العدد 1050 - الخميس 21 يوليو 2005م الموافق 14 جمادى الآخرة 1426هـ

مسلمو ألمانيا يثورون ضد الحملة المعادية للإسلام

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

يتنافس وزير الداخلية الألماني الاتحادي أوتو شيلي مع غريمه السياسي وزير الداخلية في ولاية بافاريا جونتر بيكشتاين على كيفية تشديد الإجراءات الاحترازية على المسلمين في ألمانيا. الأول عضو في حكومة المستشار الاشتراكي غيرهارد شرودر الذي دعا إلى انتخابات عامة مبكرة من المحتمل أن تتم في الثامن عشر من أيلول/سبتمبر المقبل والثاني ينتمي للمعارضة المسيحية المحافظة التي من المرجح أن تفوز بالانتخابات المبكرة. وجاءت تفجيرات لندن الأخيرة لتتحول إلى ورقة انتخابية في ألمانيا، لكن المناقشات السياسية وسلوك الإعلام الألماني المعروف بنظرته الضيقة للإسلام وترويجه للأحكام المسبقة دفع المنظمات الإسلامية في ألمانيا إلى مناشدة الحكومة الألمانية. ووسائل الإعلام الألمانية وقف الحملة المستعرة ضد الإسلام والمسلمين. في الوقت نفسه أصبحت المنظمات الإسلامية في هذا البلد على وعي بصورة أكبر بكثير من السابق لضرورة توحيد صفوفها في مواجهة ما يصفه البعض هجمة حاقدة على الإسلام في أوروبا التي يعيش فيها ما ينيف على 15 مليون مسلم ثلاثة ملايين منهم في ألمانيا وغالبيتهم من الأتراك "2,5 مليون".

كل من المعسكرين المتنافسين على السلطة في ألمانيا يدعو إلى تشديد الإجراءات الأمنية على المسلمين في ألمانيا. ولم المسلمون بالذات؟ المسئولون في المنظمات الإسلامية في هذا البلد يجدون في هذا السلوك دليلا على أن الأحكام المسبقة التي نشأت بصورة واسعة عقب هجوم الحادي عشر من سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة، مازالت موجودة على رغم أن هناك فئة معينة من الأشخاص في أفغانستان أو باكستان أو العراق يدعون إلى العنف ضد الغرب وليس الأمة الإسلامية برمتها. كما تشير نتائج تحليلات البوليس السري الألماني إلى أن الغالبية العظمى من المسلمين في ألمانيا يدينون العنف باسم الإسلام. غير أن نظرة بعض الألمان الضيقة للأمور والتي تكشف عن تمسكهم بموقف غير قابل للتزعزع يمنح المسلمين في هذا البلد ومن بينهم أكثر من مئة ألف مسلم ألماني، الشعور بأنهم لا ينتمون للمجتمع الألماني. كما يرى كثير من المحللين أن تضييق الحريات الدينية والشخصية تحت مبررات مثل حماية أمن وقيم المجتمع الديمقراطي المسيحي يضر بالتعايش السلمي بين أفراد المجتمع، ناهيك عن أن اختيار جالية معينة والإشارة إلى أفرادها بأصابع الاتهام يتنافى كليا مع قيم المجتمع الديمقراطي وحقوق الإنسان.

يعود سبب احتلال هذه الورقة أهمية خاصة في الحملة الانتخابية التي لم تعلن رسميا بعد إلى عدم توافر قضايا ساخنة تستغلها أحزاب السلطة والمعارضة، ما جعل تفجيرات لندن تحدث في وقت مناسب للتنافس على ود الناخبين الألمان وصح المثل القائل "مصائب قوم عند قوم فوائد". رئيس مجلس أساقفة ألمانيا الكاردينال ليمان صب الزيت على النار. فهذا الرجل المشهود له بمواقف مشرفة في الدعوة إلى الحوار بين المسلمين والمسيحيين تجاوز صلاحياته تماما حين اختار المسلمين بالذات ليرددوا قسم الولاء للدستور الألماني حين يحصلون على حق المواطنة. ويتساءل كثير من المسلمين لماذا لا يجري تعميم هذا بدلا من اختيار المسلمين بالذات، ما يكشف عن التشكيك بولاء مسلمي ألمانيا بالدستور. ضمن ما يدور على الصعيد السياسي منذ وقوع تفجيرات لندن التي لم تكشف عن خيط يقود إلى متطرفين في ألمانيا على عكس هجوم الحادي عشر من سبتمبر 2001 واعتداء جربة، أطلعنا بيكشتاين المصاب بعقدة الإسلاميين كما يبدو، على الجديد لديه، إذ اقترح أن تلجأ السلطات الأمنية في سياق تشديد الإجراءات الأمنية ضد الجالية الإسلامية إلى السجن الاحتياطي أو إبعاد الأجانب المشتبه فيهم حتى من دون محاكمة أو ثبوت الإدانة. من الإجراءات الأخرى التي توصف بالوقائية تجنيد مخبرين يتعاونون مع أجهزة الأمن يندسون في المساجد وأماكن تجمعات العرب والمسلمين لجمع المعلومات عن أنشطتهم ومواقفهم. وقال بيكشتاين الذي ينتمي للاتحاد المسيحي الاجتماعي البافاري وهو مرشح للفوز بمنصب وزير الداخلية في حكومة محافظة: "يجب أن نعرف كل ما يدور داخل المساجد"، التي يعتبرها هذا المسئول البافاري أماكن يجري فيها تنمية الأفكار المتطرفة. كما أن تلفزيون وإذاعة القسم العربي في صوت ألمانيا "دويتشه فيلله" يسهم في هذه الحملة نظرا إلى أن بعض العرب الذين دخلوا على الصحافة من هذا الباب يتسابقون في التبجح والولاء لهذه الجهة الإعلامية التي تمولها الحكومة الألمانية لكسب القوت. على صفحات موقع "دويتشه فيلله" يحصل أعداء القضايا العربية والإسلام إلى خبراء يبيعون حقدهم منهم على سبيل المثال المعلق بيتر فيليب الذي عمل فترة طويلة في "إسرائيل" وكاي هيرشمان المقرب من الموساد الإسرائيلي والذي أسس مع زميله رولف توبهوفن المقرب أيضا من الموساد مؤسسة تحمل اسم مؤسسة مكافحة الإرهاب في مدينة إيسن يتركز عملها في نشر معلومات محرضة ضد العرب والمسلمين. بينما تصف هذه المؤسسة نفسها أنها مستقلة، إلا أنها تروج عادة معلومات يزودها بها الموساد وفي الغالب فإن آراء توبهوفن ونائبه هيرشمان لا تزيد عما تنشره الصحف وتبثه وكالات الأنباء.

وزير الداخلية الاتحادي شيلي أبى أن يترك الساحة لمنافسه بيكشتاين فأدلى بحديث لمجلة "دير شبيغل" كشف فيه عن سيناريو يثير الخوف والرهبة في نفوس المواطنين الألمان. وقال إن ألمانيا مستهدفة من قبل ما وصفه بالإرهاب الإسلامي وناشد مسلمي ألمانيا التبليغ عن أي خطيب مسجد يدعو إلى العنف ويبرره على أن يتم الزج به في سجن وقائي في حال رفض بلده الأصلي استقباله إذا أبعدته السلطات الألمانية. الجديد عند شيلي اتخاذ إجراءات جديدة بحق الأشخاص المسلمين الذين زاروا باكستان وأمضوا بعض الوقت فيها. بعد تفجيرات لندن والكشف عن هويات منفذيها من أصل باكستاني وضعت ألمانيا باكستان في مرتبة أفغانستان التي كانت مربطا لـ "القاعدة" التي أقامت فيها معسكرات تدريب زارها شبان مسلمون من مختلف أنحاء العالم، ويرى الألمان أن باكستان مركز للترويج لأيديولوجية متطرفة.

على الصعيد الإعلامي المحلي تفرد الصحف الألمانية مساحات واسعة للحديث عما تصفه بتهديد الإسلام المتطرف لأمن ألمانيا وأوروبا. وبينما أطلقت صحيفة "بيلد" الشعبية لنفسها العنان لتبث حقدها على المسلمين تنشر صحيفة "فرانكفورتر ألجماينه" المحافظة يوميا تحت عنوان ةفى ى مكوفل وهذا يخفي في طيه هدف الصحيفة في مناقشة الحركة الإسلامية في ألمانيا أو ترويع القراء بما يشير إلى أن ألمانيا مهددة من قبل الإسلاميين. أما صحيفة "زود دويتشه" التي توصف بأنها ليبرالية فقد نشرت مقالا تحت عنوان: "المسلم... هذا الشيء المجهول"، كتبه هيربرت برانتل لفت النظر إلى أنه على رغم كون الإسلام يحتل المرتبة الثالثة بين الديانات في أوروبا الغربية فإنه ليست هناك فقط معلومات ضعيفة عنه بل يجري النظر إليه على أنه خطر أمني. على سبيل المثال فإن الإجراءات الأمنية التي تفرض منذ وقت على المسلمين والمساجد في الدول الأوروبية وقبلها في الولايات المتحدة، هي الإجراءات الأمنية نفسها التي فرضتها ألمانيا على الخلايا الثورية للجيش الأحمر المعروفة بجماعة بادر ماينهوف التي روعت ألمانيا في السبعينات. التشكيك بالإسلام في ألمانيا ليس جديدا فقبل عشرة أعوام بثت إذاعة غرب ألمانيا برنامجا يحمل عنوانا مريبا: "لا أعرف شيئا عن الإسلام ولكنني أخاف منه". هذا العنوان يعبر عن الوضع الحالي الذي كانت تفجيرات لندن سببا في انتشاره ولهذا تجد المنظمات الإسلامية أنه لا يجوز بعد اليوم السكوت على التجاوزات التي يقوم بها سياسيون ألمان بالإضافة إلى وسائل الإعلام الألمانية. كما تعرف هذه المنظمات أنه يتعين عليها العمل باستراتيجية تسهم في وقف الهجمة المستعرة على الإسلام والمسلمين. لهذا لا يجد نديم عطا إلياس الطبيب الألماني من أصل سعودي ويرأس المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا ما يمنع من فرض السلطات الأمنية الألمانية رقابة على المساجد بشكل متزن حتى يتسنى لها التأكد من عدم وجود أنشطة مخلة بالأمن أو تنطلق منها تهديدات للمجتمع الألماني، لكن عطا إلياس شكا في تصريحات نشرتها صحيفة "فرانكفورتر ألجماينه" من أن التصريحات المدوية التي تصدر عن المسئولين السياسيين هذه الأيام تكشف عن عدم وجود سياسة متزنة تجاه الإسلام. وقال عطا إلياس بصريح العبارة: يشعر المسلمون في هذا البلد عن حق بأن في هذا المجتمع من لا يريد إدماجهم ومنحهم الشعور بأنهم جزء منه. اتهم رئيس المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا السياسيين الذين يتسابقون للإدلاء بتصريحات توصف بأنها أقرب لمعاداة الإسلام، بأنهم لا يكلفون أنفسهم عبء الحديث مع ممثلي المنظمات الإسلامية في هذا البلد. وطالب مسئولون عن منظمات إسلامية تركيا بأن تعترف الحكومة الألمانية وحكومات الولايات بالروابط الإسلامية وعقد اتفاق بين الحكومة الاتحادية ورابطة تنوب عن المنظمات الإسلامية لتحديد التعامل في المستقبل بحيث يصبح بالإمكان التعاون في مكافحة المتطرفين ووقف الأحكام المسبقة التي تضر بالتعايش السلمي بين الألمان والم

العدد 1050 - الخميس 21 يوليو 2005م الموافق 14 جمادى الآخرة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً