العدد 2911 - الأربعاء 25 أغسطس 2010م الموافق 15 رمضان 1431هـ

رجال من زمن اللؤلؤ (1)

المحرق - محمد حميد السلمان 

25 أغسطس 2010

لم يبتعد لوريمر عن الحقيقة كثيراً عندما أشار في كتابه الموسوم بـ «دليل الخليج» العام 1907 إلى أنه لولا تجارة اللؤلؤ لما ازدهرت موانئ عُمان والساحل المتصالح، ولانهارت تجارة الكويت ولنقصت تجارة البحرين إلى خمس حجمها آنذاك.

ومكمن الحقيقة في هذا القول أن صاحبه كان متواجداً في الخليج في عز طفرة تجارة اللؤلؤ الخليجي مطلع القرن العشرين وهو يراقب أحداث تلك التجارة الأسطورية والتي قيل وكتب عنها الكثير خليجياً وعربياً ودولياً. ولذا فلن نغوص في حيثيات هذه المهنة إلا بقدر علاقتها بموضوع بحثنا عن تجار مازالوا مجهولين بالنسبة للأجيال الحالية بل وحتى لمعظم الباحثين في هذا المجال. رجال كان لهم أثر كبير وحيوي في اقتصاد وتجارة البلاد وكذلك في الحياة الاجتماعية والسياسية في زمن لم تكن المعاني الحضارية الحديثة لمصطلحات إدارة وريع الاقتصاد أو علاقة الاقتصاد بالسياسة أو بالحياة الاجتماعية والثقافية قد تبلورت بعد في البلاد. رجال عاشوا في واجهة الحياة والمجتمع في زمانهم ولكن همشوا بعد ذلك حين جاء دور الكتابة عن ذاك الزمان، بل وأن من لم يكن في قامتهم وحجمهم الاقتصادي والاجتماعي نفخ فيه ليعلو عليهم وكأنهم لم يكونوا هنا منذ القرن التاسع عشر للميلاد وقبله بكثير.

سنحاول في هذه المتابعة البحثية بقدر الإمكان وبما توافر حالياً عن أولئك الرجال أن نعيد كتابة سيرة حياة بعض رموز «رجال من زمن اللؤلؤ» علنا نوفيهم حقهم وبالكاد نفعل.


مقدمة

من موقع البحرين المميز والاقتصادي بمعنى الكلمة في الخليج العربي اشتهرت منذ أقدم العصور بالتجارة البينية بينها وبين موانئ الخليج العربي إقليميا وبينها وبين موانئ المحيط الهندي وعالم البحر المتوسط والبحر الأحمر دولياً. وجاء ذلك التواصل المائي عبر مياه الخليج إلى بحر العرب والمحيط الهندي، ومن أنهار العراق إلى بلاد الشام. أضف إلى ذلك، التواصل البري- البحري من خلال الطرق التجارية الصحراوية في وسط شبه الجزيرة العربية إلى البحر الأحمر. كل هذا غلفته صفحات التاريخ التجاري للمنطقة بشهرة أهل البحرين ومهارتهم في صناعة السفن البحرية التجارية وسفن الغوص إلى اللؤلؤ بالذات. وهذا ما جعل البحرين تعتبر من أهم الموانئ التجارية العالمية التي تقع في الخليج العربي بالإضافة إلى البصرة وصحار ومسقط.

وباعتبار بحرها وقيعانه من أهم مناطق تكاثر المحار الطبيعي فقد كانت أهم أنواع التجارة التي ازدهرت بها البحرين قديماً هي تجارة «اللؤلؤ»، حيث كانت جزر أوال وميناء القطيف من ضواحي إقليم البحرين القديم، هما أشهر أسواق اللؤلؤ حيث ذكر القزويني أن درها يعد من أحسن الأنواع. كما وصف الإدريسي في القرن السادس الهجري جزيرة أوال التي يسكنها رؤسا الغواصين ويقصدها التجار من جميع الأقطار ومعهم الأموال الكثيرة ويقيمون بها لأشهر عديدة يعقدون خلالها صفقات شراء وبيع اللؤلؤ وخاصة بعد موسم الغوص من كل عام.

وربما يحسب القارئ أن ذاك العهد يعتبر قريباً لأنه من الفترة الإسلامية، لكن الحقيقة تطوف بنا إلى أبعد من ذلك بكثير حين نفتح سجلات الحضارات القديمة التي نشأت على ضفاف الخليج، كما يتضح ذلك في آثار السومريين ببلاد الرافدين في الألف الثاني ق.م، حين ذكرت دلمون وسلع اللؤلؤ المصدرة منها لبلاد الرافدين.

كذلك ورد الكثير عن لؤلؤ البحرين في المصادر اليونانية القديمة وعند الرحالة العرب والأوروبيين وغيرهم ممن تسنى لهم عبور مياه الخليج في رحلاتهم إلى المشرق، حيث اعتبرت البحرين مركز صيد وتجارة اللؤلؤ في الخليج، ولذا كانت محط أنظار الغزاة من خارج المنطقة من كل الأطياف، بل ومن قبل بعض الجيران الأقوياء في فترة من الفترات كما كان الحال في عهد مملكة هرمز. أضف إلى ذلك، أن الغزاة البرتغاليين، وهم أول الشعوب الأوروبية التي حاولت السيطرة على مقدرات الخليج الاقتصادية، قد تحدثوا في مراسلاتهم ويومياتهم عن اللؤلؤ البحريني أكثر مما تحدثوا عن أهمية الخليج استراتيجياً بحد ذاته. وليس أدل على ذلك من رسائل القائد البرتغالي المعروف (أفونسو دي البوكيرك) لملك البرتغال والتي تحدث فيها مراراً عن أهمية جزر البحرين لكونها مصدر لؤلؤ الخليج المميز، وإحدى تلك الرسائل التي كتبها في 20/ 10/ 1514 لملك البرتغال (Manuel I ) يشرح فيها خطته لغزو البحرين من جديد ويتمنى فيها كثيراً الذهاب إلى البحرين لاحتلالها لأنها كما قال «وذلك لأن البحرين يا سيدي أمرها عظيم ومنطقة جد غنية حيث يكثر بها اللؤلؤ».

بل إن أولئك البرتغاليين كانوا يطمعون في لؤلؤ البحرين الممتاز منذ وطأت سفنهم مياه الخليج. ففي العام 1509 تعرضوا لتجارة الجبور في الخليج في محاولة منهم لإضعافها أو إرباكها عندما هاجموا سفينة بحرينية تابعة للجبور كانت محملة باللؤلؤ الثمين ونهبوها قبل خروجها من مضيق هرمز.

وتكمن أهمية لؤلؤ البحرين، دون غيره من لآلئ الخليج، في أنه من أجود أنواع اللؤلؤ في العالم لكثرة عيون المياه العذبة (الكواكب) المحيطة بجزر البحرين ولذا يتميز لؤلؤها بحسنه واستدارته وصلابته وقوته ونقائه وصفاء لونه مما أعطاه جمالاً طبيعياً، كما ذكر ذلك كثير من الرحالة والأدباء الذين زاروا الخليج في فترات متفرقة. وهذا ما جعل اسم البحرين يرتبط ارتباطاً وثيقاً باللؤلؤ الطبيعي الجيد وذيوع شهرته في العديد من مناطق العالم وبالذات في أسواق الهند وأوروبا. ومن هنا جاء الطلب على لؤلؤ البحرين لأن ثمنه عند البيع مجزٍ جداً. فعلى سبيل المثال، بيعت (دانتان) من لؤلؤ البحرين إحداهما وسميت (اليتيمة) بسبعين ألف دينار ذهبي، والأخرى أصغر منها بثلاثين ألف دينار ذهبي في زمن الخليفة العباسي هارون الرشيد.

ولأن مناطق اللؤلؤ وتجمعه أو مغاصاته يطلق عليها «هيرات» ومفردها «هير» فإن أشهر هيرات البحرين هو «هير اشتيه»، بل يعد أكبرها ويقع في الشمال الشرقي من جزر البحرين. بالإضافة إلى هيرات: شقته، خور بن نصار، الميانة، بوعمامه، بولثامة، بوسعفة، نيوة على، وغيرها. وهذه الهيرات تقع في محيط جزر البحرين، ولكن هناك هيرات تمتد من سواحل الكويت شمالاً إلى سواحل عمُان جنوباً وكانت مفتوحة ومباحة لكافة سكان الخليج يرتزقون من خيراتها دونما نزاع أو احتكار من قبل شخص معين مهما كانت منزلته أو مكانته الاجتماعية أو الاقتصادية في البلاد.

ولتلك الأسباب جميعها فقد كان الاستثمار في مغاصات اللؤلؤ وتجارته ذا مردود مربح جداً، ومن هنا جاءت أهمية كل من يعمل في هذا القطاع الاقتصادي من رجال البحرين وغيرهم الذين سنقف عند سيرة بعضهم وما تركوه من إنجاز أو أثر في تاريخ البلاد عبر موقعهم في هذا المجال.

العدد 2911 - الأربعاء 25 أغسطس 2010م الموافق 15 رمضان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً