العدد 2414 - الأربعاء 15 أبريل 2009م الموافق 19 ربيع الثاني 1430هـ

مناورات إقليمية على مسرح «الشرق الأوسط»

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

يبدأ المبعوث الأميركي إلى «الشرق الأوسط» جورج ميتشل جولته الأولى بعد تولى حكومة أقصى التطرف مسئوليتها. فالمبعوث يواجه متغيرات سياسية أخذت تظهر معالمها على أكثر من صعيد.

إسرائيليا هناك اتجاه نحو تأخير المفاوضات مع الجانب الفلسطيني على قاعدة تجميد مفاعيل «مؤتمر أنابوليس» الذي عقد في نوفمبر/ تشرين الثاني 2007 برعاية مباشرة من إدارة جورج بوش. فلسطينيا هناك توجه نحو تشكيل حكومة ائتلافية تلتزم بالقرارات الدولية ومبادرة السلام العربية في ظل ظروف تشهد حالات من القلق الشعبي على القدس ومصير المسجد الأقصى ما ينذر باندلاع انتفاضة ثالثة في مواجهة سياسة التوطين والاقتلاع. وعربيا هناك تجاذبات إقليمية بين تكتل يطالب بالتخلي عن مشروع المبادرة العربية وتكتل يدعو إلى التمسك بالمبادرة إلى فترة زمنية حتى يتم التوافق على بديل عملي آخر.

جولة ميتشل التي بدأت وسط هذه المتغيرات يرجح ألا تتوفق في التوصل إلى خطة عمل تعيد تشكيل مظلة دولية - إقليمية قادرة على تحريك مشروع تسوية قائمة على حل الدولتين. فالمشروع بحاجة إلى طرفين يدفعان باتجاه التفاهم على الحد الأدنى المطلوب دوليا وإقليميا وعربيا للضغط على حكومة ترفض أساسا معادلة الدولتين وتستعد في المقابل لشن هجوم معاكس يقوض تلك الاتفاقات التي توصلت إليها الأطراف في إطار التساكن السياسي بين الاحتلال والمفاوضات المباشرة مع السلطة الفلسطينية.

عدم توصل ميتشل إلى خريطة طريق في جولته الحالية لا يعني أن أبواب الحلول المؤقتة باتت مقفلة ولم يعد هناك من خيار آخر سوى الحرب. الحرب مؤجلة أو على الأقل لا توجد مناسبة للإعلان عنها لذلك يرجح أن تستمر جولات ميتشل في الوقت الضائع حتى لو اقتضى الأمر البحث عن بدائل وهمية تتبرع قوى إقليمية ودولية في تجربتها على مسرح «الشرق الأوسط».

تركيا مثلا أخذت تتحرك على المسار التفاوضي السوري - الإسرائيلي بهدف إعادة تنشيط تلك اللقاءات غير المباشرة بين الطرفين وتوقفت رسميا بعد العدوان على غزة. وروسيا أيضا تنشط دوليا لتجديد الدعوة إلى عقد مؤتمر للسلام في موسكو بهدف إعادة تشكيل مظلة تنضم تحتها مجموعة أطراف وتطرح على طاولتها مختلف الأوراق للبحث والدراسة. وأوروبا بدورها تستعد لتأخذ موقعها في مربع «الشرق الأوسط» من خلال توسيع دائرة الاتصالات وإدخال كل الأطراف المعنية بالصراع وامتداداته وتداعياته الإقليمية.

كل هذه الأبواب البديلة تبدو وهمية وغير قادرة على ضبط إيقاع المتغيرات السياسية التي أخذت تخلط أوراق التحالفات في مرحلة انتقالية يرجح أن تتوضح بعض معالمها في الفترة المقبلة. الولايات المتحدة تنتظر نتائج الاتصالات التي تراهن على تبلور خطوطها العريضة مع إيران. وأوروبا ترى أن سياسة «اليد الممدودة» ومفاوضات «وجها لوجه» يمكن أن تثمر بعض التوافقات مع طهران ما يساعد على تسهيل قنوات الاتصال بين دمشق وتل أبيب وربما السلطة الفلسطينية.


فترة انتظار

الكل ينتظر الكل في الوقت الضائع. إيران من جانبها تناور على خطين الأول دبلوماسي يرسل إشارات إيجابية إلى الغرب باتجاه التفاهم على مجموعة معطيات ترى أنها قابلة للتفاوض. والثاني يعتمد خط التصعيد الإعلامي والتذكير بوجود مشروع لتطوير البرنامج الصاروخي بالتوازي مع توسيع مجال التخصيب النووي السلمي. و«إسرائيل» من جانبها تناور بدورها على خطين الأول يعلق المفاوضات مع الجانب الفلسطيني ويقترح فتح قنوات الاتصال مع الجانب السوري من طريق تركيا أو روسيا. والثاني يعلن عن توصل تل أبيب إلى تطوير شبكة مضادة للصواريخ البعيدة والقريبة ويجري اختبارات عليها ومناورات مع الجانب الأميركي للتأكيد على قدراتها العسكرية وإمكانات تصديها لتلك المخاطر المحتملة على أمنها.

الإعلان عن أسلحة جديدة واختبارها ميدانيا سواء في الجانب الإيراني أو الإسرائيلي يشكل في الأمد المنظور أشارة دبلوماسية تؤكد في الإطار الحربي الاستعداد للتصدي والمواجهة مقابل الاستعداد للتحاور والتفاوض في الإطار السلمي. فالمناورات لا تعني دائما الاستعداد للحرب وتجهيز القوات المسلحة للمواجهة وإنما تكشف في جانبها الآخر عن توجه يطمح للمسالمة والتساكن.

المنطقة في حال انتظار وجولة ميتشل في «الشرق الأوسط» لتقطيع الوقت الضائع حتى تتبلور خريطة التحالفات وربما احتمال اختلاط الأوراق في الفترة الانتقالية المقبلة. تركيا تبحث عن دور في «الشرق الأوسط» من خلال نسج علاقات خاصة مع الجانبين العراقي والسوري ولعب دور الوسيط على المسار الإسرائيلي وأوراقه «السرية». وروسيا تنشط لتجديد دورها في المنطقة من خلال دعوة الأطراف المعنية لمعاودة الحوار في موسكو على قاعدة مؤتمر أنابوليس. وإيران تتحرك باتجاه أوروبا لفتح باب التفاوض «وجها لوجه» مع أميركا على أساس سياسة «اليد الممدودة» والمدى الحيوي الجغرافي الذي يمكن أن تصل إليه تلك اليد.

هناك مناورات سياسية متنوعة الوسائل أخذت تظهر على شاشة «الشرق الأوسط». فالمسرح العام يتسع لمجموعة قوى وكل طرف يطمح أن يلعب دور الوسيط أو الوكيل أو المقايض يعلن بين فترة وأخرى عن اكتشاف جديد في التقنية أوعن تطور نوعي في منظومة عسكرية (دفاعية أو هجومية) أو عن تدريبات ميدانية لاختبار أسلحة قادرة على اختراق الحدود باتجاه مجالات جغرافية بعيدة وقريبة. فالمناورات العسكرية سياسية في جوهرها وهي تعطي أشارات دبلوماسية للتلاقي على خط وسط يعيد توزيع الأدوار في دائرة استراتيجية حساسة في موقعها الجغرافي وغنية في ثرواتها الطبيعية.

ميتشل الذي بدأ جولته الأولى في عهد حكومة أقصى التطرف الإسرائيلي يرجح أن يفشل في التوصل إلى إعادة إحياء المفاوضات المباشرة مع الجانب الفلسطيني على قاعدة «حل الدولتين» وتفاهمات مؤتمر أنابوليس. واحتمال الفشل يعني البحث عن بدائل وخيارات أخرى تعوض تعثر المسار الفلسطيني في فترة انتقالية تتنافس في وقتها الضائع مجموعة قوى إقليمية على تقديم العروض الدبلوماسية والاستعراضات العسكرية.

احتمال تعثّر المسار الفلسطيني مسألة غير مستبعدة في الأمد المنظور. وفي حال انعطف المفاوض الفلسطيني عن مساره فإن الكثير من الأبواب الإقليمية (السورية، التركية، والإيرانية) يمكن أن تفتح لمساعدة الولايات المتحدة سواء على صعيد الوسيط التفاوضي أو على صعيد تقمص الدور الخاص في إدارة اللعبة على مسرح «الشرق الأوسط الجديد».

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2414 - الأربعاء 15 أبريل 2009م الموافق 19 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً