العدد 999 - الثلثاء 31 مايو 2005م الموافق 22 ربيع الثاني 1426هـ

نكسة أوروبية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أصيب الاتحاد الأوروبي بنكسة سياسية جاءت هذه المرة من مكان غير متوقع. فرنسا صوتت بغالبية 55 في المئة ضد صيغة الدستور المقترح. وهذا التصويت له معناه في قارة اندفعت بسرعة نحو توسيع رقعتها الأفقية بضم سلسلة من الدول في إطار سوقها الاقتصادية. فالتصويت جاء من فرنسا التي تقود فكرة الاتحاد وتعتبر الأكثر حماسة لتلك الصيغة، الأمر الذي سيترك بصماته السلبية على المجموعة، وخصوصا تلك الدول المترددة في تطوير علاقات القارة.

الضربة كانت قاسية على الرئيس الفرنسي جاك شيراك وكل أصدقاء فرنسا في القارة وخصوصا ألمانيا وإسبانيا. فالرئيس شيراك أصيب بالذعر واضطر إلى إجراء تغيير في حكومته حتى لا توجه سهام المعارضة "اليمينية العنصرية خصوصا" ضده، وتطالبه بالتنحي عن منصبه الذي تنتهي ولايته بعد سنتين. وبعض دول الاتحاد أصيبت بالإحباط وتحديدا تلك التي انضمت حديثا إلى المجموعة وراهنت على صحة اختيارها ورهنت مستقبلها بنجاح السوق الموحدة.

الصدمة القوية تلقتها تركيا الطامحة إلى الانضمام بعد مماطلة بسبب موقعها الجغرافي "آسيا" وعقيدتها الدينية "الإسلام". تركيا الآن في وضع صعب وأصبحت أمام سؤال: إذا كان الشعب الفرنسي يخاف على هويته من ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا، فكيف ستكون مخاوفه في حال قرر الاتحاد ضم تركيا التي تختلف مع هوية فرنسا في الكثير من العناصر؟

أوكرانيا "نصف أرثوذكسية ونصف كاثوليكية" تواجه المأزق نفسه وتحدي السؤال: ماذا سيكون مصيرها في القارة إذا كانت فرنسا خارج الصيغة الدستورية للاتحاد الأوروبي؟

هناك فعلا مشكلات كثيرة طرحتها عملية التصويت بـ "لا" فرنسية ضد الدستور. هذه الـ "لا" جاءت من مكان غير متوقع، ولذلك سيكون وقعها مضاعفا من كل النتائج المنتظرة من الدول الأخرى في استفتاءات ستعقد في السنتين الجارية والمقبلة. فالرفض لو جاء من بريطانيا لكان وقع كلمة "لا" أقل تأثيرا باعتبار أن لندن غير متحمسة لاتخاذ مثل تلك الخطوة وتعتبر من أكثر الدول الأوروبية ترددا في قبول فكرة الدستور الموحد. فالرفض الفرنسي رفع ذاك الحمل الثقيل عن كاهل بريطانيا المتهمة بأنها الطرف المعرقل لتطور علاقات الاتحاد. كذلك أعطى الرفض الفرنسي ورقة قوية لحكومة طوني بلير تستطيع أن تستخدمها في تبرير سياستها المترددة، وتغطية سلوكها الذي قيل مرارا إنه يتم بتنسيق مع الولايات المتحدة.

بريطانيا الآن أصبحت في موقع أفضل من السابق وفرنسا باتت تحتل المكان الصعب في مفاوضات تطوير صيغة الاتحاد الأوروبي ونقلها من دائرة اللقاء في المصالح إلى دائرة توحيد المصالح. فالتوحيد لا يتم من دون دستور. والدستور المعطل يصعب استخدامه سياسيا لتطوير علاقات اقتصادية بين شعوب غير متحمسة بشكل كاف أو غير ناضجة ثقافيا للانفتاح على بعضها. فالانفتاح يحتاج إلى استعداد حضاري لتقبل الآخر حتى لو دفع الشعب كلفة بسيطة من معاشه وحياته. فالتوحد بحاجة دائما إلى وعي عقلاني تسووي متطور لفهم أهمية المستقبل، بينما التجزئة لا تحتاج إلى كثير من العناء. فالتجزئة هي صنو التخلف السياسي وصوته، وتكتفي بالقليل من التحريض حتى تظهر المخاوف على سطح العلاقات. وهذا ما حصل في فرنسا.

اليمين العنصري المتطرف قاد حملة التصويت ضد الدستور الأوروبي ونجح في تخويف شرائح واسعة من اليسار والوسط. واستدرج إلى صفوفه تلك القوى الايديولوجية المحسوبة تقليديا على خط التقدم والتقدمية وأوقعها في شبكة من الهواجس المتخلفة سياسيا. فالتطرف العنصري هو المستفيد الأول من حفلة التصويت التي جرت في فرنسا مستندا إلى تردد الجمهور الفرنسي ومخاوفه على الهوية القومية "الثقافية" والمستقبل المجهول.

التصويت الفرنسي ضد الدستور الأوروبي أصاب فكرة الاتحاد بنكسة سياسية، وهذه ستكون لها تداعياتها السلبية التي يتوقع أن تمتد لتطال الكثير من الدول... إلا أن منطق الفكرة لن يتلاشى بسهولة لأن الزمن يسير باتجاهاتها في المستقبل

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 999 - الثلثاء 31 مايو 2005م الموافق 22 ربيع الثاني 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً