العدد 2904 - الأربعاء 18 أغسطس 2010م الموافق 08 رمضان 1431هـ

مَوْلايْ

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

حَفَّزني كتاب «لويس جان كالفي» بشأن حرب اللغات لأن أكتب حول ما يَصِلُ ذلك بالعراق. وإذا كنتُ أعتقد (ومازلت) بأن الملف الإيراني الذي أسْبِرُ غوره منذ أحَدَ عَشَرَ عاماً هو ملف «التعقيد والعُقَد» فإنني بِتُّ أتيقّن يوماً بعد آخر، أن الملف العراقي ومنذ الاحتلال الأميركي هو ملف «العجائب والمصائب».

في كلّ مرّة أستغرق في شئون هذا البلد أصِل إلى نتائج جديدة. بالتأكيد، فإن تلك النتائج تسبقها أحداث. ويسبق تلك الأحداث توجيه وتجييش سياسي وإثني. ويسبق ذلك التوجيه حِرَاكٌ على هامش الفِعل. هذه المرّة لامَستُ إحدى عجائب العراق ومصائبه تتعلّق بالخطاب. فالتبدّل الذي أصاب البلد منذ سبعة أعوام هو بُنيَوي وعميق، لكنه هشّ في تركيبته الجديدة.

فالعاصمة بغداد، التي تُشكّل دالَّة الحَدَث العراقي سياسياً وأمنياً وثقافياً، بدأت تُصاغ مَدَنِيَّتها وهويّتها الخطابية على إفاضات الريف الجنوبي «الشيعي». فبعد أن حاول نظام صدّام حسين أن «يُريِّفَ» لسانها وفق النَّسَق التكريتي «السُّنّي» جاء الحُكّام الجُدد بمعالجة ديموغرافية وثقافية مماثلة لا تقلّ سوءاً عن معالجات البعث منذ منتصف الثمانينيات.

لك أن تتخيّل أن ضمّ الحروف لدى البعض (سُنَّة) وكسرها لدى البعض الآخر (شيعة) بات يُوشِّر إلى حالة انتماء «طائفي» مُحتَقِن. وفي الفترة التي تلت سقوط بغداد، واستيلاء الأحزاب الحاكمة اليوم على مفاصل الحُكم، قد حوّل «وكلاء الوزارات» و»المُديرون العاّمون» و»الضّباط» في القوات المسلحة والقوى الأمنية لأن يلهجوا بكَسْرِ الحديث.

لقد غيَّر ذلك من ميزان القوى في الدولة ومؤسساتها فضلاً عن المجتمع البغدادي، الأمر الذي ألحَق تبدّلاً في قضايا الاجتماع أيضاً. فمن نَشَأ يضّم كلماته في الحديث صار لِزاماً عليه أن يكسرها لكي يجتاز «التعقيد» البيروقراطي، وأحياناً السلامة الشخصية. وهو أمرٌ انعكس أيضاً على مناطق أخرى كانت مرهونة بيد الميليشيات المُسلّحة التي ألزَمت ساكنيها بنظام خطابي ولغوي مضاد.

لقد أصبحت كلمة «أغاتي» التكريتية تُستبدَل بكلمة «مولاي» الجنوبية. و»خَيِّيْ» بـ «خْوَيّة» و»عَجَل» بـ «جا» وعكسهما صحيح في المناطق التي تقتضي المُعادلة. في السّابق، كان التباهي بالمذهب ينطلق من الترميز. فمن يُغطّي الزجاج الخلفي لسيارته بصورة للكعبة المُشرّفة أو بيت المقدس فهو «سُنِّي» الانتماء. ومن يُغطّيها بصور لمراجع تقليد أو بشخصيات تاريخية فهو «شيعي» الانتماء.

ثم تطوّر الأمر أكثر، حيث بدأ الالتفات إلى الأسماء العشائرية التي أعيَتْ عَرّابي الفرز الطائفي في نهاية الأمر، فعشائر العراق في أغلبها مشطورة. فمن كان «شيعياً» في الجنوب من آل شمّر، هو «سُنّيٌ» في الشمال، وهكذا الحال بالنسبة لآل الزبيدي والعبيدي وحتى العزّاوي وإن باختلاف.

لذا فقد تمّ اللجوء إلى الأسماء المُفرَدة كـ «علي» و»عُمر» و»عبدالزهرة» و»زياد»، حيث دَفَعَ أصحاب هذه الأسماء ثمناً باهظاً خلال الحرب الطائفية التي أعقبت تفجير مرقد العسكريين قتلاً وتهجيراً.

بالتأكيد ليس الموضوع على هذا النوع من التوصيف فقط، وإنما انسحب على قراءات أخرى أكثر خطورة. فإعادة صوغ المدينة على أسس طائفية، يكتنفه جانب خطير ومُعقّد من التشويهات. فالتحوّل القائم على «مدنيّة» تُسلّم مقاليدها إلى «الرّيف» يستلزم إعادة إنتاج العاصمة من جديد، وفق مسار ينقل الوافدين من الطبقات المُعدَمة إلى الوسط.

أُأكّد على الأمر لاعتبارَيْن رئيسيين. الأول: يتعلق بإخلاء بغداد من الفئات المتعلّمة التي أمسكت بالدولة طيلة العقود الماضية، الأمر الذي كرّس الحاجة إلى سدّ الفراغ. الثاني: هو إمساك غير المُؤّهلين من الوافدين الجدد على أهم المراكز الحساسة في العاصمة، سواء الأمنية منها أو التنفيذية. وهو ما تُؤكّده مسيرة الدولة ما بعد الاحتلال. (للحديث صلة).

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2904 - الأربعاء 18 أغسطس 2010م الموافق 08 رمضان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 1:30 ص

      الحل وين؟؟؟؟؟

      يعني ويش الحل للعراق؟؟؟؟؟؟؟؟ راحت عليهم بالعربي الفصيح

    • زائر 2 | 1:24 ص

      تسلم

      بارك الله فيك يا محمد
      شوفنا في البحرين الي يتكلم محرقي او ستراوي او منامي مباشرة يحولون الموضوع الى : هدا سني وهدا بحراني . يعني مشكلة اللغة مثل ما قلت ورطة رغم انها وسيلة للتحدث مع الناس

    • نور الحق | 11:53 م

      3يتبع لما قبله

      بس اهم نقطة احب انوه لها تره الجار قبل الدار يعني والنبي وصا بسااااابع جار فأرجو من الجار اللصيق وبقية الجيران احترام هذا البلد والكف عن أهله ليعيشوا هانئي البال مرتاحي الخاطر كفاهم حروب وتنازعات فقد تمزقت اوصالهم اشلائهم أوصال على مسارح عاركم وذلكم يا أصحاب الغتر الحمراء والعمائم السودة والبيضاء
      لكم مني وللنابغة كاتبنا المبجل احلى التحية والسلام والى جريدة الوسط الموقرة جزيل الحب والأحترام
      دمتم ودامت العراق وأهلها بخير :) (شب بخير)

    • نور الحق | 11:47 م

      2 يتبع لما قبله

      وتكالب على خيرها ابناء الأمين والمأمون وضاع شعبها على قولة المثل العراقي ( بين حانه ومانه ظاعت أم رمانه ) فحزب الدعوة يطعن بها وتحركه أموال استخباراتيه ينعشها كيانه وأشد مايؤسفنا بأن ذلك الحزب يعمل على طريقة أدفع لي وأغني لك!! يعني مثل نظام راه بر وللأسف انها خطة تخبط عمياء تورث الجنون والغباء ومن ناحية أخرى أموال تضح في ساحات الجهاد ضد رايات التوحيد لتشغل بال المواطن الفقير الذي يكون مشغول دائماً بلقمة عيشه مشغولاً عن نهب ثروات شعبه من نفط ومواد خام أولية

    • نور الحق | 11:37 م

      دولة نهشتها الذئاب من كل جانب

      كلام رائع وسمفونية عذبة عزفت بأوتارها على مسامعنا ولكن ياكاتبنا المبجل لم تجد حبكتها فواقع العراق المرير الذي عاشه في السابق وسيعيشه الآن وبعد آلاف السنين وقع ضحيته ذلك الشعب المناضل المسكين فبعد رحيل عبدالكريم قاسم وصدام حسين والنظام البعثي العراقي اللعين برمته قد توالت عليه طعنات الخناجر المسمومة ونواجد الكلاب المفترسة وتعهدت بأن تمزقه أشلاء بضخ مليارات (التوامين)(والدولارات) وراحت تسقي شعبه سماً زعافا لحساب مصالحها الشخصية والأقليمية وضاع الشعب بين هذه وتلك فلا الجار اللصيق ولا البلد الصديق

    • زائر 1 | 9:57 م

      عجبا

      نشكر الأخ الكريم على هذا المقال...
      تحسين المقال يتطلب أمور :
      الاول : أن يكون العنوان منطبقا على الموضوع أما كلمة ( مولاي ) هل تعطي شمولية للموضوع !!!
      ثانيا : من المهم أن يختار كاتب المقال الألفاظ التي يفهمها الجميع عادة ...
      ثالثا : أن يكون الموضوع مهما مقدر الإمكان... أما أن ما ينقدح في ذهني أكتبه ولوكان قليل الفائدة جدا هذا عجبا من العجاب ...

اقرأ ايضاً