال في التحريض على الفتن الطائفية والمذهبية. فالفتنة في النهاية تخدم الاحتلال وتشوه صورة المقاومة وتزرع بذور الانقسام وتدفع الأطياف على أنواعها إلى التصادم من دون وعي منها بخطورة المسألة وتأثيرها السلبي على وحدة بلاد الرافدين.

مسألة الفتنة في العراق باتت مطروحة كاحتمال مخيف يهدد النسيج الاجتماعي ويفكك ما تبقى من علاقات تاريخية تجمع الناس على مشاعر موحدة تحترم تقاليد الاختلاف. الفتنة غير واردة الآن، إلا أنها تصبح من الاحتمالات في حال استمر مسلسل الاعتداءات والتفجيرات التي تحصد العشرات من الآمنين والمؤمنين. فالضغط المتواصل على الناس بهذا الأسلوب الهمجي يسهم لاحقا في حقن الشارع البائس ويشحن الأجواء الملتهبة بالمزيد من الكراهية والأحقاد.

حتى الآن، نجحت المرجعيات الدينية في شقيها الشيعي والسني في ضبط الانفعالات والسيطرة على الأعصاب وإقناع كل المتضررين بعدم الانجرار وراء فخ دأبت قوات الاحتلال على نصبه بغية دفع العراقيين نحو هاوية الفتنة لتحقيق مآرب تخدم في النهاية المشروع الحقيقي للولايات المتحدة أو ما تسميه واشنطن: الفوضى البناءة.

"الفوضى البناءة" هي الوجه الآخر من عملة "فرق تسد". فالفرقة بين أبناء الشعب الواحد سهلت في القرن التاسع عشر للاستعمار البريطاني فرض سيادته على شعوب حضارية كالصين والهند وإيران ومصر.

الآن - كما يبدو - استلهمت مؤسسات البحث التابعة لوزارة الدفاع الأميركية فكرة "فرق تسد" تحت مسمى جديد تطلق عليها "الفوضى البناءة". والفوضى تعني إحداث الاقتتال الأهلي بين أبناء الشعب الواحد لتسهيل تمرير مشروع خاص لا يعلن عنه، ولكنه في النهاية يستهدف فرض الوصاية على الناس من خلال إثارة المخاوف من القلاقل الأمنية والقتل المجاني والعشوائي.

وباسم الفوضى يتحول الاحتلال إلى حاجة أمنية لا يمكن الاستغناء عنها بذريعة أن انسحاب القوات سيؤدي إلى فراغ سياسي يضغط على القوى المحلية إلى التراكض لسد منافذه، وهذا ما يؤدي إلى نوع من التدافع يفتح الطريق نحو التصادم الأهلي.

المستفيد إذا من سلسلة الاعتداءات والاغتيالات وخطف المدنيين وقتلهم على الهوية الطائفية والمذهبية هو الاحتلال الأميركي في العراق... مهما ادعت منظمات مجهولة مسئوليتها عن تلك الجرائم؛ فليس المهم في النهاية من ينفذ بل الأهم من يحرض ويخطط ومن يسهل حصول تلك الأفعال. فالفاعل المجهول أخطر أحيانا من المنفذ المعلوم، لأن الأخير هو من الأدوات "الواعية أو غير الواعية" لمشروع خطير يهدف إلى زعزعة أركان المجتمع، بعد أن نجح الاحتلال في تقويض الدولة العراقية.

الاحتلال بدأ بالدولة فقوضها، والآن أخذ يضرب أسس المجتمع بهدف تقويضه وشل قدرته على التحرك وتحويله إلى أشلاء مبعثرة على جيوب مناطقية وطائفية ومذهبية وعشائرية وأقوامية تتنازع على القشور، في وقت تترك ثروة العراق عرضة للنهب والسرقة على يد شركات الاحتلال وسماسرته المحليين.

هذه هي الأهداف الحقيقية من مقولة "الفوضى البناءة"، وكل ما يقال ويشاع من أهداف معلنة "ديمقراطية، حقوق إنسان، تمكين المرأة" ليست سوى غطاء لتمويه المشروع التقويضي الذي تقوده واشنطن في دائرة أطلقت عليها "الشرق الأوسط الكبير". فهذه الدائرة الكبيرة تختزن ثروات تحتاجها الولايات المتحدة لتأمين مستقبلها الدولي في إطار تنافسها مع الاتحاد الأوروبي والصين. وفي الدائرة الكبيرة تقع منطقة حضارات قديمة طغى عليها الركود وتخترقها صراعات تقليدية تشكل تربة سياسية للتدخل وإثارة المشكلات الإثنية "القومية" والطائفية والمذهبية. وحتى تنجح أميركا في السيطرة على الثروات لابد لها من إنعاش تلك التعارضات الساكنة في مجتمعات حضارية راكدة... وهذا بالضبط ما تفتعله قوات الاحتلال في العراق. فالسيطرة على الثروة تحتاج إلى فتنة أهلية، والفتنة لا تقوم من دون فوضى. والفوضى في النهاية تصب في مصلحة أميركا، والخاسر الأول والأخير هو الشعب العراقي بمختلف أطيافه وطوائفه

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 961 - السبت 23 أبريل 2005م الموافق 14 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً