العدد 994 - الخميس 26 مايو 2005م الموافق 17 ربيع الثاني 1426هـ

حوار الطرشان بين أوروبا وإيران بشأن النزاع النووي

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

السيناريو الذي يخشاه الأوروبيون ودول الشرق الأوسط أن يصحوا يوما على نبأ عاجل تنقله وكالات الأنباء العالمية والفضائيات ويتحدث عن هجوم عسكري جوي مفاجئ على إيران إن كان من جانب الولايات المتحدة أو من جانب حليفتها "إسرائيل". في زيارته الأخيرة إلى واشنطن قال رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون إن الوقت لا يسير لصالح "إسرائيل"، وكان يشير إلى ما قدمه من معلومات حصلت عليها المخابرات الإسرائيلية "موساد" يزعم أن البرنامج النووي الإيراني دخل مرحلة متقدمة. غير أن المدير التنفيذي للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي صرح بأن الأنشطة التي تقوم بها إيران لا تشير إلى أنها في الطريق لتصبح قوة نووية.

وربما كان هذا التصريح من بين الأسباب التي تعتزم الولايات المتحدة البحث عن بديل ليخلف البرادعي في منصبه، والحيلولة دون التجديد لهذا الدبلوماسي المصري العتيق.

ويخيم بعض التوتر على العلاقات بين إيران والغرب بسبب تهديد إيران مرة أخرى بإعادة تشغيل أنشطتها النووية بعد أن قبلت واشنطن على مضض التزام الصمت حتى يحصل الأوروبيون على فرصة جديدة لإقناع إيران بالتراجع عن طموحاتها النووية. وهددت واشنطن بنقل النزاع إلى مجلس الأمن الدولي، وحصلت على تعهد من الأوروبيين بدعم مثل هذا القرار إذا انتهت المفاوضات بالفشل.

الأوروبيون من جانبهم لا يريدون حربا جديدة في الشرق الأوسط والخليج ولا يريدون نقل النزاع إلى مجلس الأمن الدولي، لذلك يبذلون قصارى جهدهم لاحتواء النزاع الجديد مع إيران عقب تهديداتها بإعادة تخصيب اليورانيوم. ويريد الأوروبيون على عجل عدم تفاقم الأزمة والتصعيد من خلال ترتيب لقاء عاجل مع وكيل مجلس الأمن القومي في إيران حسن روحاني وإنقاذ المفاوضات الجارية مع الثلاثي الأوروبي "بريطانيا وفرنسا وألمانيا" من الفشل.

وتصدر عن إيران يوميا تهديدات تتحدث عن عزمها العمل من جديد في تخصيب اليورانيوم بعد أن أوقفت العمل به إعرابا عن نوايا حسنة تجاه المفاوضات مع الأوروبيين. وترمي الترويكا الأوروبية إلى إقناع إيران بوقف كل الأنشطة النووية ومواصلة المفاوضات حتى مع حلول المرحلة الحاسمة لحملة انتخابات الرئاسة في إيران. غير أن الأوساط الأوروبية تستبعد التوصل إلى اتفاق بالخصوص قبل موعد انتخابات الرئاسة بتاريخ 17 يونيو/ حزيران المقبل. وترى هذه الأوساط أن الصورة ستتبلور أكثر بعد هذا التاريخ وخصوصا أن هناك اعتقادا سائدا لدى الأوروبيين أن الرئيس الإيراني السابق رفسنجاني المعروف بنهجه المتشدد على رغم براغماتيته، يملك أقوى الفرص لخلافة الرئيس محمد خاتمي.

وكان وزراء خارجية دول الترويكا، بارنييه وسترو وفيشر بالإضافة إلى منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي خافيير سولانا، قد بعثوا رسالة مشتركة إلى طهران بتاريخ 11 مارس/ آذار الماضي أشاروا فيها إلى أن كل عملية خرق لاتفاق باريس الذي تم التوصل إليه في اكتوبر/ تشرين الثاني 2004 يهدد بفشل المفاوضات، وأن على إيران أن تحسب ألف حساب للعواقب الوخيمة.

وعلى رغم إعلان روحاني عدم قدرة بلاده على مواصلة المفاوضات من دون تشغيل جزء من برنامجها النووي، إلا أن القيادة الإيرانية وافقت على وقف البرنامج حتى الاجتماع الجديد مع وفد الترويكا الذي قد يكون آخر جولة من المفاوضات. وتشير الأوساط الأوروبية لاحتمال أن يكون الهدف من وراء التهديدات الإيرانية بعودة تشغيل برنامج تخصيب اليورانيوم قد لا يكون غير مناورة سياسية، لكنها تؤكد في الوقت نفسه عدم الاستسلام للأوهام، وان إيران قد تكون جادة في تنفيذ تهديداتها. وبالنسبة إلى الأوروبيين فإن الهدف من الحديث مجددا مع الإيرانيين هو منع التصعيد وحصر الخسائر قدر المستطاع.

وكانت الحكومة الإيرانية قد وافقت في اكتوبر 2003 بعد مفاوضات مضنية تمت مع وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا على السماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفتيش دقيق لمنشآتها النووية، كما وافقت على وقف تخصيب اليورانيوم مؤقتا وذلك من جانبها. وهكذا نجح الأوروبيون في وقف التصعيد آنذاك، ومنع انتقال النزاع إلى مجلس الأمن الدولي. وبعد محاولات متكررة قامت بها إيران للالتفاف على اتفاق باريس الأول تم التوصل لاتفاق ثان في باريس في اكتوبر 2004 يرمي إلى وضع ضمانات تكفل أن يكون هدف البرنامج النووي الإيراني خدمة أهداف مدنية. وبمقتضى هذا الاتفاق حصلت إيران على اعتراف الأوروبيين بحقها في استخدام التقنية النووية على قاعدة المعاهدة الدولية للحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل من دون أي تمييز.

في هذا الوقت أكدت القيادة الإيرانية عدم وجود نوايا لديها لامتلاك أسلحة نووية، غير أن كل طرف في هذه المفاوضات يفسر مضمون الاتفاق على ضمانات موضوعية بصورة تختلف عن رأي الطرف الآخر. فالجانب الأوروبي يرى أن الاتفاق يفرض على إيران وقف كل أنشطة البرنامج النووي بما فيها التخلي عن تخصيب اليورانيوم. أما الجانب الإيراني فيرى أن من حقه مواصلة تخصيب اليورانيوم حتى تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ويصر الجانب الإيراني على حقه في العمل ببرنامج نموذجي مؤقت تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية يقضي بتخصيب اليورانيوم، ثم يجري تطوير هذا البرنامج، وهو ما رفضه الأوروبيون الذين يشيرون إلى أن وقف التخصيب يوفر ضمانات بأن البرنامج النووي الإيراني مخصص لأهداف مدنية.

أوروبا مصممة على مواصلة المفاوضات مع إيران، ويشير دبلوماسي أوروبي إلى عزم أوروبا المضي بذلك ما يحتم عليها البحث دائما عن مقترحات للحصول على ضمانات جديدة، كي لا يجري نقل النزاع إلى مجلس الأمن. غير أن أوروبا واثقة أيضا أن هذا النزاع لا يحله أكثر من حل واحد: أن تتعهد إيران بوقف أنشطتها النووية بصورة نهائية

العدد 994 - الخميس 26 مايو 2005م الموافق 17 ربيع الثاني 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً