العدد 984 - الإثنين 16 مايو 2005م الموافق 07 ربيع الثاني 1426هـ

الصراع على الطريقة التايلندية

احذروا "بنات الذوات"

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مصطفى أمين، أحد أساتذة الصحافة المصرية، كتب في "أحاديث شخصية" عن ظاهرة انتشرت قبل الأربعينات واهتمت بتغطيتها المجلات المصرية، وهي ظهور طبقة "بنات الذوات"، فأخذت تنشر صورهن وأخبار طلاقهن وزواجهن ونزواتهن، بل إن مجلات أفردت أبوابا لتغطية آخر أخبار "الطبقة الراقية"! وكتب مصطفى أمين: "كنت أهاجم هذا النوع التافه من الفتيات، التي تهتم بشعرها ولا تهتم برأسها، وبزينتها أكثر من ثقافتها، والتي تمضي ساعات تتحدث في التليفون ولا تمضي ساعة واحدة تقرأ في كتاب". وأضاف "بنت الذوات هي التي تخدم الشعب ولا تبهر الشعب بأناقتها، وهي التي تشارك في تنظيف بيوت الفقراء لا التي تمضي اليوم في تزيين وجهها بالمساحيق والأصباغ... فمن السهل جدا أن نحول أية فتاة من الشارع إلى بنت ذوات بالمساحيق والأصباغ".

وطبعا ثارت الطبقة الجديدة الأنيقة المتهندمة عليه، وأخذت تصرخ في وجهه: "يا عدو المرأة والإنسانية، يا نصير التخلف والرجعية!"، وبقية الصفات الجميلة التي تعرفونها في مثل هذه الأحوال!

ما حدث هو أنه التقط فتاة من الشارع، وأرسلها إلى كوافير وحولها إلى دمية "فنية"، ودفع بها إلى المحافل الاجتماعية حتى كانت تدخل على كبار الصحافيين فترفع حذاءها على الطاولة، فهكذا تكون أخلاق الطبقة الراقية في المجتمع!

وفي كل جيل هناك "طبقات ذوات" تعتبر نفسها فوق النقد والتقييم، حتى ولو أساءت الأدب وأخلت بالعمل وتجاوزت الحدود. فالحرام عند رجل الشارع البسيط يعتبرونه مباحا، والفقير الذي يحاسب للمال: "مم اكتسبه وفيم أنفقه"، تعتبره الطبقات الراقية أمرا غير قابل للحساب. فالمعادلات دائما مقلوبة، ومن يجرؤ على انتقاد أصحاب الألسنة المزركشة؟

على أن هذه الألسنة الحداد، لا تتورع عن استخدام أية طريقة، فـ "الغاية تبرر الوسيلة" دائما، وخصوصا لمن يرى نفسه عظيما، ينسب الفضل لنفسه وهو لا ينتج عشرة في المئة، ولكنه يجيد الظهور دائما على الشاشة، فأفضل ما يجيده هو "العرض" على الطريقة السينمائية، إذ أصبح الكومبارس اليوم بطلا مدافعا عن حرية التعبير وحقوق الإنسان. وفي السياق نفسه، يتحول الموظف الذي عاش على التزوير إلى كاتب ملهم، كما يتحول العجوز الأحمق المتلون إلى واحد من كبار كتاب الوطن!

على أن العرض السينمائي قد يمر على من يجهل أصل الحكاية، ولكنه لا ينطلي على من عايش التجارب من بداياتها، وإذا سمعتم الهرج في المدينة، فلن تحصلوا في تلك البيادر القاحلة من الحقيقة إلا قليلا. محظوظون إذا حصلتم على أكثر من 20 في المئة من الحقيقة، بينما الثمانون الأخرى فخليط من الأضاليل والتزوير يريدون تمريرها على أشلاء الصامتين. ابحثوا عن السبب.

كل هذا الضجيج ليس بسبب المبادئ و"القيم الإنسانية" المزدهرة سوقها هذه الأيام، يخدعكم من يقول ذلك ومغفل من يصدقه. ولأننا نعرف المعادلة من الداخل، نقول انه صراع رؤوس الأموال حين تتناطح على طريقة المصارعة التايلندية. هل رأيتم المصارعة التايلندية؟ كل أساليب الضرب مشروعة مادامت ستؤذي الغريم! لا توفر فيها طريقة من طرق الإيذاء، رفسا وضربا فوق وتحت الحزام! وإذا لم تنجح الجوائز والاغراءات، فليكن الهجوم الكيماوي على طريقة "حلبة"، المهم أن تفوز بجولة في هذه المباراة "الرأسمالية" الطويلة!

وعلى هامش هذا القتال غير الشريف، يحاول البعض بيع البيض الفاسد علينا، وينسى أن من تحول إلى مخلب في قفاز أحد الغرماء هو أبعد الناس اهلية عن الحديث عن حرية التعبير والاستقلالية، وخصوصا أن تاريخه لا يشهد له بصحة دعاواه. وأن الانتقال من "وظيفة" إلى أخرى إنما جريا وراء "رأس المال" ولمن يدفع إليه أكثر! وينسى أن الجمهور يبدأ بسحب ثقته من أمثال هذه "الذاوت" المتضخمة كلما تورطوا أكثر في دور المخلب الطاهر البريء!

الجمهور المصري رفع شعار "كفاية" بعد أن مل العروض السينمائية الباهتة، أما نحن فقد مللنا باعة "حرية الكلمة والتعبير" و"سمكرية" "حقوق الإنسان" في زمن لم يعد رفع هذه اللافتات يكلف صفعة شرطي أحمق على الوجه!

ثقوا جميعا أنها ليست خلافات على آراء وكبت حريات في شارع الصحافة، على الأقل حسبما تراه أعيننا من الداخل، دجال من يصورها كذلك، إنما هي الجلجلة: أنين الطعنات وخسائر الإعلانات، وأن هناك طبقة "جديدة" تعيشت على جروح الصحافة، تعتبر نفسها صاحبة امتيازات لا تمس، "تهتم بشعرها ولا تهتم برأسها، وبزينتها أكثر من ثقافتها"، انتاجيتها لا تزيد عن 10بالمئة، وأحيانا "تحت الصفر"، لكنك تجدها في الصف الأول عند كل عرض سينمائي جديد. فاحذروا أن تتسلق على ظهوركم هذه النعاثل الآخذة بالتكاثر هذه الأيام... حتى لو جاءتكم باسم حرية التعبير ونصرة المستضعفين

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 984 - الإثنين 16 مايو 2005م الموافق 07 ربيع الثاني 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً