العدد 1023 - الجمعة 24 يونيو 2005م الموافق 17 جمادى الأولى 1426هـ

إيران... والثابت الدستوري

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بعيدا عن النتائج التي ستعلن اليوم في إيران فإن التغييرات لن تكون خارج ضوابط الدستور. فالجمهورية الإسلامية حققت، إضافة إلى الكثير من الإنجازات، صيغة مبتكرة تحصن ثوابت الدولة من انزلاقات سياسية تقودها هذه الكتلة النيابية أو ذاك الرئيس المنتخب.

"الرئيس المنتخب" مهما كانت هوية برنامجه السياسي فهو في النهاية نتاج صيغة دستورية من الصعب كسرها نظرا إلى تلك الضوابط القانونية التي وضعت بشأن حمايتها من الأهواء أو الانحرافات. فالدولة في إيران دستورية. والدستور وضع سلسلة هيئات رقابية تمنع الانفراد بالسلطة وأخذها إلى المكان الذي يفكر "الرئيس المنتخب" الذهاب إليه، فهو نقطة توازن وليس مجرد ورقة للعبث والتسلية.

فكرة الرئيس "الدكتاتور" ممنوعة دستوريا، فالرئاسة وظيفة وليست سلاحا يستخدم للانتقام أو إلغاء الآخر. فالرئيس يتبع النظام والنظام لا يتبع الرئيس. والعلاقات بينهما يضبطها الدستور ويعيد تنظيمها وفق أصول من الصعب كسرها أو تجاوزها. لذلك ليس مهما من يختار الجمهور الإيراني للرئاسة مادامت القواعد الدستورية هي التي تقوم على أساسها الدولة ومنها يتم ضبط وتوجيه دفة القيادة السياسية. فالقيادة مشتركة وليست فردية وهي تخضع لمجموعة معايير تعتمد على ثوابت لا تتغير إلا بتوافق "اتفاق" مختلف الهيئات الرقابية التي تخضع في القراءات الأخيرة إلى توازنات تمنع التطرف أو الانزلاق خارج السياق العام لمبادئ الجمهورية.

الدستور نقطة مهمة في تاريخ الثورة الإسلامية وهو إنجاز نوعي لا يقل أهمية عن تلك التحولات التي أحدثتها الجمهورية خلال أكثر من ربع قرن على قيامها. ومن لا يقرأ جيدا تلك الأبعاد الدستورية في فكر الثورة يسقط في فرضيات وتحليلات غير واقعية.

الدستور الإيراني من ثوابت الثورة وهو لا يقل أهمية عن تلك القواعد التي تأسست في ضوء تحولاتها الكثيرة الجمهورية الإسلامية. فهو يحصن الثورة ويمنع أخذ دولتها إلى حيث يشاء هذا الرئيس أو ذاك الفريق. فهناك قواعد قانونية لتداول السلطة وهي وضعت لضبط نظامها ضمن شروط ومواقيت تحترم أصول اللعبة وتحد من التسلط. فالسلطة في النهاية خاضعة للدستور ويصعب على الحاكم "الرئيس أو الهيئة التشريعية" أن يتجاوز حدوده ويكيف النظام وفق إرادته أو مزاجه الشخصي أو البرنامجي.

هذه النقطة المهمة تفسر إلى حد كبير نجاح إيران في اجتياز صعوبات كثيرة من دون أن تنهار الدولة أو تتفكك. فالدولة مشتركة لكل التيارات والفئات ومراكز القوى. وتحت مظلة دستورها الجمهوري يتم تداول السلطة من هذه الجهة أو تلك. وهذا الإنجاز المهم الذي تحقق خلال ربع قرن يحاكي إلى حد ما الكثير من الأنظمة الديمقراطية "الدستورية" في العالم الغربي "الأوروبي والأميركي".

في الغرب أيضا توجد ثوابت ولا يجوز للرئيس المنتخب "إدارته، حزبه أو برنامجه" أن يقلب الطاولة ويتجه بالدولة إلى المكان الذي يريد. فالهيئات المنتخبة في أوروبا وأميركا تخضع للدستور وتراقب وتحاكم، والديمقراطية مجرد وسيلة سياسية لتداول السلطة. فالدولة الدستورية هي الأعلى ومنها تستمد السلطة في مختلف مراكزها وهيئاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية صلاحياتها.

الديمقراطية في الغرب لا تعني حق الفريق المنتخب في التصرف كما يشاء، ولا تعني أيضا الفوضى وليست تفويضا مطلقا يطيح بالثوابت الدستورية التي تقوم عليها الدولة. فالدستور هو الأقوى وهو الهيئة العليا المكلفة حماية مصالح الدولة وحقوق الناس ضمن سياق تداولي يحترم قواعد اللعبة ومواقيت التسلم والتسليم.

هذا الإنجاز حققته إيران في مهلة زمنية وجيزة وبات الدستور من ثوابتها السياسية "الأخلاقية" ولا يقل أهمية عن تلك الثوابت الجغرافية والتاريخية والاستراتيجية مضافا إليها ذاك الثابت المتعلق بالهوية الدينية "الإسلام" وما يتفرع عنها من خصوصيات ثقافية.

ليس المهم من يفوز في الانتخابات الرئاسية اليوم. فالدستور موجود وهو يحصن الديمقراطية ويحمي الدولة من التفريط بثوابتها أو دفعها نحو الانزلاق بهذا الاتجاه أو ذاك. وهذه النقطة الاستثنائية لا تفهم معناها الدول العربية. فالكثير من هذه الدول تعتبر "الرئيس المنتخب" أعلى من الدستور ومن الدولة ومن المجتمع

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1023 - الجمعة 24 يونيو 2005م الموافق 17 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً