العدد 2404 - الأحد 05 أبريل 2009م الموافق 09 ربيع الثاني 1430هـ

بين التعبير وحلبة البحرين

سلمان ناصر comments [at] alwasatnews.com

.

أصبح من الطبيعي لدى المواطن البحريني أن يعد شهر أبريل/ نيسان شهر الزحمة، حيث يقام به كل سنة سباق الفورملا واحد الذي يصل عدد الحضور فيه إلى 45 ألف متفرج على أقل تقدير من جميع أنحاء العالم، ناهيك عن عدد القنوات الفضائية العالمية التي تغطي الحدث والتي لا يقل عددها عن 120 قناة والحركة الفندقية وشركات تأجير السيارات وسيارات الأجرة والمطاعم وأعداد المنضمين بالحلبة الذين يصل عددهم إلى 500 شخص.

وعلى رغم من تحفظي كمواطن من هذه الحلبة في تأخر الإعلان عن موازنتها أو آلية دعمها من قبل شركة ممتلكات، إلا ما يهمني هو نجاح هذا المشروع أو أي مشروع وطني يحمل اسم البحرين، والابتعاد عن التسبب في فشله أو التقليل من شأنه، لما يعكس هذا الحدث للعالم مكانة وحجم البحرين على الخارطة العالمية على رغم صغر مساحتها، وإظهار مهنية الكوادر البحرينية التي تدير هذا المشروع.

لكن ما يقلقنا مع اقتراب موعد انطلاق مسابقات الفورمولا واحد، هو أن البحرين ما إن تنهي أزمة ما حتى تلد لها أخرى، بسبب أو من دون سبب، بعذر أو من دون عذر، بقصد أو من دون قصد. وكأن مقدرا لهذه الحلبة منذ انطلاقها افتعال الأزمات، السياسية تارة والمعيشية تارة أخرى، حتى أصبحت حياتنا السياسية قائمة على تفريخ الأزمات من أطراف متعددة ولغايات مختلفة من وراء هذه الأزمات.

إن لحظات سعادة المواطن وبهجته وهدوئه تشعرنا بحاجة ملحة إلى استمرار البناء، ولكن هناك من يكره تلك الأمور ويسعى لانتزاع أفراحنا وبهجتنا في ظل هذا الوطن.

وهنا أقول من الغريب أن هناك من يريد إقناعنا أن التأزيم والتخريب ونشر الرعب وقتل الأبرياء وإسقاطهم من القيمة الإنسانية وهم بشر مثلنا هو حرية للتعبير، كما أن كثير من أصحاب العقول المؤدلجة يخلطون بين حرية التعبير والتدمير. فليراع هذا السلاح ذو الحدين (التعبير)، حيث قد يستخدم للبناء والإعمار، ويستخدم للهدم والدمار، فحرية التعبير مكفولة قانونا ودستورا وشرعا ولكن البعض يريدها ويجعلها تدميرا وتخريبا ونسي أو تناسى أن تلك الممتلكات العامة والخاصة هو الذي ساهم في بنائها من قوته وعرقه ودمه من دون أن يشعر بأنها ملك له قبل أن تكون ملكا للدولة.

إن الذين يصطادون في المياه العكرة ممن يبررون لمن يحرق ويروع ويزهق أرواح الآمنين، هم الذين أساؤوا لوطنهم وشعبهم من باب المكايدة والانتقام من الآخرين بأسلوب غير حضاري إن دل على شيء إنما يدل على الجهل وسوء السلوك.

علينا أن ندرك تماما أن حرية التعبير لها ضوابط وقيود ولكن عندما تخرج عن إطارها القانوني والمنهجي تصبح فوضى وعشوائية ليس لها رأس ولا قعر. فعلينا بالتعبير من دون تخريب أو تدمير أو زهق أرواح أو تعطيل مدارس أو زرع مفهوم الكراهية، والحفاظ على النقلة التي تشهدها الدولة في المناحي السياسية والتشريعية، وإن كانت هناك بعض التحفظات، لكن مازال البعض لم يع الدرس جيدا.

وبما أن الخطوط الحمراء قد ازدادت بالمملكة، حيث كل من كان تحت طائلة القانون أصبح خطا أحمر، فلنجعل المحافظة على ثقافة وحضارة الشعوب باحترامها لقوانينها ودستورها وثوابتها الوطنية والعقيدة الإنسانية، أية قيمة أرواح البشر، خطوطا حمراء ويجرم من يقترب منها.

نحن على ثقة أن هناك الكثير ممن يقول إن التخريب والحرق مرفوض، وهنا أقول فليرفعوا صوتهم عاليا من دون استحياء فهذه اللغة باتت غير مقبولة وليعلموا بأن الهدم أسهل من البناء، فأسلوب التخريب من أجل تشويه صورة البحرين داخليا وخارجيا أمر مرفوض جملة وتفصيلا والتعدي على ممتلكات الشعب أمر لا يقره شرع ولا عرف ولا قانون. وإشاعة روح المناطقية أو العرقية أو الطائفية بين أبناء الوطن الواحد أمر مرفوض نصا وروحا لكل الأطراف. من هنا ينبغي أن نعي حقيقة أننا لسنا ضد اختلاف الرأي بل هدفنا النقد الهادف لمصلحة الوطن والمواطن في المقام الأول.

إننا نجد أن قضية استقرار الوطن وتنميته من جهة والمسئولية الشخصية التي تقع على المواطن في قضية إسهامه في تحقيق بناء الدولة من جهة أخرى هما طرفان متلازمان، وفي هذا المقام حري بنا أن نقول إن ظاهرة إدمان التأزيم والتعطيل وإتلاف الممتلكات وزهق الأرواح لا تخدمنا كمواطنين كما عند تحويل هذه الظاهرة إلى شكل من أشكال تعذيب الذات لا سبيل للتخلص منها إلا بإدراك أن من الضروري أن يدرك المواطن أن البلد يجب أن يقوم على احترام الدستور والقانون والإسهام لإنجاح المشاريع ذات الصلة، والخلاصة تفيد بأن علينا العمل بإخلاص وتفان وإدراك أن الأوضاع في الوطن لن تتحسن بصورة مضطردة إلا بتضافر جهود كل المواطنين من دون استثناء والتزامهم باحترام القانون والنفس البشرية. وهنا أقول إن المواطن له تطلعاته وطموحه تجاه هذا الوطن كما أنه يتطلع إلى الإصلاحات المتعلقة بالإسكان والبطالة والتمييز والعدالة، ومع أهمية هذه المطالب إلا أنها لا تبرر إتلاف الممتلكات العامة والخاصة وقتل الأبرياء والتأزيم في أوقات نحن في أحوج ما نكون لإنجاح مشروعات قائمة.

إن المتتبع للحراك السياسي في البحرين اليوم يرى أن هامشا كبيرا إن لم يكن كل اللعبة السياسية التي ترسم اليوم، لا تخدم مصلحة البحرين في هذه الظروف الأمنية الخطيرة في المنطقة، بل هو تحرك شخصاني من بعض القيادات الشعبية التي تعول على البعض والهدف الرئيسي من ذلك كله أهداف غير واضحة المعالم أو معلومة ولكنها غير معلنة.

علينا كمواطنين ان ننطلق من مبادئ تكون أولويتها هو الدفاع عن الحقوق العامة ومصالح الناس والمجتمع بأكمله والإسهام في البناء وإنجاح المشاريع الوطنية وليس الدفاع عن أفراد، تماما مثل مطالبتنا بأن يكون التوجه الاقتصادي للكل وليس للفرد، حيث الواحد للكل وليس العكس.

إقرأ أيضا لـ "سلمان ناصر"

العدد 2404 - الأحد 05 أبريل 2009م الموافق 09 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً