العدد 988 - الجمعة 20 مايو 2005م الموافق 11 ربيع الثاني 1426هـ

نحو حلول مستقبلية لمشكلة العجز الهيكلي في الموازنة المالية

في ضوء مناقشات الموازنة

في ضوء المناقشات الجارية حاليا للموازنة المالية، ووسط السعي إلى تحسين صورتها سواء من حيث الهيكلية أو درجة الشفافية، نستذكر دراسة للأمانة العامة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية عن العولمة والسياسات المالية والنقدية في دول مجلس التعاون الخليجي طالبت فيها دول المجلس بأن تضع ضمن أهم الأولويات المستقبلية لها مشكلة العجز الدائم في موازناتها المالية، مشيرة إلى أن استمرار العجز في الموازنة قد يؤدي إلى تحييد السياسة المالية بسبب ارتفاع نسبة المصروفات الجارية في الموازنة من رواتب وصيانة وخدمات دين وبالتالي عدم القدرة على استخدام أدوات السياسة المالية إضافة إلى ذلك فإن للعجز الحكومي آثارا سلبية على كفاءة السياسة النقدية بسبب ما يمكن أن يحدث من تضارب بين الأهداف التي تسعى السلطات النقدية إلى تحقيقها.

ومن المعروف أنه وعلى رغم وجود عدد من السياسات الاقتصادية التي يمكن استخدامها للتأثير على النشاط الاقتصادي فإن أهمها السياستان المالية والنقدية. وتعرف السياسة المالية بأنها التغيير المتعمد في الإنفاق الحكومي أو جباية الضرائب بهدف التأثير على بعض المتغيرات الاقتصادية ذات الأهمية لصانعي القرار السياسي والاقتصادي في الدولة. أما السياسة النقدية فهي جميع ما يقوم به المصرف المركزي بهدف التأثير على حجم النقود المتداولة أو ما يطلق عليه عرض النقود من تم على بعض المتغيرات الاقتصادية وقد تتشابه الأهداف العامة التي تسعى الى تحقيقها السياستان المالية والنقدية، ولكن بسبب اختلاف الظروف الاقتصادية السائدة والتطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي فقد تكون إحدى هاتين السياستين أكثر كفاءة وفاعلية من الأخرى لتحقيق الهدف أو الأهداف المطلوبة.

ومن الأهداف العامة النهائية للسياسات الاقتصادية تحقيق التنمية الشاملة وخفض معدلات البطالة واستقرار المستوى العام للاسعار وتحقيق العدالة في توزيع الدخل والثروة والمحافظة على استقرار اسعار الصرف. لذلك، فإن ارتفاع نسبة الإنفاق الجاري إلى إجمالي الإنفاق وفي ظل عجز مزمن في الموازنة وتذبذب أسعار النفط عالميا سيضعف القدرة على استخدام الإنفاق الحكومي للتأثير على النشاط الاقتصادي. ومع تنامي التوجه لدى عدد من دول المجلس نحو الاقتراض الداخلي خلال الاعوام القليلة الماضية مع عدم وجود بنود في الموازنات الحكومية المنشورة لخدمة الدين يدعو إلى الاعتقاد أن نسبة النفقات الجارية الحقيقية قد تكون اكبر مما تعكسه الأرقام المنشورة.

إن السياسة النقدية تتميز عن السياسة المالية بتوفير عدد أكبر من الأدوات التي يمكن استخدامها لتحقيق الأهداف النهائية للسياسات الاقتصادية. وللوصول الى الهدف النهائي للسياسات النقدية لابد من وجود خطة متكاملة للربط بينها وبين أدوات السياسة النقدية المتوافرة لدى السلطات النقدية عن طريق مجموعة ومن خلال دراسة الأهداف الوسيطة للسلطات النقدية في دول مجلس التعاون يتضح اشتراكها في مجموعة منها العمل على استقرار سعر صرف العملة المحلية ومراقبة التوسع الائتماني والعمل على توجيهه نحو القطاعات المنتجة في الاقتصاد والمساهمة في ايجاد وتطوير سوق نقدية ومالية. وبالنسبة إلى أدوات السياسة النقدية فإن أهميتها تختلف باختلاف التطور الاقتصادي والمالي للدولة ودرجة انفتاحها على العالم الخارجي، كما أنه من أهم أدوات السياسة النقدية نسبة الاحتياطي القانوني وسعة الخصم وعمليات السوق المفتوحة وسعر الصرف، بالإضافة إلى التدخل المباشر مع السلطات النقدية للتأثير على قرارات الاقراض والتمويل من قبل المصارف التجارية أو ما يعرف عادة بالاقناع الادبي. إن عجز الموازنة الحكومية في معظم دول المجلس بما فيها البحرين هو عجز هيكلي ولا يمكن التعامل معه بحلول تمويلية، وقد تكون مجدية على المدى القصير، ولكن ضررها كبير على المدى الطويل. ولمواجهة تحديات العولمة وانعكاساتها المختلفة على السياسة المالية فإنه لابد من وضع سياسات مالية لتصحيح الخلل الهيكلي الذي حصل في جانبي الايرادات والمصروفات بهدف موازنة الحكومية وتسديد ما أمكن من الدين العام في اقرب وقت ممكن. كما يتوجب التأكيد في هذا الإطار على ضرورة ترشيد الإنفاق الحكومي وتوجيهه نحو القطاعات المنتجة محليا نظرا أن معظم الطلب على السلع والخدمات طلب على سلع وخدمات غير محلية أو أنها منتجة محليا، ولكن بقيمة مضافة منخفضة. ولذلك فإن العجز الحكومي على عكس الحال في الدول التي تستهلك معظم ما تنتج الى كونه استنزافا للموارد المحلية المحدودة والناضبة وبناء عليه يجب أن يكون من أولويات السياسة المالية في المستقبل توجيه الإنفاق الحكومي نحو القطاعات الاقتصادية ذات القيمة المضافة المحلية والعالمية كقطاعات التشييد والبناء والتعليم على سبيل المثال. إن النفقات الجارية تشكل نسبة عالية من اجمالي الإنفاق العام وقد تزايدت هذه النسبة خلال العشر السنوات الماضية. وتكمن إحدى السبل العملية للحد من نمو هذه النفقات في تسريع عمليات التخصيص بما يتلاءم مع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المحلية ويؤدي الى زيادة كفاءة وفاعلية المؤسسات والشركات الحكومية ولابد لها من وضع خطط واضحة ومحددة تهدف الى اعادة استثمار ايرادات التخصيص في أنشطة استثمارية، آخذين في الاعتبار توجيه تلك الاستثمارات نحو المجالات التي تتمتع بها البلاد بتميز نسبي وتؤدي إلى تشغيل العمالة الوطنية ونمو الناتج المحلي

العدد 988 - الجمعة 20 مايو 2005م الموافق 11 ربيع الثاني 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً