العدد 2937 - الإثنين 20 سبتمبر 2010م الموافق 11 شوال 1431هـ

النظام التمثيلي... بين تاء الشباب وتحسين أداء المدارس

فاضل حبيب comments [at] alwasatnews.com

.

ما أجمل أن يسعى الإنسان إلى تحقيق ذاته عبر بوابة التعليم، فالدوافع العليا عند الأفراد الطموحين هي بمثابة المحرك نحو توظيف المبادرات وتسخير الطاقات والقدرات والمواهب لتحقيق الإنجازات التي يفتخر بها كل مواطن ينتمي إلى هذه الأرض الطيبة.

هذا المعنى تجلَّى في مشروع تعليمي قدمته الشابة البحرينية شيخة الشوملي في ورشة عمل لها ضمن أجندة فعاليات مهرجان تاء الشباب في نسخته الثانية 2010 والذي يُقام تحت رعاية وزارة الثقافة، فكان أن طرحت فكرة النظام التمثيلي كآلية جديدة من نوعها في تطوير بيئة التعلُّم، لدى الكبار والصغار على حد سواء، من خلال مناقشة الكتاب العالمي «مَن حرَّك قطعةَ الجبن الخاصة بي Who Moved My Cheese»، لمؤلفه سبينسر جونسون.

تمَّ إعداد الكتاب المذكور وجعله مألوفاً للجميع وفقاً لنظامهم التمثيلي، باستخدام الصور للأشخاص البصريين، والأصوات المتباينة للأشخاص السمعيين، وإدخال الشخص في التجربة للأشخاص الحسِّيين، بمعنى أنها قفزت على الطريقة التقليدية في مناقشة أو قراءة الكتاب.

أتفق معها تماماً في رؤيتها لتطوير بيئة التعلُّم عبر تبني أسلوب أكثر فاعلية قائم على توظيف التقنيات الحديثة والأنظمة التمثيلية التي جاء بها علم البرمجة اللغوية العصبية NLP، فالطلاب يقسَّمون على ثلاثة أنماط: الطالب السمعي، والطالب البصري، والطالب الحسي الحركي، على حسب تلقيهم للمعلومات الخارجية ومن ثم تخزينها في الدماغ.

كما وأن من إيجابيات مهرجان تاء الشباب هو احتضان مثل هذه الأفكار الجديدة التي تساهم في تطوير التعليم، في الوقت الذي بدأنا نفقد الثقة بأبنائنا الطلبة، وقدرتهم على المشاركة الفعالة في العملية التعليمية/ التعلمية.

ربما يعتبر البعض نفسه - وهذا من الناحية الرسمية - معنياً أو مسئولاً بوضع الاستراتيجيات والبرامج التعليمية، وما على الطلاب إلا التنفيذ! إلا أن هذا النمط من التفكير غير صحيح على الإطلاق، إن كنا بالفعل نحترم عقول شبابنا.

ليس من الصواب التنصُّل عن مفاهيم أجمعت عليها الأدبيات التربوية مثل «الطالب محور العملية التعليمية»! فالمحورية تعني إشراكهم في كل مبادرات تطوير التعليم، وعدم النظر إليهم باعتبارهم متلقين للمعلومات بقصد تذكرها وترديدها تماماً كالببغاء!

ولكي نكون أكثر واقعية فإن النظام التمثيلي المشار إليه ينسجم تماماً مع توجهات هيئة ضمان جودة التعليم والتدريب، فكثيراً ما أشارت الهيئة في تقييمها لأداء المدارس بأن الأهداف السلوكية التي يصوغها المعلم عند إعداده للدرس لا بد أن تراعي التمايز أو التفاوت الموجود في مستويات الطلبة، بل وحتى الأساليب والأنشطة ونظم التقويم، أي مراعاة «الفروق الفردية»، وذلك تأكيد لملائمة النظام التمثيلي ذات الأبعاد الثلاثة «السمعيون والبصريون والحسيون»، وإمكانية تطبيقه في المؤسسات التعليمية، لنتحدث بعد ذلك عن تعلُّم حقيقي من خلال الانسجام والتفاعل بين المادة المطروحة في الكتاب المدرسي أو في المنهج المقرر من حيث آلية الطرح والعرض، وبين الطالب المتلقي الإيجابي، فإذا كان المتعلم سمعياً على سبيل المثال فإن المعلِّم سيستخدم أثناء الحوار والشرح تأكيدات لغوية سمعية من قبيل: «لديَّ فكرة، هل بالإمكان الاستماع إليها»؟

وأحسب أن علاقة النظام التمثيلي بالعملية التعليمية ستكون نقطة تحول كبيرة كما أشرنا سابقاً إلى ضرورة التنافسية والانتقال من مرحلة التعليم إلى مرحلة التعلُّم، فالمتعلم يجب أن لا يقف في مكانه، فعندما يحصل على (قطعة الجبنة كما ورد في كتاب جونسون)، والجبنة قد تكون معلومة أو فكرة هنا أو موقفاً سلوكياً هناك، المهم أنه سيستمر حتماً في تحقيق أهداف أخرى، أي الحصول على المزيد من قطع الجبن الموجودة لدى المعلم، أما المتعلم الذي لم يحصل على الجبنة والتي هي بمثابة الهدف عليه ألا ييأس، فهو يسعى ويحاول جاهداً إيماناً منه بأهمية التعلُّم عن طريق المحاولة والخطأ.

ومتى ما أصبحت المتعة محور الدرس حتماً سيكون هناك تعلُّم حقيقي وتركيز وانتباه، واحترام للمعلم وللمدرسة، فالنظام التمثيلي يفيدنا عند تصميم وبناء المناهج الدراسية، من معرفة الأنماط الثلاثة للمتعلمين، ولنأخذ على سبيل المثال مادة الرياضيات التي قد يعتبرها كثير من الطلبة بأنها جافَّة ومملة إلى حد كبير، فعند شرح المعلم لدرس حساب المثلثات، بالصوت وعرض بعض الصور للمثلثات، ومن ثَمَّ إحضار بعض المجسَّمات، وحساب المثلث بطريقة عملية، وباستخدام الأدوات الخاصة بذلك، أو تحويل درس العمليات الحسابية إلى ألغاز ومسابقات وتصفيات وما إلى ذلك، فإنه يكون معلماً ناجحاً.

وينسحب هذا الكلام على سائر المواد الأخرى، ففي مادة اللغة العربية، هناك قصيدة شعرية تتكلم عن النخيل، إذ من الأفضل قيام المعلم بشرح الدرس بصوته وبعرض بعض الصور، وحبذا لو كانت بعض الإيقاعات الموسيقية الهادئة العربية التي تناسب أجواء الدرس، ومن ثم اصطحاب الطلبة إلى حديقة المدرسة حيث توجد النخيل، والتعرف على السعف ليدخل الطلبة في التجربة المباشرة بطريقة ممتعة، عند ذلك يمكن الوقوف على الطالب البصري الذي يمتاز بأنه حركي إلى أبعد الحدود، ويتكلم بسرعة أكثر من أقرانه، والحسي الذي يمتاز بأنه هادئ جداً، والسمعي في تلقيه المعلومات بشكل دقيق.

إن ثمة توقعاً بأن يكون النظام التمثيلي جزءاً من برامج تحسين أداء المدارس، في حال تمَّ تدريب المعلمين وتأهيلهم حسب هذا النظام، لأن من شأن هذا النظام أن يقلل من نسبة الرسوب في المدارس.

جميعنا يتذكر مسلسل «افتح يا سمسم»، هذا البرنامج التعليمي التربوي الهادف، من إنتاج مؤسسة البرامج المشتركة لدول الخليج العربية، والذي أُنتج الجزء الأول منه في العام 1979 والثاني في العام 1982، وهو النسخة العربية من مسلسل (شارع السمسم Sesame Street‏).

أتدرون من الذي أشرف على البحوث اللغوية واللغة العربية لهذا البرنامج التلفزيوني، وألَّف له زُهاء ثلاثين أنشودة وقصيدة؟

إنه الأكاديمي عبدالله الدنَّان الذي بدأ نظريته في تعليم اللغة العربية الفصحى بالفطرة والممارسة بالانتشار في البلدان العربية، إذ بلغ عدد المدارس التي تطبِّقها حتى الآن أكثر من مئة مدرسة في سورية والمملكة العربية السعودية ولبنان وقطر والإمارات العربية المتحدة والكويت والأردن ومصر، وأخيراً - وهنا بيت القصيد - تبنَّتها حكومة سلطنة عُمان رسميّاً وبدأت تطبيقها في جميع مدارس مسقط.

يقول واسيني الأعرج: «جميل أن تشعر أن هناك في زاويةٍ ما مِنْ هذه الكرةِ الأرضيةِ مَنْ يفكِّرُ فيكَ، ويتألَّم لكَ، ويهتزُّ لآلامِكَ وأشيائِك الصَّغيرة»!

إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"

العدد 2937 - الإثنين 20 سبتمبر 2010م الموافق 11 شوال 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 12:59 م

      شكر وامتنان واعجاب شديد لمقالاتك

      جميل ماقدمته اناملك ياستاذنا الكريم
      ان لمقالك اهمية كبرى في بناء مستقبل نحن الشباب واننا ندرك عن شي غفلة فيه اعيوننا
      نتمنى ترقب مقالات اخرى مع دوام التوفيق وصحة والسلامة
      تلميذك المخلص

    • زائر 2 | 4:27 م

      شكر وإمتنان

      كل الشكر والامتنان للكاتب الكريم على إسهامه في كل ما هو جديد لتطوير أفلاد أكبادنا!!.

    • زائر 1 | 6:36 ص

      امينة الفردان ..

      جميل ما خطته يدك استاذ فاضل ..
      لو طبق كل ما ذكرته في هذا المقال واضيف إلى استراتيجية التعليم المتبع في بلدنا الحبيب لكنا بألف خير .. ولكن ..
      .. ننتظر المزيد من المقالات القيمة كهذه ..
      تحياتي ..

اقرأ ايضاً