العدد 979 - الأربعاء 11 مايو 2005م الموافق 02 ربيع الثاني 1426هـ

نظرية التحرر الاقتصادي... حينما تصطدم بالعقليات المقيدة؟!

عبدالله عيسى الكبيسي comments [at] alwasatnews.com

اذا قدر لنا أن نشخص بعمق وواقعية وبعيدا عن المجاملات والاعتبارات الجانبية وضع اقتصادنا الوطني، سنجد أنفسنا أمام جملة من المعوقات والمنغصات المضرة، تطول قائمتها، لكن لن يستعصي علينا تحديد المشكل الأكبر وهو وجود العقليات غير المتحررة لدى عدد من المسئولين والموظفين في إدارات ومرافق ذات علاقة بالقطاع الاقتصادي. اذا أمعنا التركيز في نظرية التحرر الاقتصادي في مجتمع متجدد، سيكون لزاما علينا النظر أيضا الى إزالة المعوقات وأولها افتقار المسئولين في تلك المرافق الى فهم ما تنادي به القيادة السياسية التي وضعت في الحقيقة، مرئيات متقدمة جدا لاقتصاد قادر على النمو في ظروف مختلفة تبعا لتقلبات أسواق النفط العالمية.

وأجدني متفقا تماما مع أخي رجل الأعمال خالد المسقطي الذي شدد في أحد حواراته الصحافية على أن تفشي بعض المظاهر السلبية في بيئة العمل يؤثر سلبا على النشاط الاستثماري في البحرين، ومن أبرز تلك المظاهر البطء في انجاز المعاملات حسبما اشارت اليه دراسة ميدانية أجراها مجلس التنمية الاقتصادية وغرفة تجارة وصناعة البحرين، وتبين أن 82 في المئة من العاملين في القطاع الخاص أجمعوا على أن المعاملات الحكومية تأخذ وقتا أطول مما ينبغي. وبالنسبة إلى قطاع التصنيع، فإن رجال الأعمال أجمعوا ايضا على وجود مشكلة، ألا وهي عدم كفاية الأراضي المتوافرة للاستثمار الصناعي وغيره من أغراض الاستثمار، وفي هذا الجانب اتفق بين أرباب العمل في القطاع الاقتصادي الصناعي والتجاري على وجوب إعادة النظر في تخطيط الأراضي في البحرين وإقامة المزيد من المناطق الصناعية وتوفير المزيد من البنى التحتية الضرورية للتوسع العمراني والصناعي والاستثماري في أنحاء المملكة كافة. والكلام القائل ان الإصلاحات الاقتصادية يجب أن تكون قائمة على اختيار قطاعات محددة قابلة للنمو والتطور، وبالتالي فإن وضع البرامج اللازمة، لضخ مزيد من الاستثمارات من جهة، كلام صحيح لابد من ان يتبعه تحرك لإزالة المعوقات الاستثمارية والإدارية التي تعوق دون نمو تلك القطاعات يجب أن تتصدر الاهتمامات.

وليسمح لي الاخوة في الجهتين، الغرفة ومجلس التنمية الاقتصادية، كي اوجه عتابا: ما الذي ستحققه الدراسات الميدانية واستخلاص النتائج اذا صدرت ثم في لحظة تحولت الى الادراج وركنت دونما أن يتغير من الواقع المشكل شيء؟ صحيح، نحن في حاجة الى مثل هذه الدراسات، لكن لغاية تحديد أوجه القصور ومن ثم العمل على إزالتها لا تحديدها ثم تركها هكذا مستمرة في تعطيل حركة دولاب النمو الاقتصادي لسبب أن هناك بعض العقليات المقيدة من المسئولين ممن لا يدركون اطلاقا حيثيات المشروع الاصلاحي الكبير الذي يقوده جلالة الملك المفدى. فالملاحظ أن جلالة الملك قدم ولايزال يقدم مرئيات مهمة على صعيد تحسين التشريعات والقوانين الداعمة للاقتصاد الحر المتقدم والمتنامي، وفي المسار ذاته نجد سمو رئيس الوزراء يتحدث باستمرار في إطار الغاء العوائق وتقديم التسهيلات وتيسير المعاملات والاجراءات. ونشارك مع سمو ولي العهد في نقاش جريء منفتح للإصلاح الاقتصادي في بلادنا، ثم نأتي بعد ذلك لنقف امام مكتب مسئول هنا أو موظف متفلسف هناك لينسف كل ما سبق ذكره، فقط لأنه لا يملك الارادة الفاعلة وفاقد الشيء لا يعطيه!

والواقع، أن هناك مساحات أوسع من مجرد طرح شعارات ونظريات اقتصادية تذهب أدراج الرياح. فمملكتنا وهي دولة صغيرة في منظومة دول مجلس التعاون الخليجي، تواجه التحديات التي تواجهها دول المجلس وتضع الخطوط العريضة لاستراتيجية تنمية شاملة بعيدة المدى تركز على التنمية المستدامة وتساعد على التعامل مع القضايا الأمنية والدفاعية والقضايا الاقتصادية من خلال تحقيق الشراكة الاقتصادية التكاملية، وإزالة مصادر الانكشاف من البيئة الاقتصادية لدول المجلس، وتأمين الحد الكافي للاحتياجات التنموية من الطاقة، والاستفادة القصوى من صروح البنى الأساسية باعتبارها مقوما رئيسيا للتنمية في المجالات الإنتاجية وقيام المشروعات الخليجية المشتركة على أساس الحجم الكبير باعتبارها المشروعات القادرة على النفاذ إلى الأسواق الدولية والارتقاء بالربحية الفردية والجماعية والتمكين من التطبيقات العلمية والتقنية والاستخدامات البديلة للموارد النفطية، وفي الوقت نفسه تشجيع قيام المشروعات الصغيرة على أسس ملائمة تحقق التكامل بينها وبين المشروعات الكبيرة.

إن الضعف الاقتصادي، المترتب على بيروقراطية المسئولين لدينا، يفضي الى خوف مستمر وقلق في مجتمع دولي لا تعيش فيه الا التكتلات الاقتصادية والاقليمية القوية، وهذه تتطلب برامج داعمة على مستوى القضايا الاجتماعية وقضايا السكان والقوى العاملة، والقضايا الإعلامية فضلا عن قضايا بناء القدرة العلمية والتقنية، كما أنها تضع مجموعة من الآليات المؤسسية والتنظيمية والفنية والتشريعية بما يكفل تنفيذ استراتيجية التنمية الاقتصادية.

ثم ان تنويع الاقتصاد وجذب الاستثمارات يبنغي أن يساند بجملة من الاجراءات الادارية الجريئة وأولها إزالة المسئولين ذوي التفكير العقدي السلبي من مواقع اتخاذ القرار. فهناك حاجة ماسة إلى تنويع اقتصادنا الوطني وهذا لا يتأتي الا بوجود عقليات شبابية متحررة ومؤهلة علميا وعمليا، ولابد من أن نضع في الاعتبار أن الاعتماد على مصدر واحد للدخل يؤدي إلى انعكاسات قد تكون سلبية على الاقتصاد في مجلس التعاون ولا سيما إذا كان المصدر طبيعيا قابلا للنضوب، وتتحدد أسعاره في الأسواق العالمية بناء على متغيرات سياسية واقتصادية خارجة عن إرادة الدول المنتجة له في كثير من الأحيان. وعلى رغم اختلاف دول المجلس في مدى تنوع اقتصادياتها فإنها جميعا تواجه تحديا لا يمكن مواجهته إلا بتنويع مصادر دخلها بما يحقق استمرار التنمية الاقتصادية وبشكل متوازن. ولتحقيق التنوع في مصادر الدخل فقد يكون من الملائم العمل على تحسين البيئة الاستثمارية، بحيث لا تقل الامتيازات والحوافز المقدمة للاستثمار في دول المجلس عن مثيلاتها في الدول الأخرى الجاذبة للاستثمار وتوسيع الطاقة الاستيعابية للاقتصاديات المحلية وتكثيف الاستثمار وتوجيهه نحو الأنشطة الإنتاجية غير النفطية، ولاسيما تلك الأنشطة التي تعتبر خيارا استراتيجيا لمعظم دول المجلس مثل الصناعة والسياحة والخدمات المالية. "رؤية طرحها الأمين العام لمجلس التعاون عبدالرحمن بن حمد العطية"

العدد 979 - الأربعاء 11 مايو 2005م الموافق 02 ربيع الثاني 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً