العدد 1054 - الإثنين 25 يوليو 2005م الموافق 18 جمادى الآخرة 1426هـ

إلى متى يلعب الشيخ دور إطفائي الحرائق؟

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مطعم "لاتريسا". .. هل تتذكرونه؟ مطعم صغير معزول، لكنه تسبب في أزمة قبل عام ونصف. أغلب شعب البحرين، بمن فيه سكان شارع البديع، لم يكونوا سمعوا باسمه أو عرفوا بموقعه حتى حدثت المشكلة قبل عام ونصف. شخصيا كنت أمر على الشارع منذ سنوات، ولم التفت لوجوده أو أسمع باسمه إلا في منتصف ليلة الخميس، 18 مارس/آذار ،2004 ومن سائق سيارة إسعاف كانت تقل الوالد المرحوم من المطار عائدا من رحلة علاج إلى الخارج. حينها سألته عن أخبار الوطن العزيز بعد اسبوع من الغياب، فقال: "هناك جماعة هجمت الليلة على المطعم، "والدنيا عفسة"، وهناك جرحى في السلمانية".

وصلت السيارة إلى طوارئ السلمانية الساعة 12,30 بعد منتصف الليل، وبقيت بصحبة الوالد. وعند الساعة 2,00 فجرا فوجئت بالشيخ علي سلمان ومرتضى بدر في قسم الطوارئ، واكتشفت انهما جاءا في ختام مساعيهما لتهدئة الوضع و"احتواء الأزمة" وعيادة المصابين بحرينيين وأجانب.

هذان الوجهان الوطنيان المعروفان ظهرا لاحقا، كما ظهر غيرهما أيضا، في مناسبات أخرى عدة، للتهدئة وإزالة الاحتقانات. حتى نار "نانسي عجرم" التي أضرمها بعض نواب المجلس وخرجوا منها سالمين، بينما احترق بها آخرون، كان الشيخ علي سلمان يقف في الخط الأول ليهدئ الوضع ويحول دون المصادمات في وقت متأخر من تلك الليلة المشئومة.

كنت دائما أفكر في الأمر: هل تتحول مثل هذه الشخصيات إلى "عوامل تهدئة" في كل فورة هنا أو هناك؟ وإلى متى سيتمكن الشيخ علي سلمان من لعب دور "إطفائي الحرائق"؟ خصوصا إذا كانت الساحة تعج بعوامل الاحتقان والتصعيد والاستفزاز.

الشيخ علي سلمان من جيل علماء الدين الشباب، يتميز بانفتاحه على مختلف الأطراف في الساحة، وتعقله في قراراته، وخطابه المتزن، وقراءته الجيدة لتاريخ البلد. هذه القراءة جعلته يتطلع إلى عدم تكرار الأخطاء السابقة، والاستفادة من دروس التاريخ الوطني، واجتناب "الفخاخ" التي ينصبها المتربصون بالوطن.

الرجل عرف عنه ميله الديمقراطي والأخذ برأي الأكثرية حتى لو جاء على خلاف رأيه الشخصي، وقد آلى على نفسه أن يكون قريبا من الشارع. ومع كل مواقفه المدافعة عن الناس وحقوقهم، إلا ان الشارع المحتقن لم يتقبل منه مزيدا من المواقف "العقلانية" الهادئة، فقبل أسبوع بعد أن اقنع جماعة من الشباب الغاضب المأزوم بتحويل مسيرة ينوون تنظيمها إلى اعتصام هادئ، إلا انه بمجرد أن بدأ الخطابة أخذت بعض الأصوات تتعالى في وجهه، احتجاجا على سياسته المهدئة. هنالك قال بوضوح: "لا أريد أن أستدرج إلى فخ أمني". فإذا كان هناك من ينصب الفخاخ، فعليك أن تكون حكيما، فلا تذهب إلى الفخ برجليك. فالقضية لا تنحصر فقط بعودة السجون وإن كان هناك الكثيرون ممن لا يكترثون بذلك، انما ستمس مستقبل البلد كله، ومشروع الإصلاح بوعوده الكبرى، ووأد ما تبقى من آمال يعيش بها الناس في هذا البلد المكبل بالعقد والقيود.

وإذا كان هناك من يلوم الشارع المحتقن على احتقانه، إلا ان الجانب الآخر المسئول عن هذا الاحتقان كثيرا ما يسكت عنه، بل نجد كتيبة "الموالاة" تتطوع للدفاع عن الطرف الرسمي الذي أسهم بامتياز في تأزيم الوضع، وكانت آخر الخطوات تمرير "قانون الجمعيات" والتلويح بـ "قانون التجمعات"، والذي جاء تتويجا لسياسة حكومية متعمدة في "تهميش" و"إقصاء" القوى المعارضة، ومحاصرتها في الزواية.

هذه السياسة الضيقة الأفق لا تترك مجالا للدفاع عن استمرار سياسة التهدئة والتعقل وتغليب الحلول الوسط. وهي سياسة عابثة أضاعت سنة ونصف السنة من عمر هذا الشعب على يد وزير العمل والشئون الاجتماعية مجيد العلوي مع الجمعيات في "حوار الطرشان"، توجتها وزيرة الشئون الجديدة فاطمة البلوشي بإكمال عملية تطويق الجمعيات ومحاصرتها وتهديدها بالإغلاق... وأخيرا تصويب المسدس للرأس برفع الشعار المحتقن جدا: "لا حوار"، ومن لا يعجبه فليضرب رأسه بالحائط!

سياسة تصعيدية استفزازية، تحرق الجسور مع الأطراف كافة، ولا تترك خطا للرجعة، وتدفع الأمور إلى حافة المواجهة، ثم تطلب من الآخرين أن يرفعوا أيديهم علامة الاستسلام.

ظهر أمس استوقفني أحد هؤلاء الشباب الغاضبين في الشارع وأخذ يكلمني لمدة نصف ساعة من دون توقف. هذا الشاب اعتقل مطلع ديسمبر ،1994 مع بداية الاحتجاجات السياسية، والتي سماها الشارع "الانتفاضة". الشاب الذي اعتقل في يوم اعتقال الشيخ علي سلمان، وأودع معه في العنبر الشرقي من سجن القلعة بالمنامة، لم يوفر نقده أحدا من كبار "الرموز"، وتحدث عن سلمان بلهجة هجومية لا تخلو من الاتهام بالتقصير والتواطؤ ضد الشعب، وكان آخر ما قاله: "نحن لا نطالب العلماء أن يباركوا خطواتنا، فقط نريدهم ألا يدينوها" ولسان حاله يقول: إذا كنت لا تسطيع دفع منيتي....... فدعني أبادرها بما ملكت يدي

والسؤال: أي سياسة خطيرة تلك التي لا ترى أبعد من أنفها؟ سياسة تحرق كل الاوراق، وتدمر كل الجسور، وتحاصر "الآخر" في الزاوية، وتدفع البلد إلى حافة الهاوية والانتحار؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1054 - الإثنين 25 يوليو 2005م الموافق 18 جمادى الآخرة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً