بمناسبة تشكيل مجلس أعلى للسياحة، من الواضح أن البحرين تعول كثيرا على قطاعها السياحي من أجل تنمية الموارد المالية، وتنويع مصادرها آخذة في الاعتبار أن النفط بات يتقلص دوره تدريجيا في الاقتصاد الوطني، وان الآتي من التحديات التنموية هو اكبر ما مضى إذ باتت الأبواب مشرعة على اتجاهات العولمة والتحرير الاقتصادي والتكتلات الاقتصادية الكبرى. ويجب أن ننوه منذ البداية بأن هذه المقالة لن تركز على ما تعانيه الفنادق - كأحد المرافق السياحية من مشكلات في الوقت الحاضر - وانما ستتناول الموضوع من وجهة نظر شاملة للقطاع السياحي ومتطلبات النهوض به على المدى المتوسط والبعيد.
فهل صحيح انه بإمكان قطاع السياحة في البحرين أن يلعب دورا مهما في تنمية الموارد المالية. وإذا كان كذلك ما المطلوب لتعظيم وزيادة فاعلية هذا الدور... وما المستقبل الذي نريده لقطاع السياحة في البحرين.
فيما يخص عدد السياح فلم يكن عددهم يتجاوز 64 ألف سائح العام .1985 وجاء افتتاح جسر الملك فهد في نهاية العام 1986 ليحقق طفرة كبيرة في عدد السياح إذ بلغوا مليونا و170 ألف سائح خلال العام .1988 واستمر هذا العدد بالتنامي التدريجي حتى بلغ أكثر من 3 ملايين العام .2003
ويوجد في البحرين في الوقت الحاضر نحو 73 فندقا مصنفا منها 7 فنادق ذات 5 نجوم و7 فنادق ذات 4 نجوم و20 فندقا ذات 3 نجوم ويتراوح العدد الباقي ما بين نجمتين ونجمة واحدة . كما يوجد عدد كبير من الشقق السكنية المفروشة، بالإضافة إلى منتجعات بحرينية مثل البندر والمارينا ونادي اليخوت.
وارتفعت مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي بشكل متسارع من مستويات متدنية جدا في العام 1985 إلى نحو 9,2 في المئة العام .2003 وظلت هذه النسبة تراوح عند المعدلات نفسها ما يشير إلى تباطؤ مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي.
وساهم القطاع السياحي بكل أفرعه وأنشطته في خلق ما نسبته 16,7 في المئة "نحو 35 ألف وظيفة" من اجمالي الوظائف الموجودة في البحرين سواء المرتبطة مباشرة بالقطاع السياحي نفسه أو تلك الوظائف المرتبط وجودها جزئيا بالقطاع السياحي. الا أن نسبة البحرنة لاتزال متدنية في هذا القطاع.
ويتوقع أن يناهز اجمالي إنفاق السياح والقطاع السياحي في البحرين الـ 800 مليون دولار منها 450 مليون دولار يعاد تدويرها ضمن أنشطة الاقتصاد الوطني في حين يتم تحويل المتبقي إلى الخارج على هيئة رواتب ومشتريات خارجية.
ويتكون أعداد السياح في البحرين بشكل رئيسي من السياح القادمين من دول مجلس التعاون الخليجي "82 في المئة، سواء الذين يمكثون أقل من ليلة واحدة أو أكثر" بينما تبلغ نسبة السياح من بقية دول العالم نحو 18 في المئة.
على رغم ما ذكرنا من تطورات وخطوات سلطت الضوء على حيوية مكانة البحرين السياحية، فإنه اصبح من المشروع ان نسأل طالما ان البحرين تمتلك كل مقومات التطور سياحيا لتكون مركزا سياحيا إقليميا وعالميا - شأنها في ذلك شأن مركزها المالي والتجاري والخدمي - لماذا لا تتهيأ لكي تلعب هذا الدور وما المطلوب توفيره لكي تلعب هذا الدور. باعتقادنا ان المطلوب هو اتخاذ إجراءات وخطوات على اكثر من صعيد، وتكون هذه الإجراءات والخطوات استكمالا لما بدأته في هذا المجال:
* أجهزة تنفيذية للسياحة: إن أحد المتطلبات الرئيسية لتطوير قطاع السياحة في البحرين هو إيجاد أجهزة تنفيذية تضم كل الدوائر والجهات المعنية بقطاع السياحة، بحيث تعطى هذه الأجهزة كل الصلاحيات التي تؤهلها للبت في كل ما يمكن أن يؤدي إلى تطوير هذا القطاع، وتوفير المرافق السياحية وتسهيل الاستثمارات السياحية. بحيث يكون عمل هذه الأجهزة متمما ومكملا لعمل المجلس الأعلى للسياحة في البحرين، الذي تركز دوره في التخطيط والتوجيه والإشراف، فعلى سبيل المثال، ضرورة إيجاد مجلس للتسويق السياحي يضم بالإضافة إلى شئون السياحة ممثلي القطاع الخاص، كذلك إيجاد مجلس يضم عددا من المديرين والمديرين العامين للقطاعات المهمة بالنسبة إلى صناعة السياحة - مثل الإدارات المسئولة عن الأراضي الاستثمارية، البلديات، الهجرة والجوازات، الأمن العام...
* التسويق السياحي: إن الترويج السياحي يمثل عنصرا حاسما في نجاح جهود السياحة في البحرين. فلا فائدة من الجهود الجبارة والتسهيلات الضخمة المتوافرة للسياح والسياحة في البحرين إذا لم يتم الترويج لها بشكل جيد ومتخصص. ونرى ان هناك دولا لا تمتلك قليلا مما تمتلكه البحرين من إمكانات سياحية ، إلا انها نجحت في جذب عشرات الآلاف من السياح بفضل أساليب الترويج والدعاية الممتازتين والمتخصصتين. ونحن نؤكد هنا على جانب التخصص في الترويج السياحي. أي إننا لا نتوقع أن يقوم جهاز الترويج للاستثمارات الصناعية أو المالية في البحرين للترويج للسياحة في الخارج بالكفاءة نفسها التي يقوم بها جهاز الترويج بإدارة السياحة نفسها. فالترويج للسياحة يتطلب كوادر بشرية سياحية متخصصة تمتلك العلم والتدريب والخبرة التي تؤهلها لذلك.
إن جميع ما ذكرنا من أهمية للترويج السياحي يتوقف في النهاية على وجود موازنة مالية كافية مرصودة لأغراض السياحة في البحرين. إن الدول المجاورة للبحرين ترصد للترويج السياحي موازنات تتضاعف بعشرات المرات على الموازنة المرصودة في البحرين للترويج السياحي.
* الاستثمار السياحي: لاشك ان تشجيع الاستثمار في القطاع السياحي هو حجر الزاوية في تطوير السياحة وتأهيلها بالمرافق والتسهيلات الجاذبة للسياحة. إن الكثير من الدول التي اهتمت بتطوير قطاعها السياحي قامت بتخصيص مواقع شاسعة من الأراضي والبلاجات للمستثمرين السياحيين، وقامت بتوفير البنية التحتية الضرورية "طرق - شوارع -اتصالات - مواصلات - الخ" لها. وقامت بتزويد خرائط كاملة لهذه الأراضي والبلاجات للدائرة أو الجهاز المسئول عن السياحة في بلدها وأعطته الصلاحية الكاملة لعرضه على المستثمرين والترويج له داخليا وخارجيا من خلال عمل دراسات الجدوى للعائد على الاستثمار في هذه المشروعات. كما انها تعرض أيضا ترتيبات قامت بإعدادها مسبقا لتوفير تسهيلات الحصول على شريك محلي أو قروض أجنبية أو محليه لتشجيع المستثمرين للاستثمار في هذه المشروعات. ومن الواضح ان مثل هذه الخطوة لم تتحقق بعد في البحرين بالصورة المطلوبة
العدد 1043 - الخميس 14 يوليو 2005م الموافق 07 جمادى الآخرة 1426هـ