العدد 1030 - الجمعة 01 يوليو 2005م الموافق 24 جمادى الأولى 1426هـ

الغرب يبحث عن بديل للنفط العربي

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

يعمل مايكل تاونزيند في باكو "عاصمة أذربيجان" في برج تابع لفندق من خمسة نجوم. تبلغ موازنة مكتبه 3 مليارات دولار. منذ 25 سنة يتنقل تاونزيند من ورشة بناء لأخرى، وقد عمل في حفر مواقع لمد أنابيب في بحر الشمال وفي روسيا والاسكا وأمضى حياته يعمل في صناعة النفط. وقبل أن يأتي إلى منطقة القوقاز عمل في قسم العلاقات العامة التابع لشركة بريتيش بتروليوم في واشنطن والتقى نخبة معتبرة من المسئولين السياسيين. تاونزيند مهندس وسياسي على دراية بالأرقام والإحصاءات ويتمتع بموهبة إقناع محدثيه وقد استعد جيدا للقيام بمهمته الجديدة، إذ إن رب عمله، "شركة بريتيش بتروليوم"، أكبر مساهم في مجموعة دولية تعتزم استخراج خمسة مليارات برميل من النفط من أرض بحر قزوين ونقلها إلى المستهلكين في أنحاء العالم. وكي يتحقق هذا الهدف يتعين أولا بناء أنبوب لضخ النفط، وقد حصل تاونزيند على تكليف لإنجاز هذه المهمة.

يبدأ أنبوب النفط من مكان غير بعيد عن الشاطئ الغربي من بحر قزوين ويمتد إلى أذربيجان مرورا بجبال جورجيا، ثم إلى تركيا، وينتهي بعد مسافة طولها 1770 كم عند ميناء جيهان. وتبلغ كلفة هذا المشروع 3 مليارات دولار، ويعرف الآن باسم أهم أنبوب نفط في العالم.

الإدارة الأميركية في مقدمة الأطراف التي اهتمت بهذا الأنبوب منذ بدء التفكير بالمشروع وراحت تسعى لتحقيقه، وسعى الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون خصوصا إلى التعجيل بالمشروع الذي يرمي أساسا إلى خفض اعتماد الولايات المتحدة والغرب عموما على النفط العربي.

غير أنه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي لم تعد المجموعة الدولية المهتمة بالمشروع واثقة من نجاحه نظرا لكثرة النزاعات المسلحة وانعدام الاستقرار الأمني والسياسي في عدد من دول منطقة القوقاز، ولكن سرعان ما كشفت دراسات دولية عن وجود كميات ضخمة من النفط في باطن الأرض في هذه المنطقة، فانصرفت الأطراف المعنية إلى وضع خطط لإتمام المشروع الكبير. وكان أمامها أن تختار طريق الأنبوب. الطريق الأول يقود من باكو إلى ميناء نوفوريزيسك على البحر الأسود، الثاني عبر إيران، والثالث ينتهي إلى ميناء جيهان التركي.

الولايات المتحدة رفضت منذ البداية الطريقين الأول والثاني، ورأت أنه لا ينبغي منح فرصة للرئيس الروسي أو القيادة الإيرانية للتحكم بشريان الاقتصاد العالمي. وفي العام 1999 وقع رؤساء أذربيجان وجورجيا وتركيا على اتفاقات في هذا الخصوص بحضور الرئيس كلينتون، على رغم أن قيادة المشروع لا تقوم بها شركة النفط الأميركية العملاقة "أموكو"، وإنما شركة "بريتيش بتروليوم".

اهتمام الولايات المتحدة بالمشروع لفت انتباه منتقدي العولمة وحماة البيئة. وفي وقت مبكر تشكلت جبهة مناهضة لهذا المشروع كان من بين أطرافها منظمة العفو الدولية التي حذرت من تعاون "بريتيش بتروليوم" مع تركيا في انتهاك حقوق 30 ألف مواطن سيؤدي قيام المشروع لخسارتهم منازلهم. ووصفت "أمنيستي إنترناشيونال" المشروع بأنه عبارة عن رمز لاحتكار الشركات واعتداء واضح على حقوق الإنسان.

أنابيب النفط والمصانع والمناطق الصناعية حين تنشأ في مناطق منسية من العالم لم تكن تثير اهتمام أحد، أما اليوم فإنها حين تظهر سرعان ما تلفت انتباه الرأي العام العالمي. في السابق أيضا لم تكن هذه الشركات تعير أهمية لسمعتها، ولكنها اليوم تهتم كثيرا بأن تكون سمعتها حسنة. لهذا فإن تاونزيند مهتم جدا بأن تكون سمعة شركته حسنة. وقد أصر رئيس الشركة البريطانية جون براون عليه بالاهتمام كثيرا بالترويج لاسم الشركة جيدا. وبراون الذي يرتبط بصداقة شخصية قوية مع رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير، سعيد جدا لأن شركته استطاعت تطبيق مقررات مؤتمر "كيوتو" للمناخ الدولي بخفض انبعاث الغاز من المصانع، وأن بريتيش بتروليوم أهم شركة أوروبية تعمل بالطاقة الشمسية وتنقل النفط بطريقة ملائمة للبيئة.

وتشير الشركة عبر صفحاتها على الإنترنت إلى أنها قامت في العام 2003 بوقف العمل باتفاقات معقودة مع شركاء اتهمتهم بالفساد. وتعتني الشركة كثيرا بالدعاية لسمعتها عبر صفحاتها الإلكترونية، غير أن منتقدي مشروع بناء أنبوب النفط في القوقاز لهم رأي آخر بشأن شركة النفط البريطانية. فمن يسافر على الطريق الذي يشهد بناء المشروع من أذربيجان إلى جورجيا يرى مئات العمال بخوذاتهم وستراتهم التي تحمل شعار الشركة. ويعمل هؤلاء ساعات إضافية من دون شكوى، ولا يتوقف العمل حتى غروب الشمس. تجري مكافأة العمل بحسب نظام ساعات العمل. في جورجيا يحصل العامل على أجر أقصاه 460 يورو، والذين يعملون في مشروع بناء أنبوب النفط يتقاضون أعلى أجور في بلدهم. وتجري في شاطئ بحر قزوين في أذربيجان أعمال حفر ترمي إلى استخراج النفط من عمق ثلاثة آلاف متر. وفي ميناء جيهان التركي تستعد ناقلات ضخمة لنقل النفط. وتذهب التقديرات إلى استمرار أعمال الحفر والنقل مدة أربعين سنة. لكن منطقة جيهان معرضة لهزات أرضية، وينتظر أن تقع هزة أرضية خلال هذه الفترة.

مساعدة لضمان أمن الأنبوب

على الحدود بين أذربيجان وجورجيا تقع قرية بيرزات، والناس فيها لا يستفيدون من المشروع لأن الأراضي مملوكة للدولة. لكن الشركة تبرعت لهم بمبلغ خمسة آلاف دولار للقيام بمشروع يختارونه بأنفسهم تعويضا عن ضجيج أعمال الحفر. ومع ان السكان قيل لهم ان هذا المبلغ مساعدة خاصة، إلا أنهم يعرفون الحقيقة، وهي أن المشروع الصغير المدعوم ماديا من الشركة البريطانية يرمي إلى ضمان سلامة الأنبوب في المستقبل. وكان أفضل بالنسبة إليهم لو تم إشراك سكان القرية بأعمال البناء.

شركات أخرى تعمل في المشروع مولت برامج اجتماعية صغيرة في قرى ومدن صغيرة تقع على امتداد أنبوب النفط. وتتصرف هذه الشركات التي تقع مراكزها الرئيسية في أوروبا والولايات المتحدة حفاظا على سمعتها، وفهم رؤساؤها أهمية استثمار بعض المال في كسب ود الجيران، فهذا مهم كأهمية عقد الصفقات مع الحكام المستبدين الذين يستفيدون ماديا كثيرا من وراء هذا المشروع.

الشركات اكتشفت أيضا انه من الخطأ أن يقوم العمال بأعمال الحفر تحت حراسة الجيوش المحلية، ولتوفر على نفسها عناء التعرض للمقاضاة ما يعرض سمعتها إلى أذى. تقول بريتيش بتروليوم إنه بوسع كل شخص الاطلاع على العقود المبرمة مع حكومات تركيا واذربيجان وجورجيا، كما تنشر نتائج المشروعات الاجتماعية التي تقوم بها بأربع لغات. وتؤكد الشركة أنه لا يجري إجبار أحد على العمل ضد إرادته، كما تجري حماية المواقع الأثرية. وتم إرسال صور لهذه العقود إلى المكتبات الوطنية في المدن الواقعة على طول خط الأنبوب. ويحلو لموظفي "بريتيش بتروليوم" الإشارة إلى أنه تم نشر 11 ألف صفحة على الإنترنت تشير إلى نشاطات الشركة في القوقاز. غير أن هذا الرقم يرمي أيضا لصرف الأنظار عما لا يقال. فالشريك الرئيسي للشركة في إذربيجان هي الحكومة التي تملك النفط الذي ستعمل الشركة البريطانية في استخراجه. وشركة النفط الوطنية في اذربيجان "سوكار" هي ثاني أكبر مساهم في المجموعة الدولية. ورئيس أذربيجان هو إلهام علييف الذي حصل على السلطة من والده وفاز بمنصبه عقب التلاعب بنتائج الانتخابات، وتتهمه منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان باضطهاد معارضيه واستخدام البرلمان كآلة للتصفيق. ومن دون النفط لا تقوى أذربيجان على الحياة، إذ النفط يشكل نسبة 90 في المئة من حجم الصادرات، والأشخاص الذين يشكلون طبقة الأغنياء هم الذين يحظون برضا الرئيس، ومن بينهم سمير شريفوف مدير صندوق عوائد النفط"سوفاز" الذي يجلس على مليار دولار حاليا، إذ يحظى بصلاحية التصرف بعوائد النفط وهو من أبرز المقربين للرئيس.

نحن ضيوف في بلد فاسد!

ويشير المنتقدون إلى عدم وجود نظام مراقبة على عوائد النفط لعدم تمكين الرئيس من التصرف بها بحرية، لكن شريفوف ينفي وجود أية تجاوزات. وكانت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا قد انتقدت نتائج انتخابات الرئاسة التي جرت في العام 2003 مثلما سبق وانتقدت الانتخابات البرلمانية في العام .2000 كما تعتبر ترانسبيرانسي إنترناشيونال "أكبر منظمة دولية تراقب الفساد في العالم" أن أذربيجان واحدة من أبرز عشرة بلدان في العالم يتفشى فيها الفساد. وبينما يرفض شريفوف هذه الاتهامات ويدافع عن رئيسه، يتجنب تاونزيند التعليق على هذه الاتهامات ويكتفي بالقول: "نحن ضيوف في هذا البلد".

في مبنى يقع بالعاصمة الأميركية "واشنطن"، يجلس رجل يعرف الكثير عن أذربيجان وأنبوب النفط وغير ذلك، اسمه رشاد قلداني، وهو مدير قسم النفط والغاز في شركة التعاون والتمويل الدولية "آي إف سي" التابعة للبنك الدولي والتي تدعم مشروع بناء أنبوب النفط بمبلغ 250 مليون دولار. ويحمل قلداني الجنسيتين السورية والأميركية، وهو رجل كثير السفر. وعلى رغم أن وظيفته تحكم عليه الاهتمام بشئون الفقراء في العالم إلا أن أسلوب حياته يجعله يرتبط بصداقات مع المسئولين في شركات النفط ويجعله لا يختلف كثيرا عن تاونزيند. تقدم شركة "آي إف سي" قروض المشروعات التي ترمي لتخفيف حدة الفقر في البلدان النامية. وفي العام 2003 تم بصورة مفاجئة تقديم قرض لأذربيجان لاستخدامه في تمويل مشروع الأنبوب. وعندما سئل قلداني: هل يعقل منح قروض لأنظمة فاسدة؟ أجاب: "هذه أنظمة تتمتع بالاستقلالية، ليس بوسعنا منعها من بيع النفط عدا أن القروض تضمن للشركة الحصول على النفوذ".

ويعترف قلداني أن الأموال التي تحصل عليها أذربيجان من بيع النفط تبقى مضمونة طالما هي محفوظة في صندوق يخضع للمراقبة، غير أنه سرعان ما تتسرب هذه الأموال إلى قنوات بحجة استخدامها في موازنة الدولة فتصبح المراقبة مهمة صعبة. ويقول البعض إنه كان أفضل لو رفض البنك الدولي منح أذربيجان قرضا قيمته 250 مليون دولار، لأن هذا المبلغ من ضرائب الدول الأعضاء في البنك الدولي. غير أن هناك تكهنات بأن هناك دعما من جانب الولايات المتحدة التي تمتلك حق الفيتو في البنك الدولي.

وأصبح لمنتقدي مشروع أنبوب النفط ما يشبه مقر القيادة في عاصمة جورجيا، عبارة عن مكتب صغير ألصقت على جدرانه ملصقات تحمل شعارات مناهضة لشركة "بريتيش بتروليوم". وتدير الحملة كيتي كوجارايدزه التي تصف نفسها بانها عضو في تنظيم الخضر، المنظمة الصغيرة التي تهتم بالبيئة. وقد تفقدت كيتي مواقع البناء أكثر من مرة لتقصي الحقائق، وتعتقد أن المشروع عملية تآمر مدبرة بين حكومات المنطقة والبنك الدولي وشركة "آي إف سي".

وتشير كيتي إلى أنه على رغم مساعي "بريتيش بتروليوم" للإيحاء بأنها تهتم بسلامة البيئة والناس، فإنها في الحقيقة تتجاهل سلامة البيئة حين تمضي في تحقيق هدفها، كما أنها تتعاون بصورة كبيرة مع الحكومات الفاسدة في المنطقة.

وتشير بياناتها إلى أن الشركة البريطانية تستخدم في أعمال البناء مادة لحام يزول أثرها خلال سنوات، لكن الشركة ترفض هذا الاتهام وتقول لمنتقديها: لماذا نعمل في مشروع كلفته 3 مليارات دولار ليصبح عديم الفائدة بعد سنوات قليلة؟

بالنسبة لتاونزيند فإن الفرج بدأ يقترب، وهو لا يكترث بالمناقشات الصاخبة التي تدور بشأن المشروع. ففي موعد أقصاه شهر واحد سيبدأ ضخ أول كمية من النفط، وبعد 4 أشهر سيمتلئ الأنبوب البالغ طوله 1700 كم، ثم يجمع مقتنياته ويطير من المنطقة ليقول إنه بنى أطول أنبوب نفط في العالم. لكنه يعترف بصراحة أنه لم يساعد في تحقيق الديمقراطية في أذربيجان... ولماذا عليه أن يفعل ذلك، فهذا ليس من مهمات عمله طبعا

العدد 1030 - الجمعة 01 يوليو 2005م الموافق 24 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً