كتاب صحيح مسلم هو الكتاب الذي عرف بالإمام مسلم بن الحجاج وأذاع شهرته. وقد حظي الكتاب بالأهمية الكبيرة في حياة مسلم وبعد وفاته وحتى يوم الناس هذا. إذ إن العلماء لم يقدروا مسلم ومعرفته الواسعة بفنون الحديث إلا بعد اظهار كتابه الذي عرف واشتهر به. وفي ذلك يقول الامام النووي في مقدمة شرحه لصحيح مسلم: "وأبقى له به ذكرا جميلا وثناء حسنا إلى يوم الدين".
وقد نال صحيح مسلم القبول الكبير وتم قرنه بصحيح البخاري، وأعتبر ما فيه من الحديث صحيحا مقطوعا بصحته، وقد قام البعض بالمقارنة بينه وبين صحيح البخاري ومال البعض منهم الى تفضيله على نظيره البخاري، لكن الذي نص عليه المحققون من أهل العلم أن صحيح البخاري أفضل من حيث الصحة، وصحيح مسلم أفضل من حيث السهولة واليسر اذ كانت ميزته واضحة في عرض الأحاديث بتمامها في موضع واحد اذ لم يكن يقطعها في الأبواب مثلما فعل البخاري.
وقد اهتم العلماء بصحيح مسلم وخدموه خدمة عظيمة، فكانت هناك عشرات الشروح التي من أشهرها: اكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض، المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج للإمام النووي، إكمال العلم لمحمد بن خليفة المعروف بالأبي وهي شروح مطبوعة متداولة.
وقد امتد هذا الاهتمام فشمل الرجال الذين ذكرهم مسلم فصنف كثيرا من العلماء في هذا الاتجاه، مثل كتاب: رجال صحيح الإمام مسلم لابن منجويه الأصبهاني، رجال مسلم بن الحجاج لابن شبرين الأنصاري، وتسمية رجال صحيح مسلم الذين انفرد بهم عن البخاري للذهبي.
كما قام البعض منهم اهتماما بهذا الكتاب بوضع مختصرات له وتجريده من الأسانيد والأحاديث المكررة، مثل: مختصر صحيح مسلم للقرطبي، والجامع المعلم بمقاصد جامع مسلم للمنذري.
كما قام بعض العلماء بالجمع بين صحيح مسلم وصحيح البخاري في كتاب واحد، مثل: الجمع بين الصحيحين للجوزقي، الجمع بين الصحيحين للبغوي، زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم للشنقيطي، واللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان لمحمد فؤاد عبدالباقي.
أما عن طبعات الكتاب فقد طبع عدة مرات منفردا، ومقرونا مع شرح له مرة، لكن أفضل طبعاته هي التي حققها محمد عبد الباقي والتي رقم أحاديثها ووضع لها فهارس تفصيلية.
وقد بدأ مسلم بتأليف صحيحه في سن مبكرة عندما كان في نيسابور أثناء تطوافه في البلاد ومقابلة العلماء وأخذ العلم عنهم، وكان عمره حين بدأ الكتابة فيه تسعا وعشرين عام، اذ استغرق منه اتمام الكتاب خمس عشرة سنة حين أتمه في العام "250 هـ - 864م".
وكان اعتماده في صحيحه على الأحاديث التي انتقاها من ثلاث مئة ألف حديث والتي سمعها من شيوخه خلال رحلاته الطويلة، اذ خلص من هذا العدد الضخم من الأحاديث إلى 3033 حديثا من غير تكرار، في الوقت الذي وصلت فيه أحاديث الكتاب المكررة مع الشواهد والمتابعات إلى 7395 هذا الى جانب عشرة أحاديث ذكرها في مقدمة الكتاب. إذ كان لمسلم طريقته في انتقاء وترتيب الأحاديث اذ جعلها سهلة التناول، فرتبها على الأبواب، وجعل كل كتاب يحوي أبوابا تندرج تحته، وبحسب ترقيم العالم محمد عبدالباقي فقد بلغت كتب الصحيح 54 كتابا، تبدأ بكتاب "الإيمان" الذي تندرج تحته عدة أبواب وهي: كتاب إن الدين النصيحة، كتاب بيان خصال المنافق، كتاب تحريم الكبر، كتاب الإيمان، كتاب الطهارة، ثم كتاب الحيض، ثم كتاب الصلاة، وانتهى بكتاب التفسير وهو الكتاب الرابع والخمسون. وكان لمسلم التزامه في الكتاب بأن جعل لكل حديث موضعا واحدا، جمع فيه طرقه التي اختارها واختار فيه أسانيده المتعددة وألفاظه المختلفة، من أجل التسهيل على القارئ النظر في وجوه الحديث وما بين سنده ومتنه من فروق
العدد 1050 - الخميس 21 يوليو 2005م الموافق 14 جمادى الآخرة 1426هـ