العدد 2921 - السبت 04 سبتمبر 2010م الموافق 25 رمضان 1431هـ

ضعف ذاكرة وبرودة جسد

ندى الوادي nada.alwadi [at] alwasatnews.com

.

من النادر أن ينجح صناع الدراما التلفزيونية منها أو السينمائية في نقل النصوص الأدبية أو الروائية إلى شاشاتهم دون «تشويه» أو تغيير لتلك النصوص. وعلى الرغم من أن الشاشتين خدمتا الكثير من الأعمال الروائية وحتى العالمية عندما جسدتها من خلال أعمال تلفزيونية أو سينمائية، إلا أن أعمالاً أخرى كثيرة أخرى كتب لها الفشل. وليس مسلسل ذاكرة الجسد المبني عن رواية الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي باستثناء من ذلك.

هناك علاقة ارتباط خاصة جداً تربط القارئ بأي عمل روائي يقرأه، تشعره بغيرة شخصية جداً على هذا العمل الروائي بالذات، حتى يشعر بوجود علاقة متواطئة بين خياله الخاص وبين كلمات الكاتب في رسم الشخوص وتصويرها في ذهنه، يرفض من خلالها أن يسمح لخيال آخر بالتدخل في تلك العلاقة. ولو كنت قد قرأت رواية ذاكرة الجسد لأحلام مستغانمي، فلا بد أن علاقة من هذا النوع ستتشكل في ذهنك، وتجعلك تبحث عن تلك المشاعر وتلك الأفكار التي رسمتها أحلام ببراعة في مخيلتك وأنت ترشف كلمات روايتها رشفاً.

من قرأ الرواية يعرف جيداً أن تحويلها إلى عمل درامي تلفزيوني محكوم عليه بالفشل قبل أن يبدأ، فالرواية هي أشبه بمونولوج داخلي يتحدث فيه البطل المناضل الجزائري خالد بن طوبال إلى نفسه. وربما في محاولة من المخرج نجدت أنزور وكاتبة السيناريو ريم حنا للاحتفاظ بأصالة النص الأدبي، تم تحويل مقاطع طويلة جداً وسردية من الرواية لينقلها النجم جمال سليمان على الشاشة بصوته. ليست الرواية قصة مليئة بالأحداث ليتم تحويلها إلى عمل تلفزيوني متسلسل، إنها رواية مليئة بالأفكار والمشاعر والحوارات الداخلية التي يصعب أن تتم ترجمتها في حبكة درامية أو أحداث متصاعدة، لذلك فقد أوقع أنزور وحنا نفسيهما في مأزق صعب منذ البداية.

أجمع كثير من نقاد الدراما العربية على فشل مسلسل ذاكرة الجسد مع الأسف فيما تم عرضه من حلقات حتى اليوم، وربما كان «الفشل» كلمة كبيرة لا يجوز استخدامها، فالفشل والنجاح لأي عمل درامي هو مسألة نسبية تعتمد مقاييس عديدة. لكننا لا يمكن أن ننكر بأن مسلسل ذاكرة الجسد لم يقدم جديداً ولم يفد الرواية في شيء، بل ربما اعتبر نقلاً حرفياً لما جاء في الرواية. بل إن البعض وصفه بالنقل «البارد» الذي يعكس برودة المجتمع الفرنسي الذي تم تصوير مشاهد كثيرة من المسلسل فيه.

مستغانمي لم تخفِ عدم رضاها عن مستوى السيناريو الذي تم تقديمه للمسلسل، لكنها عبرت بصراحة عن رضاها عن مستوى العمل الذي قدمه أنزور وجمال سليمان، ومواطنتها الممثلة الجديدة أمل بوشوشة. وربما كانت مستغانمي محقة في رأيها، فجمال سليمان لا يحتاج إلى شهادة في التمثيل، وبوشوشة أتقنت بالفعل دور حياة ابنة المناضل الجزائري سي الطاهر، لكن السيناريو لم يساعد أياً منهما على إعطاء أبعاد جديدة للشخصيات المرسومة بروعة على ورق الرواية.

ذاكرة الجسد المسلسل ، لم يحتفظ بذاكرة الجسد الرواية التي وثقت من خلالها مستغانمي أحداث الثورة الجزائرية واستقلال الجزائر عن فرنسا، والثورة الفلسطينية والاجتياح الإسرائيلي لبيروت العام 1982. فقد حولها السيناريو مع الأسف إلى مجرد قصة حب تربط مناضل جزائري سابق بابنة رفيقه في الجهاد. فالرواية تحكي قصة المتكسبين من النضال وتبدل القيم في مجتمع ما بعد الاستقلال في الجزائر. وتحكي نضالاً من نوع آخر يمكن أن يتم إسقاطه على ما يتعرض إليه المواطن العربي حتى اليوم. وتخلد ذاكرة وطن لا يمكن أن تنسى لأنها محمولة على الجسد.

مسلسل ذاكرة الجسد بكل الضجة الإعلامية التي صاحبته، لم يأتِ إلا نسخة غير أصيلة - ولا يمكن أن تكون أصيلة- عن الرواية. ونتمنى أن لا تؤثر على ذوق الجمهور الذي لم يقرأ الرواية قبلاً، فهي عمل يستحق القراءة والتأمل، رغم برودة جسد المسلسل وضعف ذاكرته

إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"

العدد 2921 - السبت 04 سبتمبر 2010م الموافق 25 رمضان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 2:14 م

      اطلالة

      كتابة جيدة واطلالة فنية جميلة

    • زائر 3 | 8:57 ص

      ذاكرة الجسد ..

      اوافقكِ الرأي تماما .. فأنا من عشاق احلام مستغانمي ومهووسه بجميع كتاباتها وبالأخص " ذاكر الجسد "
      غير ان المسلسل لم يتناول الروايه كما هي بل تم اضافه العديد من الاحداث التي -وحسب رأيي الشخصي- لم تثري المسلسل على الاطلاق بل اضعفته ..
      الروايه جميله بإسلوب الطرح وبالافكار المتشعبه وبتحويلها إلى مسلسل تم قتل تلك الافكار جميعا وحصرها في الحب فقط ..!
      ألف شكر !

    • زائر 2 | 2:00 ص

      ذكرة الجسد

      لقد أحسنتِ الوصف والتحليل فشكرا لكِ

اقرأ ايضاً