العدد 1047 - الإثنين 18 يوليو 2005م الموافق 11 جمادى الآخرة 1426هـ

الصراع القادم فلسطيني

محمد غانم الرميحي comments [at] alwasatnews.com

هناك موعدان مع الصراع القادم في فلسطين، الأول بين اليمين الإسرائيلي المتشدد ذي التوجهات الصهيونية الدينية، وبين الحكومة الإسرائيلية، مهما كان شكلها الإيديولوجي؛ والثاني بين الفلسطينيين أنفسهم. لقد كثر الحديث عن الصراع القادم في الدولة العبرية إلى درجة انه نوقش بكثافة في أكثر من مقال في الصحف الإسرائيلية التي ترجم الكثير منها، فهو حقيقة واقعة. أما الصراع الفلسطيني/ الفلسطيني القادم، فلا يجرؤ احد على توقعه وتحليل كنهه، ربما خوفا من النقد أو رجاء ألا يقع أو اعتبار أن عدم الحديث عنه ينفيه عن أرض الواقع.

وذلك غير صحيح، في الأسبوع الماضي تحدثت مذيعة الأخبار في محطة "العربية" التلفزيونية مع أحد المتحدثين من حماس، وسألته سؤالا منطقيا: من بدأ الإخلال بالتهدئة؟ وكان سؤالا منطقيا ومتسقا مع الموضوع المطروح الذي تتكلم عنه، فما كان من المتحدث إلا ان انفجر صائحا مهددا، بان الإعلام العربي لا يجب أن يكون إعلاما إسرائيليا، وأن المفروض ألا تسأل المذيعة مثل هذا السؤال، إلى درجة أن السيدة قطعت المحادثة بعد أن تركته يقول ما يريد أن يقول.

كان الحديث على خلفية الاشتباك بين بعض مقاتلي حماس والقوات الرسمية الفلسطينية التابعة للسلطة، وهو ليس الاشتباك الأول وفي تقديري لن يكون الأخير.

دعونا أولا نفسر الموجود على الأرض في فلسطين، هناك عدد من التنظيمات المقاومة، منها تنظيمات فتح وما تفرع منها، ومنها تنظيمات يسارية ووطنية، وتنظيمات إسلامية، والأخيرة هما على وجه التحديد حماس والجهاد، السؤال المنطقي إذا كان الاثنان ينطلقان من منطلق واحد وهو الإسلام، فلابد أن يكونا تنظيما واحدا، إنما إذا كانت منطلقاتهم مختلفة، فهو بالتأكيد اختلاف سياسي يبرر وجودهما كوحدتين. أريد أن اخرج مكون الإسلام من المرجعية التي تنطلق منها كل من حماس والجهاد، وادخل السياسة لأنها هي الحقيقة المرجعية الوحيدة ليس إلا لغرض التحليل لأن التنافس السياسي هو تنافس على السلطة، مع اعتناقي لفكرة أن المرجعية الإسلامية هي مرجعية مهمة للحشد وتجميع الأنصار وتثوير الكوادر، وكذلك رص الحشد المعنوي والمادي خارج الأرض الفلسطينية، إلا انه في نهاية اليوم هناك "اجتهادات" سياسية علينا أن نقر بها.

الإقرار بأن هناك اجتهادات فلسطينية، توصلنا إلى حقيقة أخرى، وهي أن منظمة التحرير بكل قياداتها، وقطاع واسع من الشعب الفلسطيني الذي اختار محمود عباس رئيسا بشكل ديمقراطي وطوعي منذ أشهر، وترى هذه الجماهير أن برنامج عباس لحل القضية الفلسطينية هو الممكن في هذا الوقت وهذا المنعطف التاريخي، وأخذا بتوازن القوى، ورغبة الدول الكبرى من أميركا إلى أوروبا، بوضع حد للصراع، وترى أن يكون هناك تفاوض مع الدولة الإسرائيلية. والدولة الإسرائيلية تفاوض لأنها أيضا تشعر بضغط أساسه دولي وبعضه محلي في الأرض الفلسطينية، هذا اللقاء على المسيرة السلمية، والتفاوض حولها تتطلب التهدئة أو قل الهدنة، حتى لا نتعامل مع التعريف من وراء ستار، كما تعلمنا مع النكبة والنكسة، والهدنة تعني وقف إطلاق النار.

إذا هناك رؤيتان للفلسطينيين على الأقل، رؤية حماس من جهة ورؤية السلطة من جهة أخرى. ومن دون المساس بثوابت منها أن القضية الفلسطينية هي القضية العربية الأولى، وأنها قضية إنسانية وسياسية، وأن الفلسطينيين قد عانوا كما لم يعان شعب غيرهم في الزمن الحديث، حتى في أحلك أوقات الصراعات العالمية قتوما، كما عانى اليهود من ألمانيا النازية أو المسلمون على يد الصرب أخيرا، على رغم كل المعاناة المعروفة لمثل هذه الكوارث الإنسانية، فقد كانت معاناة كل منهم مؤقتة بشكل من الأشكال استمرت على بشاعتها فترة من الزمن ثم انتهت، إلا الفلسطينيين. والقول هذا حتى يضع كاتب هذه السطور حدا بين التعاطف الإنساني والأخوي والعقلي المحق، وبين قراءة الواقع، وما يمكن أن يتحقق نتيجة كل التوازنات والعقبات التي يمكن أن تنشأ من الداخل أو الخارج فتتخذ ذريعة لإطالة عذاب الفلسطينيين.

ليس سرا أن محمود عباس له وجهة نظر في حلحلة الموقف الإسرائيلي مستعينا بالموقف الدولي والظروف المحيطة، عن طريق المفاوضات، والرجل له وجهة نظر ليس هو الوحيد فيها، فيدعمه تيار واسع من الشعب الفلسطيني، وهو المسئول اليوم عن مجمل الحركة السياسية، بالطاقم الذي يعمل معه، كما أنه ليس سرا أن السلطة تزمع الدخول في ترتيب انتخابات عامة بعد أشهر، يقرر الشعب الفلسطيني بعدها ما يريد أن يفعل في قضيته، ويحدد مستقبل التعامل مع جيرانه.

أمام ذلك كله في المقلب الآخر، انه من اليوم حتى الانسحاب الإسرائيلي من غزة ستواجه الحكومة الإسرائيلية موقفا ليس سهلا في الداخل، وكل عملية انتحارية تزيد من تصلب المتصلبين وتؤخر الانسحاب، وتسحب من رصيد التعاطف العالمي مع القضية الفلسطينية، هذا الرصيد الذي بدأ يتكون نتيجة المواقف الفلسطينية السياسية على الصعيد الدولي، ليس أقله ما أعلنته الولايات المتحدة من سحب اعتراضها على تمويل السلطة الفلسطينية، وليس أقل من الثلاثة مليارات دولار التي خصصت من الدول الثماني الأغنى التي اجتمعت قبل أسبوعين في اسكتلندا لدعم الفلسطينيين. هذا لا يعني مالا فقط، يعني أيضا التزاما دوليا بالمسيرة التي قد تقود إلى تخفيف اضطهاد الفلسطينيين وتخفيف الاحتقان في المنطقة.

من جانب آخر، ترغب حماس أن تقول للجمهور العريض انه لولا ما قامت به من مقاومة لما انسحب الإسرائيليون، من حقها أن تقول ولا بأس من الموافقة، فليس المقام هنا قتل الناطور، إنما المقام أكل العنب. إلا أن لا حماس ولا الجهاد، ولا هما مجتمعتين بأفكارهما المعلنة يستطيعان أن يلعبا دور القوة الثالثة في التيار الفلسطيني المتجه إلى التهدئة من جانب، والانسحاب من جانب آخر. فهما من حيث المبدأ لا يفاوضان ولا يفاوضهما أحد، وليس هناك طرف دولي مقتنع بأنه يمكن لهما أو لأحدهما أن يبرز على السطح الدولي ليقنع قوى العالم انه لماذا... يريد أن يحارب حتى آخر الزمن!

عقلا إذا من الواجب أن تقرأ حماس الواقع الموضوعي، وبالاشتباك في الأسبوع الماضي مع السلطة، وما خلفه من مطالبة بإقالة وزير الداخلية الفلسطيني، يبدو أن الأمر بدأ يخرج عن الانضباط الداخلي غير المعلن، إذ لا يمكن إضمار شيء والقول للجمهور بشيء آخر، ذلك زمن رحمه الله، القول السري والعلني وجب أن يتزامنا في هذه المرحلة الصعبة من النضال الفلسطيني.

يكفي الفلسطينيين ما ارتكبه بعض قادتهم من أخطاء، في صلبها أخطاء الوجهين الداخلي والخارجي، الباطني والعلني، وقد حان الوقت أن يقال إن الاختلاف السياسي لابد أن يوضع له سقف لا يتخطاه أحد في ظل برنامج يحقق للفلسطينيين أفضل ما يمكن أن يحقق في ظل الظروف الدولية الرائجة اليوم.

غير هذا فهو اقتتال حتى العظم في شوارع غزة ومدن الضفة، ولا يوجد شخص في رأسه عقل إلا ويرى أن ذلك سيكون بشرى للتشدد الإسرائيلي، عفوا كفى هذا الاستهتار بالدم الفلسطيني، الذي لم يبق أحد إلا واستفاد من سفكه، غير القضية نفسها

إقرأ أيضا لـ "محمد غانم الرميحي"

العدد 1047 - الإثنين 18 يوليو 2005م الموافق 11 جمادى الآخرة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً