العدد 1016 - الجمعة 17 يونيو 2005م الموافق 10 جمادى الأولى 1426هـ

تحديات الرئيس الإيراني الجديد

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

لن يكون سهلا على الرئيس الإيراني الجديد أيا يكن اسمه تجاهل الرغبة الجامحة لدى أكثرية الناس في بلاده وهم من الشباب "نحو 70 في المئة" لإنجاز المصالحة الوطنية الشاملة والوفاق الوطني العام واسدال الستار نهائيا على "جمهورية ملوك الطوائف" كما جاء في تعبير أحد المترشحين.

لم يعد سرا على احد أن عموم الناس باتت تواقة لرؤية رئيس يكون رئيسا لكل المواطنين دون استثناء وليس رئيسا لجهة يناصرها على حساب أخرى فيكرس دكتاتورية جناح أو فئة أو تيار على حساب آخر.

لم يعد خافيا على النخب جميعا ايا تكن توجهاتها ان الناس في إيران باتت تبحث عن رئيس يوقف مسرح استنزاف القوى الحية في المجتمع بحجة التعددية الحزبية أو تعددية الآراء والقراءات على حساب وحدة القرار. لم يعد صعبا على الادراك ان الناس في إيران تعبت من النزاعات الحزبية والفئوية بحجة التنافس على القراءات النظرية المتعددة حول السلطة وعلاقتها بالجمهور ومؤسسات المجتمع المدني وما إلى ذلك. لم يعد مقبولا أبدا ان يأتي رئيس جديد لإيران ليجرب قدراته الفكرية أو السياسية في "رؤوس" الناس على طريقة "اكتشاف الخطأ من الصواب بوسيلة التجربة!".

26 عاما من عمر الجمهورية الإسلامية الفنية ينبغي أن تكون كافية ليكون الرئيس الإيراني شخصية من الطراز الأول والناضج لتولي مهمات جمهورية بمستوى التحدي ليضع إيران في مكانتها اللائقة بها في المعادلة الدولية.

26 عاما من عمر الجمهورية الإسلامية الحديثة ينبغي أن تكون كافية ليعلن الرئيس الجديد ان دولة المؤسسات بفضل التجربة الفتية التي جمعتها وراكمتها في الحرب والسلام، باتت قادرة على إفراز الكادر المتجدد بدماء الشباب ليدير البلاد في دورة سلسة من التداول على السلطة من دون خوف أو قلق على مستقبل الجمهورية أو النظام العام.

لهذا كله ولأسباب أخرى باتت معروفة في الشارع الإيراني كما في مطبخ صناعة القرار كان لابد من إجراء التمرين الأخير - كما يفترض - على قدرة الجيل الثاني على منافسة الجيل الأول للثورة فاتحين الباب - كما يفترض - لتسلم الجيل الثالث من الأبناء مفاتيح السلطة في المستقبل القريب بدلا من بقاء دائرة السلطة محصورة في رجالات الجيل الأول المؤسس من الآباء.

من هنا فان الشارع الإيراني سيظهر من الآن فصاعدافي حلة جديدة تماما ولن يكتفي بالمراقبة من بعيد أو المحاسبة بالعزوف عن الانتخابات أو الاقبال عليها على استحياء، بل انه سيطالب بقوة وبفاعلية بحصته في السلطة والحكم وصناعة المستقبل لبلاده بعد ان تجاوز سن المراهقة وصار في عز الشباب!

البند الأول على طاولة الرئيس الجديد، كما في مقدمة اهتمامات الجمهور العريض سيكون بلاشك موضوع إجراء التسوية المقبولة والمرضية للملف النووي بما يحفظ لإيران حقوقها المشروعة تماما كما يجنبها المصادمة والمواجهة العنيفة مع المجتمع الدولي لا سمح الله!

هنا أيضا يتطلب من الرئيس الجديد أن يتحلى بالقدرة الفائقة على تجميع الصفوف الداخلية حوله كما في قدرته على الجمع بين الحزم المبدئي والمناورة السياسية والدبلوماسية.

ومن أجل ان ينجح الرئيس الجديد في مهمته الصعبة هذه فإن جمهور المصوتين له كما جمهور الذين صوتوا لمنافسيه لابد لهم ان يعينوه على اجتياز هذه المرحلة الحرجة بالصبر والتحمل والنفس الطويل.

لن تكون إيران في منأى "عن المناوشات واختبارات القوة والعسكريتارية والعنف الدوليين الا بالاتحاد والوفاق الوطني العريض وتشكيل حكومة وحدة وطنية يشعر فيها الجميع بانهم ممثلون فيها فعلا والمصالح الحقيقية.

ليس امام الرئيس الإيراني الجديد الا تسوية الملفات العالقة مع جيرانه وتصفية النفوس من شوائب التاريخ والجغرافيا! بالتي هي أحسن. صونا لاستقلال إيران الناجز تماما كما من أجل صون حسن الجوار وترضية النفوس وبث روح الاطمئنان والثقة فيها بان لا فرق بين "كبير ولا صغير" ولا بين "قوي ولا ضعيف" الا بالمسئولية المضاعفة والوفاء بالعهود والمواثيق واحترام موازين التكافؤ في الفرض والسيادة ووحدة الأراضي وحق الاختلاف مع حفظ المودة والصداقة.

وحدها المصارحة والمكاشفة وارادة التعاون الصادقة مع الجيران مهما كلف ذلك من ثمن هي الطريق الوحيدة للخروج بإيران والمنطقة من مرحلة التوتر واللااستقرار التي تعيشها المنطقة منذ مدة.

الرئيس الإيراني الجديد سيكون مخولا كما هو مكلف بلاشك من أكثرية الشعب سواء الذين صوتوا له أو الذين لم يصوتوا بايجاد الارضية المناسبة للخروج من هذا التشتت الذي تعيشه المنطقة في المعاملات الاقتصادية كما في التعاملات السياسية والدبلوماسية وذلك باتجاه خلق الظروف المناسبة لقيام سوق إسلامية مشتركة كما من أجل قيام تكتل إسلامي فعال يدافع عن حقوق المسلمين في المحافل الدولية، ويرفع الحيف والظلم الذي يعانون منه بسبب التشويهات الظالمة التي يتعرضون لها سواء من قبل الحاقدين الدوليين أو من قبل بعض أبناء جلدته المتعصبين والجاهلين.

من أجل ان ينجح الرئيس الإيراني الجديد في كل هذه المهمات الداخلية والثقيلة الملقاة على عاتقه لابد لأهل الداخل كافة من كل الاتجاهات والانتماءات ان يفوضوه تفويضا كاملا بهذه المسئولية، كما لابد من أهل الجوار ان يساعدوه ويحتضنوه ويعينوه على انجاز مهمته التاريخية السالفة الذكر.

إيران أمام منعطف خطير والتاريخ لن يغفر للرئيس المقبل اذا ما تكاسل عن القيام بمهماته تلك والتاريخ من يرحم كذلك من سيضع العصا في دواليب حركة الرئيس الجديد سواء كانوا من أهل الداخل أو دول الجوار الذين لا يريدون النظر إلى أبعد مما تطوله أبصارهم الذاتية من الرؤية، اي ابعد من انوفهم!

انها فرصة العمر التي قد لا تتكرر لأي رئيس مقبل كما هي متوافرة للرئيس الإيراني الجديد. فرصة منحها له الشعب الإيراني بأناته وتحمله وصبره على الأذى من أهل الداخل كما من أهل الخارج، لكن لهذا الصبر حدود! فهل يتذكر ويكون عند حسن ظن شعبه وحسن اختياره له ذلك المسئول الذي اسمه الرئيس الجديد ولعله هو نفسه الشيخ الرئيس الذي يفترض انه قارئ جيد للتاريخ كما لحس ونبض الشارع الذي لا يخطئ في عقله الجمعي

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 1016 - الجمعة 17 يونيو 2005م الموافق 10 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً