العدد 2415 - الخميس 16 أبريل 2009م الموافق 20 ربيع الثاني 1430هـ

محاكمة طارق بن زياد!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كلنا نعرفه... فاتح الأندلس وصانع المجد الذي عبر بالجيش الإسلامي من العدوة المغربية إلى الأندلس، حيث توطّد الفتح الإسلامي وبقي ثمانية قرون.

أما نسبه فمختلف فيه، بعض المؤرخين يقول إنه عربي من كهلان اليمنية، وبعضٌ يقول إنه فارسي من همذان، وبعضٌ يقول إنه بربري من قبيلة «نفزة»... لكن يبقى بطلا إسلاميا يعتز به الجميع.

كان مولى لموسى بن نصير، ويقال إنه أُسر وهو صغير، فربّاه وتعهده حتى أجاد العربية، بدليل خطبته البليغة التي حسمت المعركة إذ خاطب جنوده قائلا: «العدو من أمامكم والبحر من ورائكم...». كما تميّز بمهارته الإدارية وفنون الحرب.

كان موسى بن نصير يمتلك مشروعا عسكريا جبارا، ينطلق من أسبانيا إلى روما، ويتجه شرقا ليطوّق القسطنطينية، وهكذا أعد طارق الجيش المكون من سبعة آلاف مقاتل، من العرب والبربر، ونزل بهم عند الجبل الذي سيظل يحمل اسمه حتى الآن، ويعطي اسمه للمضيق الفاصل بين أوروبا وإفريقيا. وبسبب المقاومة العنيفة هناك، قام بحركة التفاف في الليل ليطوق الجبل ويستولي عليه، ويقيم فوقه سورا سمي «سور العرب».

مع اشتداد المقاومة استنجد بموسى بن نصير، فأغاثه بخمسة آلاف، لتبدأ معركة من أشرس معارك التاريخ، استمرت ثمانية أيام، لكنها حسمت الوضع لصالح المسلمين، فبقوا في الأندلس ثمانية قرون حتى جاء حكام الطوائف والقبائل والأفخاذ!

بينما كان موسى يتمّم مع طارق فتح مدن الأندلس، طلبهما الوليد بن عبدالملك إلى الشام، فأحسن استقبالهما خصوصا لما رآى الغنائم كما قال بعض المؤرخين، إلا أنه توفي بعد أربعين يوما، فخلفه أخوه سليمان، فأراد أن يعاقب موسى بن نصير لخلافٍ بينهما، فأمر بإيقافه في حرِّ الشمس وقد بلغ عمره الثمانين من عمره، فسقط مغشيا عليه. ولما أفاق خاطب سليمان: «أما والله يا أمير المؤمنين ما هذا بلائي ولا قدر جزائي».

بعض المؤرخين الذين يأخذون بالتفسير السياسي، يقولون إن الخليفة الأموي خشي أن تفلت الأرض المفتوحة حديثا من قبضته وتعلن الانفصال، يساعدها على ذلك بعدها الجغرافي وما يفصلها من صحاري وبحار.

المؤرخون الذين يأخذون بالعامل النفسي والاجتماعي، يقولون إن للبطولة أعداءها، وللأبطال حسّادا كثيرين، وهكذا أغرى أحدهم الخليفة باتهام موسى بن نصير برائحة التشيّع، والميل لأهل البيت، أي أن فكرة «الخطر الشيعي» ليست ابنة اليوم، وإنّما تضرب بجذورها بعيدا في أعماق التاريخ! وهكذا جيء بالقائد الإسلامي العظيم الذي فتح الأندلس إلى الشام وإيقافه في الشمس اللاهبة، لمعاقبته على النصر المبين!

من أنصار هذه النظرية رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، الذي التقى يوما بقائد المقاومة العربية الإسلامية السيد حسن نصر الله، في أعقاب الانتصار المدوي على «إسرائيل»، وطردها من الجنوب اللبناني في تموز 2000، فأعرب له عن خشيته من عدم تحمّل الجسم العربي الذي أدمن الهزائم والنكسات والنكبات... لهذه الجرعة الكبيرة من الانتصار!

لقد صدقت نبوءة بري، وجاءت ساعة اقتياد البطل إلى المحكمة بعد ذبح غزة، فنحن أمةٌ تتذلّل لعدوها بحبس أبطالها تحت الشمس، أو تعليقهم فوق المشانق. وما أروع خالد بن الوليد حين قال: ألا لا نامت أعين الجبناء.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2415 - الخميس 16 أبريل 2009م الموافق 20 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً