العدد 2925 - الأربعاء 08 سبتمبر 2010م الموافق 29 رمضان 1431هـ

حرق المصحف انتهاك لتعاليم السيد المسيح

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

لقد أثار قرار القس الأميركي في كنيسة صغيرة في فلوريدا بالولايات المتحدة القيام بحملة لحرق المصحف الشريف في ذكرى أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 التي اتهمت فيها عناصر تحمل اسم الإسلام وكذلك ادعاء «القاعدة» بأنها وراء هذا التفجير لبرجي نيويورك وهو الحدث الذي أثار ردود فعل غاضبة من كافة أرجاء المعمورة وأدى إلى حملة ضد الإسلام والمسلمين واتهامهم بالإرهاب والتعصب وكراهية الآخر.

وجاء قرار جماعة إسلامية معتدلة في مدينة نيويورك برئاسة الداعية والمفكر الإسلامي فيصل عبدالرؤوف لبناء مركز إسلامي ومسجد بالقرب مما أصبح يطلق عليه نقطة الصفر التي كان يقع فيها البرجان المدمران في حادث 11 سبتمبر ليثير ردود فعل غاضبة من أهالي ضحايا الحادث وهذا التحرك مدفوع بقوى أميركية محافظة، ومن ناحية أخرى دافع الرئيس الأميركي أوباما عن حق المسلمين مثل غيرهم من الأميركيين في بناء دور عبادة تخصهم وحقهم في ممارسة شعائرهم.

قرار القس الأميركي جونز حرق المصحف أثار ردود فعل إسلامية وعالمية، فردود الفعل الإسلامية جاءت من الدول الإسلامية الآسيوية غير العربية، وهي إيران وأفغانستان وباكستان بوجه خاص في حين أن الدول العربية لزمت الصحف الرسمي لسيطرة العقلانية الهادئة أو السلبية تجاه ما يخص العرب والمسلمين ودينهم. ثم جاء رد الفعل من الجنرال الأميركي بترايوس بالتحذير من ردود الفعل المضادة للأميركيين من جراء هذا الحادث وكذلك تصريح وزيرة الخارجية هيلاري كلنتون بالأعراب عن الاستياء من مثل هذا التصرف وغيرها من المسئولين الأميركيين بأن هذا التصرف يسيء إلى أميركا والشعب الأميركي، ثم جاء التصرف الأكثر أهمية في إدانة مثل هذا العمل من قبل تجمع من شخصيات إسلامية ومسيحية ويهودية في الولايات المتحدة واحتجاجهم على هذه الدعوة.

وبالطبع مازال القس يصر على موقفه وهذه فرصته للظهور والحصول على ضوء إعلامي لم يكن ولم يحلم به وهو قس في كنيسة كل أعضائها 50 فرداً أي عدد أعضاء حارة صغيرة.

ولا مراء في أن الذي حدث حتى الآن أدى إلى تعاطف دولي كبير من بابا الفاتيكان وغيره من القيادات المسيحية في العديد من دول العالم بما في ذلك أوروبا وأميركيا.

ولعلنا في هذا السياق نشير إلى عدد من الملاحظات في ذات الدلالة والصلة بالحدث:

الأولى: إن قرار القس جونز يتعارض مع تعاليم السيد المسيح الذي قال وأكد مراراً أن «الله محبة» فكيف يكون الله محبة ويظهر قس يدعي المسيحية والكاثوليكية ويصر على حرق المصحف مما يثير الكراهية والعداء من أصحاب عقيدة أخرى في نفس المجتمع ويبلغ تعدادها أكثر من مليار نسمة في العديد من دول العالم.

الثاني: إن هذا القرار هدفه ظهور إعلامي وإثارة حفيظة المسلمين ولكنه غير محسوب العواقب السلبية على المسيحيين في الدول العربية والإسلامية، من شخصيات إسلامية متهورة كرد فعل على مثل هذه التصرف وهذا ما دفع الجنرال بترايوس لنقد قرار القس ومعارضته لخشيته على قواته في أفغانستان وباكستان.

الثالث: إن هذا القرار وما أحدثه من ردود فعل معارضة ستؤدي إلى رد فعل إيجالي لصالح الإسلام من حيث إثارة الاهتمام به والسعي للتعرف عليه.

الرابع: إن رد الفعل في الدول الإسلامية العربية كان ضعيفاً إن لم نقل إنه يكاد يكون غائباً، ربما لأن هذه الدول بعضها يعيش في بحبوحة المعيشة يرغبون في الحفاظ عليها ولا يهتمون باعمال الدفاع عن مسائل إسلامية يرونها هامشية وأن الحكمة تقتضي عدم إثارتها لأن ضرر الإثارة أكبر من فوائدها، كما يرون أن القس يرغب في الظهور وأن الأفضل تجاهله.

ويرى البعض الآخر بما فيهم زعماء لاتحادات إسلامية في أميركا التحلي بالاعتدال وروح التسامح الإسلامي وعدم تحدي مثل هذا التصرف بردود فعل غاضبة أكثر مما ينبغي لأن هذا هو ما بسعى إليه القس جونز.

الخامس: إن ردود الفعل الإسلامية الغاضبة وهي ردود فعل انفعالية يدركها الحضوم للإسلام والمسلمين ويدفعهم ذلك لمزيد من مثل هذه التصرفات والقرارات المستفزة مما سيجعل المسلمين يدورون في حلقة مفرغة من ردود الفعل دون أن يقوموا بعمل ايجابي، ومن محصلة ذلك إثارة العالم ضدهم لمواقفهم السلبية بصورة مستمرة.

السادسة: أهمية بروز القوى الإسلامية العقلانية في عدد من الدول الإسلامية وفي الدول الغربية أن تتصرف بعقلانية وأن تظهر روح الإسلام الحقيقية القائمة على الاعتدال والعقلانية والتسامح والعضو، وإن هذه المبادئ الإسلامية كفيلة بتطبيع العلاقات بين الدول الإسلامية، وبين الإسلام والغرب بتراثه المسيحي واليهودي وهو تراث في جوهره عربي شرق أوسطي حيث مصدر العقائد الدينية والفكر الديني والتسامح ولكن دخول مفاهيم الاستعمار والهيمنة والسعي للاستغلال والسيطرة الدينية على الآخرين وهي مفاهيم عكس التراث الديني المسيحي أو الإسلامي الحقيقي.

السابعة: إن المشكلة الجوهرية اليوم ليست خلافاً بين الإسلام والمسيحية أو اليهودية وإنما أيضاً حتى داخل الأديان نفسها وطوائفها ومن يتابع عمليات القتل التي تحدث في باكستان بين السنة والشيعة أو في العراق أو غيرها يدرك أن المسلمين ابتعدوا عن روح الإسلام وجوهره وإنهم يجب أن يصلحوا علاقاتهم بعضهم بعضاً قبل أن ينتقدوا رد فعل الدول الغربية ضدهم أو بعض قساوستها. إن الإسلام والمسيحية واليهودية والهندوسية واليهودية وغيرها من العقائد ينبغي أن تتعايش مع بعضها بعضاً وليس أن تصارع أو تدخل في حروب عقائد وأديان وطوائف. إن عالم القرن الحادي والعشرين هو عالم التسامح الديني والقبول بالآخر وليس الصداع أو رفض الآخر.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 2925 - الأربعاء 08 سبتمبر 2010م الموافق 29 رمضان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 6:30 ص

      أيعقل!

      أنت تستنكر إيران وباكستان هذا العمل الشيطاني ونقف نحن العرب المسلمون مكتوفي الأيدي وفي موقف المتفرج.. لأننا أنشغلنا بهموم الوطن وقضاياه ونسينا غيرتنا الإسلامية!!!

    • يوسف تقي | 12:19 ص

      حرق المصحف

      انهذا القس اكثر عنصرية وهمجية من الذين قامو بالتفجيرات.........ما ذنب المصحف فيما جرى وما ذنب الملايين م المسلمين فيما جرى .انه الجهل والجهل فقط بتعاليم الاسلام...وكما قال احد الائمة عليهم السلام.(لو سمع الناس محاسن كلامنا لأحبونا ولو احبونا لأتبعونا).اللهم اهما صراطك المستقيم وايد دينك العظيم..

اقرأ ايضاً