العدد 2407 - الأربعاء 08 أبريل 2009م الموافق 12 ربيع الثاني 1430هـ

صِنَاعَةُ الجَرِيمة

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بن تسيون هو والد بنيامين نتنياهو. مؤخرا أجرت معه صحيفة معاريف الصهيونية لقاء أظهر فيه يمينية فجّة حتى شحمة الأذن. فهو يرى أن التّسوية السلمية «مع الفلسطينيين على أساس مبدأ دولتين للشعبين هو مجرد وهم».

وأن «الحل الوحيد للصراع هو أن تفرض «إسرائيل» سيادتها بالقوة على فلسطين الكاملة». وأن «ابنه، بنيامين يملك تفكيرا مماثلا له، لكنه يتمنّع عن قول ذلك جهارا خشية ردود الأفعال في داخل الكيان وخارجه».

نتنياهو الأب قال شيئا خطيرا. فهو كمؤرّخ يحمل درجة الأستاذية (كما يقول) يعتقد «بأنه لا يوجد شعب فلسطيني، لذا فلا يحق للفلسطينيين أن تكون لديهم دولة. ويجب أن تبقى «إسرائيل» مسيطرة على فلسطين، وأن على تل أبيب أن تردع العرب، وتبادر إلى شن هجوم كاسح يجعلهم يعانون عناء فظيعا».

هنا يجب الالتفات إلى مسألة مهمّة. فالخبر مُثير كعنوان صحفي، لأنه يخصّ والد رئيس الوزراء الصهيوني، لكن أهميته تزيد أيضا كون هذا الوالد يملك درجة الأستاذية في التاريخ، وبالتالي فإن عداءه الفظّ للعرب والفلسطينيين يعكس لوثة في العقل الصهيوني، وأزمة الإنتلجنسيا هناك.

إذا كانت الطبقة السياسية وخارطة الأحزاب تعمل وفق مقتضيات الدولة ومتطلباتها البيروقراطية، فإن رجال الفكر يجب أن تكون اهتماماتهم بمصداق عنوان ما يحملون من ألقاب وليس شيئا آخر.

ما يُعْمِلُهُ مفكرو الكيان الصهيوني من تنظير للجريمة وتزوير التاريخ يُذكّرني بما كانت تسعى إليه بعض الأنظمة السياسية التي تتسيّد على مجموعة إثنيات وقوميات مختلفة بإحالة موضوع هذه القوميات لمراكز بحوث ودراسات للخروج بنتائج علمية تُذوّب أصولها، وتنسبها إلى أقوام مطواعة أو هي محلّ سيطرة سياسية.

أو أن تقوم بتراتبيتها وتبويبها حسب العِرْق والجنس كما فعلت النازية مع شعوب العالم. وربما كان اليهود هم أكثر المتضررين من الرايخ الثالث في ثلاثينيات القرن المنصرف، وبالتالي فهم الأقدر على تفهّم معاناة الشعوب.

لقد قامت هذه العقول الصهيونية بالتلاعب في مُسمّيات الهوية. فأعادت إنتاج اليهودية لتضعها كحالة إثنية، ويتحول مُنتسبوها إلى حاملي هويات وطنية حالهم كحال باقي الدول الأخرى من بريطانيين وأميركيين وأترابهم.

هنا يُصبح الحديث عن دور المُفكّرين حسّاسا. وهو أمر ينسحب حتى على العلماء في مختلف المجالات حين يتحوّلون إلى بطانة مافيا تتحالف مع المال والسياسة لإعادة تقديم الجريمة بشكل آخر.

ومن المفيد هنا فهم ما كتبه ستيفن مايلز مُؤلّف كتاب «خيانة القسم». حين تحوّلت الطبابة في الجيش الأميركي إلى مفرزة عسكرية قاهرة، ومتعطّشة للقتل والتعذيب. إنه تلازم فجّ لتبرير ما يخُالف العُرف والعقل والأخلاق.

وبالرجوع إلى الوثائق السّبع التي أُفرِجَ عنها في واشنطن مؤخرا والتي كُتِبَت إبّان حملة الرئيس بوش على الإرهاب سنرى ذلك جليا. لقد تمّ «إلغاء الاتفاقيات والمعاهدات الدولية وتعليق الضمانات الدستورية لحرية التعبير، وحرية الصحافة، وإصدار الأوامر بإجراء تفتيش بدون إذن، والتنصّت على المكالمات الهاتفية، ومصادرة الوثائق والمستندات، والسجن إلى أجل غير محدد» لقد صِيغَت تلك الوثائق على أيدي فقهاء للقانون وأعلم الناس بمداخله. لكنها كانت في اتجاه مغاير (راجع ما كتبه وليام فاف).

اليوم في الكيان الصهيوني تسير الأمور بذات الطريقة. فالمُفكّرون في تل أبيب باتوا يُشرّعون لكل ما يمتّ بالمحكمة الصهيونية العليا بصلة، والتي تحكم منذ العام 1958 عوضا عن الدستور الذي لا يزال الكيان الصهيوني يرفض تدوينه.

نحن نتحدث عن قانونيين كبار شرّعوا تدشين سبعة وعشرين مستوطنة في القدس ومحيطها. غوش عتصيون وتحوي أربعة عشر مستوطنة. «معاليه ادوميم» وتضم ثمان مستوطنات. «غفعات زئيف» وتضم خمس مستوطنات. وفي كل ذلك فهم لإعادة كتابة التاريخ وتجيير العلوم لصالح ماخور المال والسياسة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2407 - الأربعاء 08 أبريل 2009م الموافق 12 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً