العدد 990 - الأحد 22 مايو 2005م الموافق 13 ربيع الثاني 1426هـ

امبراطورية جديدة!

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

إلى أي مدى تستمر "العولمة المتوحشة" في قضم تلك الحقوق والمكاسب التي انتزعتها الشعوب في معاركها ضد الاستعمار القديم وتحديدا في نهاية الحرب العالمية الثانية؟ حتى الآن لا تبدو في الافق القريب ملامح قوة دولية تستطيع مواجهة هذه الرأسمالية في نسختها الامبراطورية الأميركية. إلا أن منطق التطور يفترض ظهور مراكز قوى دولية تملك الإمكانات الاقتصادية والقابلية السياسية لخوض معارك دفاعية تحد من سياسات التقويض التي تقودها الولايات المتحدة. وحتى تنجلي صورة الموقف الدولي "المتخيلة" هناك فترة زمنية لا تقل عن عقدين يرجح فيها أن تبقى أميركا القوة القائدة أو القادرة على املاء شروطها على دول مستضعفة تحتاج إلى مساندة ولا تجدها بعد الفراغ الدولي الذي شهده العالم بخروج "الاتحاد السوفياتي" من السباق، وفشل الاتحاد الروسي "أو الأوروبي" في تشكيل نقطة توازن تسمح بالمنافسة. فالميزان حتى هذه اللحظات وإلى وقت قريب سيبقى يميل إلى مصلحة الكفة الأميركية.

هذا الفراغ الدولي المؤقت تعتبره بعض الاجنحة المتطرفة والمسيطرة على الإدارة الأميركية فرصة تاريخية يجب اغتنامها لتسجيل أكبر عدد من الانتصارات، وتثبيت مواقع دفاعية تسمح لواشنطن في المستقبل بأن تفاوض عليها.

هناك إذا فترة أميركية "قصيرة أو طويلة" لابد من اجتيازها بأقل الخسائر حتى لا تكون الكلفة غالية الثمن، ويصعب تسديدها أو تجاوز نتائجها كما هو حاصل الآن في موضوع العراق. فهذه الدولة محطمة وتحتاج إلى سنوات لترميمها أو إعادة إنتاجها حتى لو استقر وضعها الأمني وسار الوئام الأهلي بين جماعاتها.

هذا جانب من المشكلة وهو يتعلق بالسياسة العقلانية الممكن اتباعها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من خسائر أمام توحش الرأسمالية الامبراطورية التي تقودها إدارة البيت الأبيض.

الجانب الآخر لا يتعلق بالدول ومدى استجابتها للضغوط والشروط بقدر ما يتصل بالسياسة الأميركية نفسها ومبالغتها في فرض استراتيجيتها ضد دول معينة بقصد تطويعها أو تحطيمها لأهداف لا علاقة لها بالتنمية أو الديمقراطية أو حقوق الإنسان.

الجانب هذا تقع مسئوليته على واشنطن وليس على الدول المعنية وهو يتصل باستراتيجية أميركية تعتمد مبدأ التقويض وليس التطوير، وتستخدم أسلوب الاخضاع القسري بالسلاح والقوة بدلا من خطوات التطويع التي تتبعها واشنطن أحيانا مع دول لا تصنفها ضمن لائحة الشر أو الدول المارقة أو الفاشلة.

هذه الاستراتيجية العدوانية تشكل حالات نموذجية في أسلوب تعاطيها مع الدول. وهي سياسة تنتمي إلى نهج ارتدادي "نكوصي" يذكر بالاستراتيجية الاستعمارية في شكليها القديم والجديد التي اتبعتها أوروبا في القرنين التاسع عشر والعشرين. فتلك الاستراتيجية لجأت إلى افتعال المشكلات مع دول محددة لتبرير عدوانها واحتلالها. وهذا ما تكرر في أكثر من فترة وانتهى مرارا إلى مواجهات على مستويين: الأول اندلاع الصراع ومن ثم الحروب الأوروبية - الأوروبية على اقتسام الغنائم والأسواق. والثاني انفجار حركات تحرر شعبية ووطنية انتهت إلى نمو نزعة قومية في العالم الثالث للاستقلال عن الهيمنة الأوروبية.

الآن تتنازع الإدارة الأميركية أكثر من وجهة نظر للتعاطي مع شعوب العالم في هذه الفترة الزمنية القصيرة. فهناك رأي واقعي يتجه نحو تعزيز وسائل السيطرة عن بعد من خلال تعديل قوانين الدول، وفرض أنظمة وشروط عليها لتكييف سوقها حتى تتناسب مع المصالح الأميركية. وهناك رأي تسلطي يتجه نحو استلهام التجارب الأوروبية، واغتنام الفرصة للانقضاض على تلك الدول والتهام خيراتها ونهب ثرواتها مباشرة وعن طريق القوة والاحتلال.

السياسة الأميركية الآن تتأرجح بين خطين مع غلبة نسبية لمصلحة الاتجاه الذي يرغب في تطوير استراتيجية "الحروب الدائمة"، وكسر تلك الدول التي لاتزال "متمردة" على إدارة واشنطن اختصارا للوقت وبذريعة منع نهوض مواقع إقليمية قد تشكل في المستقبل قوة تهديد للمصالح الأميركية.

يبقى الجواب في النهاية معلقا بين صورة إدارة متوحشة تنظر إلى العالم كساحة للرأسمالية الامبراطورية الجديدة وبين واقع دولي بدأ ينتج ممانعة ولكنه لم يتوصل إلى تركيز مواقع قوة تسمح بمواجهة حقيقية تضع حدا لطموحات تجاوزت المدى السياسي المتعارف عليه بين الأمم

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 990 - الأحد 22 مايو 2005م الموافق 13 ربيع الثاني 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً