العدد 989 - السبت 21 مايو 2005م الموافق 12 ربيع الثاني 1426هـ

النووي الإيراني بين التوافق الدولي والتطبيع الأميركي

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

اذا كان صحيحا انه ليس هناك ثمة ضوء في نهاية النفق الذي صنعته الولايات المتحدة و"إسرائيل" بخصوص التوصل الى حل مرضي للملف النووي الإيراني على قاعدة "الحلول التوافقية" التي كان يسعى اليها كل من الاتحاد الأوروبي وطهران من خلال مفاوضاتهما المكوكية التي تقترب من نهاياتها "المسدودة" في الأسابيع المقبلة، فإن الصحيح ايضا انه ليس هناك ثمة "توافق نهائي" بين الاطراف الدولية المتباعدة والمتناثرة في مصالحها واستراتيجياتها تجاه الشأن الايراني، بشأن طريقة المعالجة المثلى لهذا الملف "الخطير" فيما لو خرج من السيطرة "التفاوضية" الحالية التي ترعاها الترويكا الأوروبية عند الوصول الى "نهايات الحائط المسدود" في الصيف المقبل كما يتوقع المفاوضون والمراقبون واللاعبون الكبار والصغار، الامر الذي يجعل من "الملف النووي" الايراني اشبه بالشوكة أو "الموس" التي ابتلعها "حلقوم" المجتمع الدولي ولم تعد قادرة لا على بلعها ولا على إخراجها الا باستخدام الدواء المستخلص من جنس الداء نفسه اذا ما كنا نبحث عن "حل ما" أو اللجوء الى ما لا تحمد عقباه من العمليات الجراحية التي تحمل في طياتها بعض الالم وبعض "الدماء" ربما اذا ما أصر الجانب الأميركي والاسرائيلي على ان "آخر الدواء الكي"! من هنا بالذات يعتقد الكثير من المحللين والمراقبين الاستراتيجيين الغربيين عموما والاميركيين وخصوصا أن "الملف النووي" الإيراني بات اشبه بـ "المستنقع" الجديد أو الاضافي الذي لعبت دوائر اسرائيلية ويمينية أميركية متطرفة ايقاع الادارة الأميركية والمجتمع الدولي ومنه الاتحاد الأوروبي فيه ليضاف الى مستنقع العراق بما من شأنه تقوية كل حوافز "العسكرة" والتوتر العالمي الذي تسعى اليه تلك الدوائر لابقائها ممسكة بمفاتيح اللعبة الامبراطورية التي تسعى من خلالها إلى الهيمنة النهائية على القرار العالمي طبقا لمخطط مرسوم بعناية ودقة ومنذ أمد بعيد.

السؤال الآن هو إلى متى يقبل اللاعبان الاساسيان في "الحلول التوافقية" وهما الترويكا الأوروبية وطهران بالبقاء في موقف "المراوحة" الخطير الذي يقترب من نهاياته المأسوية فاتحا الباب الى حل "آخر الدواء الكي" كما أسلفنا، غير عابئين بنتائج مثل هذا الموقف "غير المسئول" امام اصرار أصحاب الرأي الآخر على افشال كل أمل في أي "حل توافقي" بحجة "انعدام الثقة" بالطرف الإيراني.

الراسخون في "علم" هذا الملف الشائك يقولون ان المشكلة تكمن في الواقع في مكان آخر وهو الموقف الدولي من السياسة الإيرانية العامة ولاسيما تجاه قضية "الصراع العربي - الاسرائيلي" والقضية الفلسطينية وهي السياسة التي باتت أشبه بـ "الوحيدة" التي تغرد خارج سرب "المجتمع الدولي" ناهيك عن قيادته الأميركية المنحازة لـ "إسرائيل" بامتياز.

وهنا يكمن بيت القصيد أو مربط الفرس في كل ما يرفض من "حلول توافقية" سواء جاءت من الطرف الايراني أو الطرف الأوروبي والحجة الدائمة تبقى هي هي: "لا ثقة لنا بالموقف الإيراني الذي لايزال يرفض التعامل مع الحلول السلمية لازمة الشرق الأوسط ناهيك عن الاعتراف بـ "إسرائيل" أصلا".

بمعنى آخر فإن "مجتمعا دوليا" تقوده أميركا المحابية لـ "إسرائيل" بامتياز ليس فقط قادر على ايجاد "حل توافقي" للملف النووي، بل انه ليس لديه مانع حتى من تحول إيران مستقبلا الى باكستان أو هند جديدة اذا ما ضمن ذلك المجتمع الدولي "ايرانا" متعاونة مع القيادة الأميركية للعالم ومستعدة للدخول الى "الحظيرة الدولية" من البوابة الاسرائيلية.

وهنا يكمن في المقابل بيت القصيد أو مربط الفرس في كل ما يرفض من "حلول" تعتبرها طهران "الغائية" لمشروعيتها الداخلية والدينية والثورية بل وحتى القومية.

وهنا يطل ملف تطبيع العلاقات الإيرانية الاميركية برأسه بقوة على المشهد النووي الايراني، ما يجعله يكاد يكون "المخرج الوحيد" لدى البعض أو "العلقم" الذي لابد من تجرعه لدى البعض الآخر لضمان أي "حل توافقي" قادر على منع اللجوء الى "آخر الدواء الكي"!

لذلك ولغيره من تفاصيل غير مرئية ثمة من يربط بقوة آفاق "حلول توافقية" ممكنة للملف النووي الايراني مع استحقاقات الرئاسة الايرانية التي تقترب آفاقها مع كل يوم نقترب فيه من 17 يونيو/ حزيران المقبل.

قد يكون الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني وهو المرشح الاقوى للرئاسة الإيرانية حتى الآن، هو الوحيد "المتمرس" في معالجة مشاهد "تجرع العلقم" وبالتالي القادر على "تنفيس" هذا "الاحتقان" الدولي حول الملف النووي الايراني من دون اللجوء إلى "آخر الدواء الكي" لكن هذه المرة وعلى ما أظن بشرط ان يتقاسم الجانب الآخر معه وهنا المعني هو الجانب الاميركي بالذات على تجرع "نصف الكأس" من ذلك العلقم الذي لابد منه بحسب رؤية أولئك "الراسخون" "بعلم" الملف النووي الايراني.

من يضمن منا في عالم مليء بالشكوك وعدم الثقة؟ السؤال تصعب الاجابة عليه بسهولة لكن قد تستطيع طهران المناورة افضل فيما لو لجأت الى توسيع دائرة الباحثين عن "حلول توافقية" من بين اعضاء مؤثرين آخرين في المجتمع الدولي لا يقلون أهمية عن الاتحاد الأوروبي وأعني الصين هنا تحديدا، كما تستطيع ان تربط ملفها النووي وان يكن "قوميا" بامتياز بملفات أساسية هي من صلب عقيدتها القومية كما الدينية وهي القضية الفلسطينية مثلا أو قضية حزب الله لبنان مثلا ما يجعل قدرتها على المناورة الدبلوماسية اكثر فأكثر ربما!

الجانب الاميركي من جهته وهو اللاعب الاقوى في هذا المشهد يأخذ على إيران اصلا انها تلعب بالورقة الضعيفة كما بأوراق منطقة الشرق الأوسط الاساسية، فلماذا لا تلعبها إيران على المكشوف وحتى النهاية مادامت أمام نهاياتها الفاصلة

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 989 - السبت 21 مايو 2005م الموافق 12 ربيع الثاني 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً