العدد 2923 - الإثنين 06 سبتمبر 2010م الموافق 27 رمضان 1431هـ

مرحلة استثنائية بحاجة إلى مبادرة جريئة متميزة (2 – 2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تبدو الصورة المقبلة قاتمة، تقودنا نحوها نظرة متشائمة، تقوم على قراءة الأحداث واتجاهاتها بشكل علمي، بعيداً عن أية أوهام مصدرها أحلام ذاتية، أو تجليات غيبية.

هذا لا يعني إطلاقاً أن ذلك الطريق هي الخيار الوحيد المتبقي الذي ليس أمامنا سواه. لكن، ولكي يكون لنا أكثر من خيار، ينبغي أن يسبق، محاولات اكتشاف واحدة أخرى جديدة، أو البحث عن غيرها المتوفرة، تشخيص العوامل الفاعلة اليوم، والتي جعلت المرحلة ذات مواصفات استثنائية، يستدعي معالجتها طرح مبادرة جريئة ومتميزة.

الاستثناء الذي نحاول تجسيم معالمه يتجسد في مجموعة من الظواهر السياسية والاجتماعية التي من أهمها:

1. الخلط الواضح الصريح المتعمد بين تعبيرات الدين وتعبيرات السياسة، أو بالأحرى، و إقحام تعبيرات قاسية في السياسة اليومية، بشكل مفتعل ولتحقيق أغراض تكتيكية.

بفضل ذلك، ارتبكت خطوات المواطنين، بعد أن تداخلت في أذهانهم، صور العقائد الدينية، بالخلفيات النظرية لبرامج القوى السياسية. أكثر من ذلك تحولت أماكن العبادة المقدسة إلى ساحات للتحريض السياسي، الذي هيج مشاعر من يؤمها وأجج عواطفهم، وسلبهم - تحت راية الدين - حقهم الطبيعي في التفكير السليم المتزن.

لقد تحولت المناظرات السياسية جراء ذلك التداخل، إلى حلبات مصارعة صدامية موتورة وغير مجدية، ودون أية نهايات محددة.

النتيجة المنطقية لكل ذلك هي شبيهة بما يجري فوق حلبات المصارعة الحرة، فرغم خروج المتصارع المهزوم من فوق الحلبة، ووقوف الفائز، لكن هذا الأخير يبدو مترنحاً بعد أن أعيته جولات كان البعض منها دامياً، وشابه الكثير من التجاوزات غير الملتزمة بقوانين المصارعة. الأمر اليوم في البحرين شبيه بذلك إلى حد بعيد عند الحديث عن مسارات الحوار السياسي السائد.

زاد الطين بلة، لجوء السلطة إلى الورقة الدينية، عندما تجد نفسها محشورة في أحدى الزوايا، أو جسمها مستنِداً إلى الحائط. لقد حرم كل ذلك الساحة البحرينية من حوار هادئ ناضج، البعيد كل البعد عن التشنجات الأيديولوجية، والعصبيات الدينية.

2. هامشية حضور المؤسسات التشريعية خارجياً، ولأسباب موضوعية تتجاوز، إرادة أعضائها، وحسن نوايا المنتسبين لمؤسساتها، وطغيان مناقشات القضايا الخدماتية على أية موضوعات أخرى، بما فيها تلك المسائل ذات الثقل الإستراتيجي، والتي كان حرياً بتلك المؤسسات التوقف عندها، لكونها من صلب مهماتها.

عزز من تلك الهامشية، تنامي، واتساع نطاق تآكل تلك المؤسسات من الداخل، بفعل التحزبات العصبوية الضيقة الأفق التي قامت بين كتلها، والمنطلقة أساساً من خلفيات طائفية، تولدت من جراء زج الدين في السياسة.

3. تشجيع الأمراض الطائفية في العمل السياسي، والاستفادة القصيرة النظر المحدودة الأفق من المكاسب الشكلية الوهمية التي تحققها، واللهث وراءها، والضرب بعرض الحائط، مصالح الوطن الكبرى، ومصالح المواطن الحيوية. مارس التخندق الطائفي دوره في حث هياكل البنى التحتية للعمل السياسي، فكانت النتيجة تمزق نسيج العلاقات الاجتماعية الذي يشكل القاعدة المرنة للعلاقات السياسية المثمرة. ساهم في الترويج للعبة الطائفية، عدم قدرة مؤسسات السلطة التنفيذية على الارتقاء بنفسها عن تلك الممارسات، ولجوؤها أحياناً، إلى ممارسة دورها على أرضية تروج للفكر الطائفي.

4. غياب سياسة واضحة تجاه تنفيذ الصلاحات والمشاريع الموعودة. وتجول سلوك بين الشدة المتناهية والحسم في مرحلة، واللين والتراخي في مرحلة أخرى، وفي فترات زمنية قصيرة، وموجات تنفيذية متلاحقة، الأمر الذي همّش القانون، وقلص من حضوره لتنظيم العلاقات بين الأفراد، دع عنك المؤسسات.

هذه الظواهر تتحول إلى حالة استثنائية، عندما نجدها تتصاعد في بيئة تقوم فيها في البلاد وعلى نحو موازٍ مؤسسات تشريعية، يفترض فيها أن تكون صمامات الأمان ضد اندلاع أي شكل من أشكال العنف، الذي قد ينبري من يقول إن انفجاره ليس ظاهرة استثنائية في تاريخ البحرين المعاصر. وفي ذلك الكثير من الصحة، عندما تغيب المؤسسات التشريعية، ويذاب دور الدولة، وتقترب الأمور من حالة الفلتان الأمني المجرد من هدف سياسي صحيح قابل للتطبيق.

هذه الحالة البائسة التي وصفناها تنظر إلى جلالة الملك، وتخاطبه من باب ثقتها في قدرة جلالته، تماماً كما فعل عندما دشن عهده بثورة سلمية كان الميثاق شعلتها والدستور القاعدة الراسخة لتلك الشعلة التي حملها جلالته منادية شعبه كي ينظم صفوفه، ويحمل تلك الشعلة كي يضيء بها شعلة الأولمبياد السياسي، كما جاء به المشروع الإصلاحي.

ربما في مثل هذه الخطوة الملكية بعض التجاوز للمؤسسات القائمة التي ليس هناك من يحاول ترسيخ دورها أكثر من جلالته، لكن في المراحل الاستثنائية، وفي المنعطفات الحادة، لابد من أن يبرز من بين الصفوف من يملك الجرأة التي تنقذ البلاد من مصير أسود يتربص بها، حتى وإن شاب مدخله بعض التجاوز للمؤسسات القائمة.

مقابل ذلك، ربما آن الأوان كي تبادر المعارضة، وتخطو هي الأخرى خطوة جريئة غير تقليدية، فتمد يدها نحو يد جلالته، مبدية تأكيدها على المضي بالبحرين قدماً نحو الأمام فاتحة صفحة جديدة في فصل جديد من فصول تاريخ البحرين السياسي المعاصر. الفرصة التي ماتزال متاحة أمام المعارضة البحرينية بمختلف ألوان أطيافها للحوار مع جلالته، دون استثناء أو إلغاء لدور السلطة التنفيذية، ومؤسساتها ذات العلاقة، ومن خلال القنوات الشرعية أيضاً، التي من الجرم السياسي عدم الاستفادة منها. فمهما يقال عن ضعف قنوات التواصل الشرعية بين الاثنين، لكنها تبقى، في نهاية المطاف، وسيلة من وسائل الاتصال والتواصل بين الطرفين، متى ما قررا، نبذ العنف، والجلوس إلى طاولة المفاوضات، وعن طريق تلك القنوات، ومن أجل وضع حد لموجة العنف هذه. فربما هذه المرة الوحيدة في تاريخ البحرين المعاصر، الذي تتعايش فيه الظاهرتان بشكل متزامن: موجة حادة وطويلة من العنف المتكرر والمتصاعد، الذي يلمّ بالشارع، وفي الوقت ذاته هناك سلطة تشريعية شبه مغلقة بحاجة إلى من يشرع أبوابها.

وطالما أصبحت البلاد في حالة استثنائية، فهي بطبيعة الحال بحاجة إلى خطوة استثنائية قادرة على انتشالها من أوحال تلك الحالة، وهو ما ينتظره المواطن من السلطة ومعارضته.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2923 - الإثنين 06 سبتمبر 2010م الموافق 27 رمضان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 8:47 م

      غيور على بلدي

      نعم نحتاج الى معجرة للخروج من الازمة الامنية التي تمر بها البلاد في ظل رغبة جادة من السلطة بتوفير ابسط حقوق الشعب مثل الوظيفة والمسكن الجيد وهذه الخدمات للمواطنين جميعا لا لفئة دون فئة مثل بناء بيوت احلام لفئة من المواطنين ( مشروع السيل ) وحرمان فئة كبيرة من الشعب من هذه الخدمة.
      وشعب البحرين معروف بتسامحه وطيبة قلبه لا الارهاب المتهم فيه والدليل حمل الملك وسيارته في سترة والمحرق اليس من هم متهمون بالارهاب.
      نتمنى توفير جو الحوار من كبير السلطة لا تأجيج الوضع من أجل ( البحرين ) لا غير

    • زائر 6 | 10:12 ص

      التغير و تنفيذ سياسة الاصلاح يتتطلب قرار استثنائي

      نعم بكل تاكيد ما دكرته في النقطة 4 في مقالك اساس المشكلة وهو عدم التقيد بل الحقيقة هي انحراف المسار عن سياسة الاصلاح . لذلك من الواجب قول الحق ان التعطيل والانحراف تتحملة السلطة التنفيدية فقد اخفقت ولم تسطع القبول بتغيير اسلوبها بما يتطلب لانجاح خطة الاصلاح وذلك لثلاثة اسباب الاول لافتقارها للمعرفة والكفائة المطلوبة واللزمة لتنفيذ هذة السياسة الاصلاحية. والثاني عدم الاقتناع والرغبة الصادقة للتغير . اما السبب الثالث هو لايوجد التمثيل الشعبي المتوازن والداعم في تركيبة وتشكيل الحكومة.

    • زائر 5 | 3:53 ص

      نسخة عام 2001/ من فريق النعيم

      هذا بالظبط ما حدث عام 2001السؤال الان يا ابن العبيدلي صاحب القلم الصادق ما عاد الناس تثق مرة اخرى وهنا لب الموضوع والسؤال الان من سيقنع المواطن مرة اخرى عندما ننسخ ما حصل في عام 2001وهل ستبقى الطاولة في مكانها بعد هذه الخطوة الاستثنائية ام ستنقلب طاولة 2001على رؤس الجميع وسنعاود الكرة مرة اخرى

    • زائر 4 | 3:48 ص

      من يبادر ومن يستمع

      هناك تحرك من بعض العلماء الحريصين على مصلحة البلد والذين لا يشكّ أحد في ذلك حتى جلالة الملك يعرفهم بذلك لذلك يجب الإسراع إلى ما طرحوا حتى يرى الناس بصيص من الأمل قبل العيد ولكي تعم الفرحة بدل من التشاؤم والإحباط والإمتعاظ الذي يختلج في نفوس الناس
      هاهي أفضل الأيدي قد مدت وهي ايدي أفاضل العلماء فليقابلها الطرف الآخر بالقبول بدل من ردها
      هذه ليالي فضيلة من يستغلها لخير الناس ونفعهم
      هذه أيام تضاعف فيها الحسنات آلاف المرات فمن يرغب في عطاء ربه لا ندري هل هناك من يسمع

    • زائر 3 | 3:21 ص

      رسالة لعبيدلي العبيدلي

      اود منك ان تبدي لنا وجهات نظر مختلف فئات المجتمع. سترى ان قتامة المسقبل هو في مجتمع الشيعة، اما اخواننا السنة والمسيح واليهود والبوذيون فلن يصيبهم مكروه. للاسف لم نجد هذه الفئات الكريمة تقول الحق، وبعد تضحيات الشيعة تاتي الاصلاحات اللتي تستفيد منها تلك الفئات بشكل اكبر. على المدى البعيد، تلك الفئات ستكون الخاسر الاكبر

    • زائر 2 | 2:03 ص

      اذا امعنا النظر وحكمنا العقل سلمنا وسلم الوطن

      العقل والنوايا الصادقة وحب الوطن مفتاح حل كل ما يوجه الوطن من مشاكل ، فهل تهون وتصعب على الرجال والمخلصين من ابناء الوطن وقفوا في ساعات الشدة وقدموا التضحيات ووقفوا المواقف المشرفة التي حفظها لهم التاريخ وسجلوا اسائهم في سجلات الشرف والكرامة ولن يحفظ الوطن سوى الله والمخلصين له من ابنائه ...ولا مكان لذوي النوايا الخبيثة المكشوفة ...

    • زائر 1 | 11:23 م

      بلادي في خطر

      أتعرف يا أستاذي الفاضل أن بعض المؤسسات دورها مخزي جدا إلى حد النخاع , خذ أمثلة على ذلك , طلاب جامعيون يطالبون بتوظيفهم وكأنهم طراروة على أبواب وزارة التربية , ممنوع توظيف طائفة معينة في الدفاع والشرطة (إلا إذا كان مخبر ) , بيوت سكنية المفترض أنها لناس البلد تذهب لفئة مجنسة , صحافة مسمومة تهاجم وبشكل يومي طائفة معينة ... والكثير الكثير - أعتقد أن إنزلاق الشارع لهذا المستوى بسبب دور هذه المؤسسات الخطير

اقرأ ايضاً