العدد 2929 - الأحد 12 سبتمبر 2010م الموافق 03 شوال 1431هـ

تركيا... انقلاب مدني على العسكر

علي الشريفي Ali.Alsherify [at] alwasatnews.com

-

أظهرت نتيجة الاستفتاء على التعديلات الدستورية المقترحة من حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا حقائق شبه مؤكدة لمستقبل الوضع السياسي لهذا البلد، بعد أن نالت هذه التعديلات موافقة نحو 58 في المئة من المصوتين.

الحقائق بمجملها تتمثل في ثلاثة محاور أساسية تؤشر لمستقبل تركيا السياسي؛ أولها مقبولية الشارع التركي للحزب الحاكم (ذات التوجه الإسلامي)، حيث ضربت هذه النتيجة توقعات السياسيين والمراقبين بشأن احتمال تراجع فرص حزب العدالة والتنمية في الحصول على أصوات كافية في الانتخابات البرلمانية القادمة تؤهله للحفاظ على أغلبيته البرلمانية لتشكيل حكومة بمفرده، وخصوصاً أن نسبة الإقبال على التصويت على التعديلات فاقت الـ 77 بالمئة من مجمل الناخبين، وإن تراجع الإقبال على الاقتراع انحصر غالباً في المحافظات ذات الغالبية الكردية التي لا تصب بشكل عام في رصيد أي من الأحزاب الكبيرة في تركيا.

أما ثاني الحقائق شبه المؤكدة فهي بداية ضعف السلطة العسكرية التي تحكمت في البلاد لنحو تسعة عقود مستمرة، لتنهي هذه التعديلات حقبة الخوف والقلق من الانقلابات العسكرية التي اشتهرت بها تركيا منذ النصف الثاني من القرن الماضي، والتي كانت تتوج بانقلاب عسكري مع بداية كل عقد، أوله كان في العام 1960، ومن ثم 1970، وبعده 1980، وآخره «الانقلاب الأبيض» الذي قاده العسكر عندما أجبروا رئيس الوزراء الأسبق الإسلامي نجم الدين أربكان على التنازل عن السلطة في العام 1996، دون أن يضطر العسكر إلى النزول إلى الشارع كما حصل في المرات الثلاث السابقة، حيث ستفتح هذه التعديلات الطريق أمام محاكمة العسكريين المتهمين بقضايا جنائية أمام المحاكم المدنية وليس العسكرية كما كان في السابق، كما إنها ستسمح (نظرياً على الأقل) بمحاكمة انقلابيي العام 1980، وهو ما يعني السيطرة على تطلعات العسكر السياسية في المستقبل.

الحقيقة الثالثة؛ هو فسح المجال أمام السلطة التشريعية للتدخل في السلطة القضائية التي كان العلمانيون يسيطرون على مجمل مفاصلها الرئيسية وبدعم مباشر من الجيش، وهذا من المتوقع أن يؤدي إلى تدخلات سياسية في توجُّه القضاء الذي كان يتحكم بمجمل الحياة في البلاد، وبرغم هذا النصر السياسي للحزب الحاكم إلا إن ذلك لن يمنع أحزاب أخرى من استخدام هذه الصلاحية لضرب أحزاب أخرى قد يكون الحزب الحاكم أحد تلك الأهداف مع أول تغيير سياسي قد تشهده تركيا.

ثلاثة حقائق شبه مؤكدة أفرزتها نتيجة الاقتراع على التعديلات الدستورية، وهي في مجملها ستفتح الطريق أمام السلطة السياسية – المدنية للسيطرة على سلطتين عتيدتين حالتا طوال عشرات السنين دون بروز أحزاب تتعارض مع توجهات «تركيا ما بعد الدولة العثمانية».

تركيا الآن مقبلة على عهد جديد لن يخلو من خلافات كبيرة لكن هذه المرة سيكون ميدانه الأساس البرلمان التركي وليس الثكنة العسكرية أو القضاء الذي كان يتحكم حتى في ثقافة المجتمع

إقرأ أيضا لـ "علي الشريفي"

العدد 2929 - الأحد 12 سبتمبر 2010م الموافق 03 شوال 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 8:25 ص

      الحكومات والانظمة الدكتاتورية ايلة الى السقوط لا محال

      اكثر الحكام والملوك والانظمةالمتسلطة في العالم العريي الذين ينتهجون الحكم الدكتاتوري و يدعون العلمانية ولكنهم في نفس الوقت يستغلون الدين ويدعون الايمان اذا دعت الحاجة ايظا لتشطير الشعوب وخلق الفرقة وتاجيج المذهبية والقومية و دينهم الحقيقي هو دينارهم و كرسي الحكم وتوريثه ولكنهم الان يواجهون ريح التغيير وارادة الشعوب لرفع الضلم عنهم من خلال الغاء الدساتير المسومة والمحشوة بقوانين الظلم والقمع والفساد ومصادرة حقوق وكرامة وارادة الشعوب من خلالها. وريح التغير سوف تقتلعهم من الجدور لا محال

    • زائر 4 | 4:09 ص

      هذا هو الإصلاح الحقيقي

      ليس هو انقلاب بقدر ما هو اصلاح وتطور للأفضل بدل من المشاريع العقيمة والمتقوقعة في مكانها
      هكذا إذا أراد البلد أن يتطور لا بدو وأن يخطو خطوات صحيحة وحقيقية

    • زائر 3 | 12:11 ص

      نعم لانتصار للحزب الحاكم النزيه

      كل الاحترام لانتصار الاحزاب الممثلة للشعوب!!.

    • زائر 2 | 11:49 م

      الحقائق شبه المؤكدة 2

      أما ثاني الحقائق شبه المؤكدة فهي بداية ضعف السلطة العسكرية التي تحكمت في البلاد لنحو تسعة عقود مستمرة ، الحقيقة الثالثة؛ هو فسح المجال أمام السلطة التشريعية للتدخل في السلطة القضائية التي كان العلمانيون يسيطرون على مجمل مفاصلها الرئيسية وبدعم مباشر من الجيش . ثلاثة حقائق شبه مؤكدة أفرزتها نتيجة الاقتراع على التعديلات الدستورية، وهي في مجملها ستفتح الطريق أمام السلطة السياسية – المدنية للسيطرة على سلطتين عتيدتين حالتا طوال عشرات السنين .

    • زائر 1 | 11:46 م

      الحقائق شبه المؤكدة 1

      من خلال متابعاتي تأكد لي في هذا الموضوع توافق رأيك وتحليلك مع الكثير من التحليلات والدراسات إن التغيير حتمي في كثير من الدول الإسلامية لصالح الإسلاميين مثل ما تصرح به مراكز البحوث العربية والأجنبية والعملية مجرد وقت ، والتغيير يمكن يتأخر ، لكن لن يتوقف . وكما ذكرت إن الحقائق بمجملها تتمثل في ثلاثة محاور أساسية تؤشر لمستقبل تركيا السياسي؛ أولها مقبولية الشارع التركي للحزب الحاكم (ذات التوجه الإسلامي)، حيث ضربت هذه النتيجة توقعات السياسيين والمراقبين بشأن احتمال تراجع فرص حزب العدالة ،

اقرأ ايضاً