طالب الوزير وعضو القيادة القطرية السابق مروان حبش بدفع سورية على السير نحو العدالة التي تكفل عودة السوريين الى حياتهم الطبيعية والتخلص مما شابها من مشكلات وترسبات تراكمت نتيجة السياسة التي تم تطبيقها في سورية منذ تولي الرئيس الراحل حافظ الأسد السلطة في العام . 1970
وقال حبش في حديث إلى "الوسط" في دمشق: "إن التغييرات التي ينتظرها السوريون، تتلخص في المضي نحو التحديث والديمقراطية لبناء وطن نضاهي به الآخرين". ودعا الى عقد مؤتمر وطني "يتحاور فيه الجميع" باعتباره حاجة سورية "بعد أن وصلت البلاد الى ما وصلت إليه اتجاه التهديدات والضغوط التي تريد الشر بالوطن"، ما يفرض "تكاتف جهود كل الطيف السياسي السوري، من دون استثناء، والفعاليات الاقتصادية الشريفة والقوى الناشطة في المجتمع، للادلاء بأفكارها ورؤيتها من خلال المؤتمر".
وقال "ان رؤية سورية المستقبل، لا يجوز أن تنفرد بوضعها فئة لوحدها"، في إشارة الى عدم مراهنته على فكرة ان المؤتمر القطري المقبل لحزب البعث سيؤسس أو يقرر خطوات في الاصلاح السوري.
وكان مروان حبش عضوا في القيادة القطرية لحزب البعث بين العامين 1966 و،1970 تولى خلالها وزارة الصناعة، وعندما تسلم الرئيس الراحل حافظ الأسد السلطة العام ،1970 كان حبش في عداد قيادة الحزب والدولة الذين اعتقلوا وبينهم الرئيس نورالدين الاتاسي والأمين العام المساعد للحزب صلاح جديد والذين قضى معظمهم ما بين 20 و25 عاما في الاعتقال من دون محاكمة، وبعضهم توفي في السجن أو بعد خروجه بقليل مثل الاتاسي.
ويشارك حبش في قيادة حزب البعث الديمقراطي المنضوي في إطار التجمع الوطني الديمقراطي المعارض الذي يضم أيضا 5 جماعات سياسية أخرى بينها حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي في سورية الذي يتولى أمانته العامة المحامي حسن عبدالعظيم.
ووصف حبش المرحلة الحالية بأنها تمثل "نزوعا دائما إلى قضايا العدالة والمساواة والحرية، وهي من أهم المبادئ التي تعطشت إليها الإنسانية في سعيها نحو التقدم والرقي"، وقال: "ان العدالة يجب أن تكون باستمرار هاجس الحكام والمحكومين، والقوانين والأوامر التي يصدرها أي حاكم يجب أن تكون متفقة مع الحق، وكل تشريع قانوني يجب أن يرتكز إلى ما هو أساسي لا إلى ما هو استثنائي". وأضاف "ان الدستور ينبغي ان يضمن تكريس مفهوم العدالة كإرادة راسخة ودائمة، واحترام الحقوق وأداء الواجبات وتعميق ممارسة الحرية كهدف مقدس للجماعة والفرد وتحديد وسائل تحقيق مضامينها، وإيجاد دليل واضح ينظم مسيرة الشعب إلى المستقبل، ويكون الضابط لحركة السلطة والدولة والمجتمع، وناظم القوانين والتشريعات".
وقال حبش: "إن الرئيس الراحل حافظ الأسد بعد انقلابه في نهاية ،1970 أقدم فورا على تعديل الدستور المؤقت الذي كانت تعمل به البلاد، فأصبح بموجبه إضافة إلى منصبه كرئيس للجمهورية، قائدا عاما للجيش والقوات المسلحة، وهي الصفة التي كانت لوزير الدفاع، وكان ذلك البداية لتجميع السلطات بيد الحاكم الفرد. ثم كانت الخطوة اللاحقة والخطيرة التي أمسك من خلالها بكل مقاليد السلطة وشدد قبضته عليها، وهي تفصيل دستور دائم منحه كرئيس، إضافة إلى منصب قائد الجيش، سلطة التشريع أثناء انعقاد دورات مجلس الشعب وخارج انعقادها، وفي الفترة ما بين المجلسين، كما حدد فترة كل رئاسة بسبع سنوات، وزاد عليها، ان استمر حكم البلاد بالقوانين العرفية التي بقيت هي الأصل في ضبط الدولة والمجتمع، وكل ما عداها مما ورد في الدستور أصبح ثانويا ولا يؤخذ به إلا شكلا".
واستعاد حبش فكرة ان حال الطوارئ أعلنت في سورية في مارس/ آذار ،1963 عندما تولى البعث السلطة، ومازال معمولا بها حتى الآن، وأشار الى ان اعلانها يتم في حالات محددة مثل حال الحرب وأثناء العمليات الحربية، أو تعرض الأمن أو النظام العام للخطر أو الكوارث الطبيعية أو انتشار وباء عام، ولكنها في كل الاحوال "يتم إعلانها جوازا لا وجوبا ومن دون أن يمس هذا الإعلان بمبدأ الفصل بين السلطات الثلاث ومن دون المساس، مهما كان الأمر، بالحقوق والحريات الأساسية للمواطنين" بخلاف ما جرى عليه الحال في سورية.
وقال حبش: "لقد خص الرئيس الراحل نفسه بسلطات مطلقة، وتماهت السلطة بشخصه فأصبح المرجعية الشمولية التي تنتهي عندها كل السلطات، ولم يعد هناك أية مقوم لدولة العدل والحق والقانون، وتحولت مؤسسات الدولة وأجهزتها ومنظمات المجتمع إلى أجهزة قهر وضبط".
ولخص حبش السياسة في عهد الرئيس الراحل في ثلاثة اتجاهات، مستعيرا بعض ما نقل عن الرئيس الأسد بقوله: "هناك من يريد المنصب وسأحققه له، وهناك من يريد المال وسأوفره له، وهناك من لا يريد المنصب ولا المال، وسيكون المعتقل مصيره". وقال: "بهذا الأسلوب أعطى الرئيس الراحل الضوء الأخضر لسياسة الفساد والإفساد والسجون والمعتقلات، وبدأ الحكم الشمولي وعبادة الفرد والاستهانة بحقوق المواطنين، وبدأت أيضا مسيرة المجتمع نحو الركود وتعطل الحراك السياسي وانتهكت الحريات العامة، وأوصدت الأبواب أمام التجدد في السلطة والدولة والمجتمع، ونهبت الثروات العامة وتكدست في جيوب قلة من المسئولين ومافيات التهريب"، ما قاد المجتمع إلى انقسام حاد بين قلة من الاغنياء "من 2 إلى 5 في المئة" وأكثرية من الفقراء.
وأضاف حبش: "ان الأحكام العرفية أخذت دورها الفعال للفتك بكل صوت يعارض ما يحدث، وبدأت قوافل تتلو قوافل طريقها نحو المعتقلات، وكان في مقدمتها من كان الرئيس الراحل رفيقا لهم من قادة ثورة آذار، وبدلا من أن يصغي الحكم إلى آراء معارضيه بغية تفعيل الحياة السياسية وتطوير السلطة وتحديث الدولة والمجتمع، اتخذ طريق العنف والقمع لإسكات كل رأي آخر، ودب الرعب وعدم الأمان في داخل كل فرد، وذهبت الحريات في ظل قيادة لا تتبدل ولا تتغير، وفي ظل تملق ونفاق من الأسفل إلى الأعلى، وأصبح الفرد في غربة في حياته اليومية وتحول إلى كائن عاجز لا رأي له ولا حول ولا إرادة".
ولاحظ حبش "ان أي خطاب سياسي، يبشر بأمل لمستقبل أفضل، يتوجب عليه تخليص الشعب من السلبيات التي أنتجها قانون الطوارئ والأحكام العرفية وغياب سيادة القانون، كما يوجب عودة السلطة إلى ممارسة مهماتها في ترسيخ أسس الدولة وفي توفير الظروف المريحة لمجتمع مدني بمنظماته ومؤسساته، وفي عودة المفهوم الصحيح للمواطنة. والمقدمة لتحقيق العدالة تتطلب خطوات، من إصدار قانون يلغي العمل بقانون الطوارئ والأحكام العرفية، وإلغاء المحاكم الاستثنائية بجميع أشكالها وتسمياتها، وإلغاء كل ما ترتب عن تطبيق قانون الطوارئ والأحكام العرفية من آثار أضرت بالمواطنين"، وإلغاء كل "الممنوعات التي فرضت على ضحايا التوقيف العرفي بسبب آرائهم السياسية، والتعويض عليهم ماديا ومعنويا، ليتمكنوا من إعادة تأهيل أنفسهم للعيش الكريم في وطنهم وإلغاء القانون 49 للعام ،1980 بعد أن زالت الأسباب التي فرضت صدوره، كما أنه لا يليق بدولة في القرن الـ ،21 أن يبقى نافذا مثل هذا التشريع فيها"
العدد 964 - الثلثاء 26 أبريل 2005م الموافق 17 ربيع الاول 1426هـ