العدد 1031 - السبت 02 يوليو 2005م الموافق 25 جمادى الأولى 1426هـ

عن الطائفية... لا الطائفة

عثمان الماجد comments [at] alwasatnews.com

-

باستثناء الصومال المتجانسة قوميا ودينيا، وما يؤسس له ذلك من إمكانات تطور سياسي سلس لا يتشاكل مع التاريخ ولا يصطدم بالمسألة الطائفية كما هو الحال في بلدان عربية أخرى تزدحم بها الجغرافيا من مسقط في الخليج العربي شرقا، التي اختارت أن تبقى على صلتها بالمتحولات العالمية، تدرجا، عبر إدخال أدوات ديمقراطية لمؤسسة الحكم بدءا من مجلس شورى معين إلى نصف منتخب، مع إعطاء دور للمرأة في صوغ القرار السياسي، وهذا مؤشر ايجابي على أهمية إصلاح ذات البين ما بين الحكم والشعب، إلى مراكش الواقعة غربا تراقص أمواج الأطلسي طربا بالخطوات الواسعة التي يخطوها شعبها باتجاه الحداثة والديمقراطية والتعددية التي تتيح الفرصة لاشراك الرأي الآخر في صوغ برامج التنمية المتجهة إلى الكل والكفيلة بالقضاء على الفقر وعلى أشكال التمييز والعنصرية كافة، إلا أن ذلك التجانس، الصومالي، لم يكن يوما مانعا من دخولها في دوامة من الدم ستظل تعانيها لزمن يطول ويطول. فباستثناء الصومال، كما أسلفت، فإن معظم البنيات الديمقراطية العربية، وبالتالي، الاجتماعية تتشابه من حيث تعددية الأعراق أو المذاهب أو القوميات، بل ان أكثر من بلد عربي تتجاوز فيه هذه التعدديات وتتداخل، نسبا وثقافة، لتشكل لوحة اجتماعية ضاجة بالنبوءات الايجابية، حبلى بالمتوقع وغير المتوقع، وتصوغ في إطار تجريدي! شكلا مميزا من أشكال التوحيد والتراص، الذي يقوي ولا يضعف اعتمادا على ما يكتنزه هذا البلد أو ذاك من عناصر الحضارة، وليس على ما يخطط له صانع القرار لأنه في أكثر من بلد تراه ملتهيا برسم سياسة تحالفاته مع هذا المذهب أو تلك القومية على حساب جمالية الصورة المتناغمة حضارة وثقافة.

فالطائفية من حيث هي، تاريخا، تسييس للطائفة، وهي أيضا شيء من انحدار مدو في القيم الإنسانية ونرجسية مقيتة، وانها فاجرة رافضة للآخر، تجد مرتعها وأكسجين بقائها، على عكس ما هو مرتجى، في المجتمعات ذات التنوع الديني أو المذهبي أو القومي، والسبب في ذلك لا يخرج عن كونه انحيازا عصبويا لطائفة ما على حساب أخريات. وهذا الانحياز يأخذ منحى مركبا، ففي الوقت الذي يهمش طائفة ما أو يلغيها أو يميزها، فإنه يجزل العطاء والمزايا لطائفة أو طوائف أخرى، وهذا كاف، في اعتقادي لتحريك كوامن القهر المتراكم ومبررات الرفض عند تلك الطائفة المغبونة، ويؤسس مقدمات لانفلات الأمن وعدم الاستقرار. وهذا يقودنا إلى طرح سؤال: إلى أي مدى تسهم السلطة السياسية الحاكمة في البلدان العربية في استزراع بذور الطائفية؟! وهل هي قادرة على المديين الطويل والقصير، على الاستفادة من ذلك؟ في اعتقادي أن السلطات السياسية الحاكمة تسهم، في أحيان كثيرة، في إذكاء نيران الكراهية بين الطوائف المختلفة، في الوقت ذاته تستخدم سلطة الدولة القمعية لمنع ذلك من الظهور على السطح لكي لا تهتز هيبة الدولة، ولكن ذلك لم يكن ليمنع من إحداث تصدعات في بنية الأمن المجتمعي وتآكل في النسيج الاجتماعي المعول عليه في تشكيل تراض لازم لحفظ الوحدة الوطنية، الوعاء الذي تعتمل فيه خطط وبرامج التنمية المتجهة صوب مستقبل أمكن وأجدر بأن يعاش، يستظل أبناؤه بظلال وارفة من الديمقراطية والمواطنة وحقوق الإنسان. وأعتقد أن المثال العراقي في هذا السياق يلقي بظلاله على ما أنا بصدده. فما كنا لنعرف إلى أي مدى وصلت فيه الطائفية لولا انفراط عقد الدولة العراقية. وإذا استثنينا المسألة الكردية ومطالبتها التاريخية بدولة، فإن المسألة العربية والإسلامية والشيعية والسنية تظل غائمة وملتبسة وقيد المجهول. وما يدور حاليا من الاستقطابات الطائفية ما هو إلا مفاجأة للعرب، استطاع نظام صداع حسين أن يخبئها لاستخدامات وظيفية حتى عبد سقوط نظامه.

فهلا استداك الفرقاء هذه الحقيقة لسد الطريق امام فلول البعث لحماية الوحدة الوطنية وتعميق الديمقراطية عبر إشراك جميع مكونات الشعب العراقي في العملية السياسية وصوغ الدستور، فقط بهذه الطريقة يتم المحافظة على العلاقات بين الطوائف التي قيل انها مضرب للأمثال، وعلى المنجز الديمقراطي وبناء مؤسسات الدولة وتحريرها من الاحتلال.

ومن محاسن الديمقراطية في بعدها المتعلق بحرية التعبير أنها تكشف ما يمور في قاع المجتمع وتقذف به في مرمى التناول وتضعه على طاولة الجدل، ومنها بالتأكيد ما يتصل بالطائفية التي إن دل طغيانها في المشهد العربي على شيء، فإنما يدل على تشوه حضاري لا يقيم وزنا للآخر، وانحراف سياسي وخلط في المفاهيم يؤدي إلى تقديم الخاص على العام، وتأويل خطأ يجير عنوة الانتماء والولاء إلى الطائفة وليس إلى الوطن، كما أنه يدل على انعدام في الحس الوطني وعلى مستوى من الوعي منخفض بحقوق الإنسان وإهدار لخصوصيات الآخر وتميزه.

يبقى أن نسأل: لماذا كل هذا التساهل الذي تميزت به السياسات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية في البلدان العربية، التي نحصد مترتباتها الكارثية؟، إذ إنه ليس من المقبول أن يكون عمر التعليم في البحرين، مثلا، ما يقارب القرن ولم يستطع أن يواري الطائفية ثرى الوطن ويبقى لكل طائفة كيانها المادي الذي لا علاقة له، مذهبيا، إلا بما خص المعتقد، ولا يخرج عن كونه ممارسة دينية يكون الوطن جامعا لها لا أن تكون هي الجامعة للوطن، إذ ان أي مسعى لجمع الوطن في الطائفة هو المقدمة لانكساره وتبعثره. وينبغي أن يكون السؤال حاضرا أبدا: ما مبررات قفز المشكل الطائفي في المشهد الاجتماعي بعد طول قبر له؟ نعم في المشهد الاجتماعي، ذلك أن العلاقات الاجتماعية، في اعتقادي، غدت متأثرة بالعناوين السياسية فضلا عن الشحن في دور العبادة ومؤسسات المجتمع المدني، التي من المفترض أن تكون في منأى عن ذلك، وما تتناقله وسائل الإعلام من صحافة ومواقع الكترونية وكاسيتات، عابرة للقارات! توزع بشكل مهووس يبعث على الحزن والكل فيها يدعي احتكار الحقيقة، والحقيقة ضائعة في هذا الموتور من الكلام، والانسياق العاطفي إلى مواقع الطائفة الضيقة التي، من أسف، يعتقد أنها الظل الظليل، والحصن المنيع الذي يوفر ما لم توفره الدولة من أمن اقتصادي واجتماعي وممارسة دينية "حرة" تعطيه حق الادعاء بأنه الأصح، والأكثر حقيقة من الآخر.

ولدحر الطائفية ينبغي ان تستعر المواجهة ضدها من خلال نقد الأصولية في الأديان والمذاهب وأيديولوجيات الأحزاب، راعية الطائفية وموئلها الذي تستزيد منه كراهية للآخر، في أي موقع كانت والتقليل من مؤثراتها العاطفية على الشباب، من دون المساس بالحريات العامة، وذلك عبر البرامج التربوية والثقافية والاجتماعية التي تؤكد أن الطائفة جزء من دين والدين رابطة عقيدية داخل الوطن تشكل جزءا منه وإذا ما جرى تغليبها على الرابطة الوطنية انهارت قاعدة الوحدة الوطنية، وكذلك حث مؤسسات المجتمع المدني على تنشيط أدوارها لاستقطاب الشباب وإدخاله في دائرة الهم المجتمعي ليصل إلى قناعة بأن مشكلة التنمية الأوطان ليس في طوائفها ولا في أعراقها، وإنما في برامج التنمية التي على جهود المؤسسات الأهلية والرسمية أن تتعاضد لإخراج الأوطان وعتق الشعوب من بهيمية الفعل المضاد لإنسانية الإنسان، وتحقيق وفر مادي تنعم به، وبناء منظومة من القوانين مرتبطة بالديمقراطية وحقوق الإنسان والمواطنة

العدد 1031 - السبت 02 يوليو 2005م الموافق 25 جمادى الأولى 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً